في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يشهد سوق الذهب في لبنان حركة غير اعتيادية تعكس عمق التحولات التي فرضتها الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات.
فمع تآكل الثقة بالقطاع المصرفي، تحوّل الذهب من مجرد وعاء تقليدي للادخار إلى ملاذ آمن يلجأ إليه الأفراد لحماية ما تبقى من قيمة أموالهم، في مشهد يختزل حالة القلق العام وانسداد الأفق المالي.
وفي قلب بيروت ، تتكثف حركة البيع والشراء بوتيرة متسارعة. مواطنون يسارعون إلى شراء الذهب خوفا من تآكل مدخراتهم النقدية، وآخرون يعرضون ما يملكونه للبيع مستفيدين من الارتفاع القياسي للأسعار عالميا.
ويعكس هذا التناقض في السلوك واقعا اقتصاديا هشا، تتحكم به المخاوف بقدر ما تحكمه الحاجة، حيث تنقل مراسلة الجزيرة من بيروت، كاترين حنا، صورة هذا التحول، موضحة أن الذهب بات بديلا عمليا عن المصارف المتعثرة، ومخزنا للقيمة في ظل غياب أي ضمانات فعلية لودائع اللبنانيين.
ولم يعد هذا الإقبال الكثيف موسميّا أو ظرفيّا، بل أصبح جزءا من نمط اقتصادي جديد فرضته الأزمة.
وفي هذا السياق، يلفت رئيس نقابة تجار الذهب والمجوهرات نعيم رزق إلى أن السوق يشهد حركة غير مسبوقة، حيث يتخذ كثيرون قرارات بيع أو شراء سريعة، مدفوعة بتقلبات الأسعار وتوقعات استمرار الارتفاع.
ويشير إلى أن الذهب بات أداة تداول نشطة، لا مجرد احتفاظ طويل الأمد، في ظل سباق محموم مع الأسعار العالمية.
ويتقاطع هذا الزخم في السوق المحلية مع نقاش أوسع يتجاوز المحال التجارية، ليصل إلى احتياطي الذهب الذي راكمه لبنان على مدى عقود.
فبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، يمتلك لبنان نحو 287 طنا من الذهب، ما يضعه في المرتبة الثانية عربيا. وتُقدَّر القيمة الحالية لهذا الاحتياطي بأكثر من 38 مليار دولار، بزيادة تقارب 24 مليار دولار مقارنة بالسنوات السابقة.
وأعادت هذه الأرقام فتح ملف شائك في النقاش العام: هل يمكن توظيف هذا الاحتياطي في تخفيف حدة الانهيار الاقتصادي وسد جزء من الفجوة المالية التي تتجاوز 80 مليار دولار؟
غير أن هذا السؤال يصطدم بقيود قانونية، أبرزها قانون صدر عام 1986 يمنع التصرف بالذهب إلا بنص تشريعي خاص، مما يجعل أي خطوة في هذا الاتجاه محاطة بحساسية سياسية واقتصادية عالية.
ويحذر الصحفي الاقتصادي محمد وهبة من مقاربات تركز على استخدام الذهب لسد خسائر المصارف فقط، معتبرا أن هذا الطرح يقوم على حسابات مالية ضيقة، ولا يعالج جذور الأزمة المرتبطة بسوء إدارة الودائع وغياب المساءلة.
ويرى أن أي استخدام للذهب يجب أن يكون ضمن رؤية شاملة وعادلة، لا أن يخصص لفئات على حساب أخرى.
في المقابل، يطرح خبراء آخرون سيناريوهات مختلفة، تقوم على الاستفادة من الارتفاع الكبير في قيمة الذهب لتأمين سيولة تعيد تحريك الاقتصاد.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي نسيب جبريل أن لبنان قادر على استثمار جزء من هذا الارتفاع عبر عمليات مالية مع مؤسسات استثمارية عالمية، بما يتيح توفير سيولة تُضخ تدريجيا في الاقتصاد وتُستخدم في تسديد جزء من الودائع.
وبين التحذير والتشجيع، تتسع دائرة الجدل في بلد يبحث عن أي نافذة أمل، فالذهب رغم بريقه، يبقى ورقة حساسة في معادلة معقدة، تتداخل فيها الحسابات الاقتصادية مع الاعتبارات السياسية.
المصدر:
الجزيرة