عمان- يعمل الكبد بصمت وخفاء، ويؤدي وظائف حيوية لا غنى عنها، ويحمي الجسم من التعرض للسموم، ويلعب الكبد دورا رئيسيا في استقلاب الدهون. ويعد المركز الأساسي لتصنيع الأحماض الدهنية وتداول الدهون من خلال تصنيع البروتينات الدهنية (الليبوبروتينات). ولكن ماذا يحدث عندما تبدأ الدهون بالتراكم عليه؟ وهل من الممكن أن يؤدي هذا التراكم إلى أمراض خطيرة دون أن نشعر؟
قال استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد الدكتور يوسف العجلوني إن الكبد يعد من أهم الأعضاء في جسم الإنسان، لما يقوم به من وظائف متعددة وأساسية، أبرزها إنتاج العصارة الصفراوية (Bile) الضرورية لعملية الهضم. وتتشكل هذه العصارة من أملاح وكوليسترول وماء ومادة البيليروبين والكهارل، وتساعد الأمعاء الدقيقة على تحليل الطعام وامتصاص الدهون والكوليسترول وبعض الفيتامينات.
وأوضح العجلوني أن للكبد دورا مباشرا في عملية تخثر الدم، حيث يلعب دورا في امتصاص فيتامين "كيه" (K) الضروري لمنع نزف الدم، وذلك من خلال إنتاج العصارة الصفراوية التي يفرزها. كما أن الكبد مسؤول عن استقلاب مادة البيليروبين، وهي المادة التي تنتج عن تحليل الهيموغلوبين، وتعد ضرورية لوظائف الكبد.
وأشار إلى أن للكبد دورا رئيسيا في استقلاب الدهون والكربوهيدرات، إذ تعمل العصارة الصفراوية على تحليل الدهون وتسهيل امتصاصها، كما يتم تخزين الكربوهيدرات في الكبد على شكل غلايكوجين وتحويلها إلى غلوكوز عند الحاجة لضمان توازن مستوى السكر في الجسم. ويقوم الكبد أيضا بتخزين مجموعة من الفيتامينات والمعادن المهمة مثل فيتامينات "إيه" (A) و"دي" (D) و"إي" (E) و"كيه" و"بي 12″ (B12)، بالإضافة إلى الحديد والنحاس.
وبين العجلوني أن للكبد وظائف أخرى تشمل استقلاب البروتينات وتكسيرها، وتصفية وتنقية الدم، وتعزيز عمل الجهاز المناعي، وإنتاج الألبومين، وهو البروتين الأساسي في الدم، إلى جانب تصنيع هرمون "الأنجيوتنسينوجين" (angiotensinogen) الذي يلعب دورا في رفع ضغط الدم عند تحوله إلى شكله النشط.
وأوضح أن وجود كمية معينة من الدهون في الكبد هو أمر طبيعي، إلا أن تراكم الدهون بنسبة تتجاوز 5% إلى 10% من وزن الكبد قد يدل على وجود مرض قد يسبب مضاعفات خطيرة. وتنقسم دهون الكبد إلى نوعين رئيسيين: الكبد الدهني غير الكحولي والكبد الدهني الكحولي.
في النوع الأول، المسمى "الكبد الدهني غير الكحولي" (Non-alcoholic fatty liver disease)، تظهر حالتان: الكبد الدهني البسيط، إذ تتراكم الدهون في الكبد دون التهابات أو تلف في الخلايا، و"التهاب الكبد الدهني غير الكحولي" (Nonalcoholic steatohepatitis)، إذ يحدث التراكم مع وجود التهابات وتلف في خلايا الكبد، مما قد يؤدي إلى تليف الكبد.
أما النوع الثاني، "الكبد الدهني الكحولي" (Alcoholic liver disease)، فيحدث نتيجة الإفراط في شرب الخمر، وقد يتطور إلى تليف إذا استمر الشخص في الشرب.
وأكد العجلوني أن شدة مرض الكبد الدهني تتفاوت بين الحالات البسيطة والمتقدمة، وقد ينتهي المرض بتليف الكبد أو حتى الفشل الكبدي في حال عدم علاجه. وأضاف أن هناك عدة أسباب شائعة للإصابة بدهون الكبد.
وقال إن بعض الفئات تكون أكثر عرضة للإصابة بدهون الكبد، مثل الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن، ومرضى السكري الذين يعانون غالبا من مقاومة الإنسولين، والأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم الذين يتشاركون عوامل خطر مشابهة مع مرضى السكري، وكذلك من يعانون من ارتفاع الكوليسترول.
وتشمل الفئات المعرضة أيضا المصابين بمتلازمة التمثيل الغذائي التي تجمع بين السمنة وارتفاع الضغط والكوليسترول وسكر الدم، بالإضافة إلى من لديهم تاريخ عائلي للإصابة بمرض الكبد الدهني، والنساء بعد انقطاع الطمث بسبب التغيرات الهرمونية التي قد تزيد من خطر تراكم الدهون في الكبد.
كما أشار إلى أن السّموم، واستعمال بعض الأدوية مثل الستيرويدات القشرية وتاموكسيفين وبعض أدوية العلاج الكيميائي، إضافة إلى الاضطرابات الوراثية، قد تؤدي إلى تراكم الدهون في الكبد. وفي حالات نادرة، قد يحدث هذا التراكم أثناء أواخر الحمل، ويعرف حينها بتشحُّم الكبد الحَملي.
وبيّن العجلوني أن مرض الكبد الدهني لا يسبب أعراضا واضحة عند معظم الأشخاص، لكن في الحالات المتقدمة قد تظهر أعراض مثل آلام أو امتلاء في البطن، الغثيان، وفقدان الشهية والوزن، والشعور بالضعف العام، واصفرار الجلد وبياض العينين (اليرقان)، وانتفاخ في البطن والساقين، والتعب الشديد، وقد تصل الأعراض إلى ارتباك جسدي.
ويقول استشاري الأمراض الباطنية وأخصائي أمراض الجهاز الهضمي والكبد والتنظير التشخيصي والعلاجي الدكتور باسل الخالدي، إن تشخيص مرض الكبد الدهني يتم عادة من خلال مجموعة من الوسائل تشمل التاريخ المرضي، الفحص السريري، والفحوصات المخبرية والتصويرية. وغالبا ما يكتشف المرض بالصدفة أثناء إجراء فحص روتيني للدم، إذ يلاحظ ارتفاع في إنزيمات الكبد، خاصة "إيه إل تي" (ALT) و"إيه إس تي" (AST)، ما يستدعي إجراء فحوص إضافية.
ويضيف الخالدي أن التصوير بالموجات فوق الصوتية (الألتراساوند) يستخدم كأداة أولية لتشخيص وجود الدهون على الكبد، حيث يظهر الكبد بمظهر لامع نتيجة تراكم الدهون، بينما يلجأ في بعض الحالات إلى التصوير بـ"الرنين المغناطيسي" (Magnetic resonance imaging) أو "الأشعة المقطعية" (CT scan) للحصول على دقة أعلى في التقييم. أما في الحالات التي يشتبه فيها بوجود التهاب كبدي دهني متقدم أو تليف، فقد يوصى بإجراء خزعة كبدية لتحديد مدى التليف أو الالتهاب.
ويحذر من أن دهون الكبد، إذا تركت دون علاج، قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة تبدأ بتراكم غير مؤذ للدهون، ثم تتحول إلى التهاب الكبد الدهني غير الكحولي، الذي يؤدي إلى تلف خلايا الكبد. وفي حال لم يتم التدخل، يتطور الأمر إلى تليف، إذ يستعاض عن أنسجة الكبد السليمة بأنسجة ليفية تعيق وظائفه، وصولا إلى مرحلة تشمع الكبد التي تعد من أخطر المراحل، وترتبط بارتفاع خطر الإصابة بسرطان الكبد ، وفشل الكبد، وارتفاع ضغط الدم البابي، وقد تتطلب هذه الحالات زراعة كبد.
ويؤكد الخالدي أن العلاج حتى اليوم لا يشمل دواء معتمدا بشكل مباشر لعلاج دهون الكبد، بل يعتمد على معالجة الأسباب وتحسين نمط الحياة. ويعتبر فقدان الوزن بشكل تدريجي من أهم خطوات العلاج، إذ إن خسارة ما بين 7 إلى 10% من الوزن يمكن أن تحدث تحسنا ملحوظا في وظائف الكبد.
وشدد على ضرورة السيطرة على الأمراض المزمنة المصاحبة مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، والكوليسترول، إضافة إلى الامتناع التام عن الخمر، وممارسة النشاط البدني المنتظم. وفي بعض الحالات، قد تستخدم أدوية لمعالجة مقاومة الإنسولين أو لخفض الدهون الثلاثية، لكن دائما تحت إشراف طبي دقيق.
ويضيف الخالدي أن النظام الغذائي يعد حجر الأساس في علاج دهون الكبد، ويفضل اتباع نظام البحر الأبيض المتوسط، المعتمد على الخضار، زيت الزيتون، الأسماك، والمكسرات، مع تقليل الكربوهيدرات المكررة والدهون المشبعة، لأن ذلك يسهم في تقليل تراكم الدهون على الكبد.
كما يوصي بممارسة النشاط البدني المنتظم، مثل المشي السريع لمدة 30 دقيقة يوميا، وتحسن التمارين الرياضية من حساسية الإنسولين، وتقلل من الدهون داخل الكبد حتى من دون خسارة كبيرة في الوزن، سواء من خلال تمارين المقاومة أو تمارين الكارديو ، مؤكدا أن الجمع بين التغذية السليمة والرياضة يعد الطريقة الأنجح للعلاج.
كما يوصي بإجراء فحوص دورية لوظائف الكبد، خاصة لمن يعاني من أمراض مزمنة مثل السمنة أو السكري، وعدم تناول أي أدوية أو مكملات دون استشارة طبية، إضافة إلى أهمية النوم الجيد وتجنب التوتر، نظرا لتأثير الحالة النفسية على صحة الكبد بشكل غير مباشر.