الرباط – رفع المغرب موازنة قطاعي الصحة والتعليم إلى حوالي 140 مليار درهم (15.2 مليار دولار) ضمن مشروع قانون مالية 2026 بزيادة 21 مليار درهم (أكثر من ملياري دولار)، مقارنة بموازنة عام 2025، حسبما أعلنت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح علوي.
وقالت الوزيرة خلال تقديم المشروع في البرلمان، مساء أمس الاثنين، إن الحكومة ستستحدث 27 ألف فرصة عمل في هذين القطاعين خلال العام المقبل.
وبدأت لجان مجلس النواب في مناقشة مشروع الموازنة بعد مصادقة الحكومة عليه في اجتماع ترأسه رئيس الحكومة عزيز أخنوش الأحد الماضي.
تأتي الإجراءات في سياق اجتماعي محتقن، عقب الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ أسابيع للمطالبة بإصلاح قطاعي الصحة والتعليم ومحاربة الفساد أطلقتها مجموعة شبابية رقمية تطلق على نفسها " جيل زد 212″، وكذلك بعد احتجاجات في عدد من المدن والقرى منذ شهرين بسبب تردي الخدمات الصحية وحالة التهميش.
وفي تعليقها على التدابير الحكومية، قالت مجموعة شباب "جيل زد" في بيان إن "التفاعل الإيجابي مع نبض الشارع هو أولى خطوات بناء الثقة المفقودة"، موجهة الشكر إلى شباب جيل زد والشعب المغربي، ولكل من تظاهر في الأسابيع الأخيرة، وقالت "بفضل ضغطكم الواعي ارتفعت ميزانية التعليم والصحة في المغرب".
وأكدت المجموعة أنها ستواصل مراقبة تفاصيل التنفيذ لضمان معالجة النقص الكبير في هذين القطاعين، داعية إلى مرافقة هذه الخطوات بإجراءات صارمة لمحاربة الفساد وتضارب المصالح، لتتحول إلى إصلاح حقيقي.
خصصت الحكومة حوالي 42.2 مليار درهم (4.6 مليارات دولار) لقطاع الصحة ضمن موازنة 2026، بزيادة قدرها 10 مليارات درهم (أكثر من مليار دولار) مع توفير 8 آلاف فرصة عمل في القطاع بزيادة 1500 وظيفة، مقارنة بسنة 2025، وفق وزيرة الاقتصاد والمالية.
وأوضحت الوزيرة أن الحكومة ستواصل سد العجز المسجل في القطاع الصحي المغربي من خلال افتتاح المركزين الاستشفائيين الجامعيين بكل من أغادير والعيون قبل نهاية العام الجاري، والتسريع بأعمال بناء وتجهيز المركز الاستشفائي الجديد للرباط، والذي يتوقع افتتاحه بداية العام المقبل، إلى جانب بناء مراكز أخرى بكل من بني ملال وكلميم والراشيدية.
وتعتزم الحكومة إطلاق عملية إصلاح وتحديث 90 مستشفى بكافة جهات المملكة، والشروع في إعادة تأهيل 1600 مركز صحي على مدى 3 سنوات، وذلك بعد استكمال المرحلة الأولى التي تخص حاليا حوالي 1400 مركز صحي.
أما قطاع التربية والتعليم، فقد خصصت له الحكومة حوالي 97.1 مليار درهم (10.5 مليارات دولار) ضمن موازنة 2026 مع إحداث 19 ألفا و344 فرصة عمل لفائدة القطاع.
وبشكل عام، أعلنت الحكومة عن استحداث حوالي 37 ألف فرصة عمل في مختلف القطاعات الحكومية خلال السنة المالية المقبلة، إلى جانب إجراءات لتشجيع الاستثمار الأجنبي والخاص، بما يتيح خلق فرص عمل إضافية في القطاع الخاص.
وقال الخبير الاقتصادي محمد جدري إن مشروع قانون المالية لسنة 2026 هو آخر موازنة تضعها الحكومة الحالية التي تستكمل ولايتها نهاية العام المقبل، موضحا أن الحكومة ستذهب بالسرعة النهائية لتنفيذ برنامجها الحكومي.
ورغم أن الظرفية الدولية المتقلبة ألقت بظلالها على إعداد الموازنة، فإن جدري يؤكد في حديث مع الجزيرة نت أن مؤشرات الاقتصاد الكلي للمغرب تبقى مطمئنة، مبرزا أن "معدل النمو بلغ 4.8%، وتم التحكم في التضخم الذي تراجع من 6% إلى حوالي 1%، بينما انخفض عجز الميزانية من 7% إلى 3%".
وأوضح أن إعداد موازنة السنة المقبلة يأتي في ظروف وطنية خاصة، مشيرا إلى خطاب العرش في 30 يوليو/تموز، الذي أكد فيه الملك محمد السادس بوضوح على أنه لا مكان لمغرب يسير بسرعتين.
وأضاف أن احتجاجات شباب "جيل زد" أثرت بدورها على توجهات الحكومة في إعداد الموازنة الجديدة، التي جاءت "استجابة لمطالب هؤلاء الشباب، خصوصا تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات الأساسية".
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي التهامي عبد الخالق أن الحكومة المغربية تحاول القيام بما تستطيعه وفق الإمكانيات المالية المتاحة لديها، موضحا أنها تبذل جهدا واضحا للتجاوب مع المطالب الاجتماعية للمحتجين، لكنها في الوقت نفسه مطالبة بالحفاظ على التوازنات المالية المرتبطة بالعجز والمديونية.
ورغم إقراره بأن هذا الجهد المالي الإضافي في موازنة العام المقبل "محترم واستثنائي" مقارنة بالسنوات السابقة، فإن عبد الخالق يراه غير كافٍ بالنظر إلى النقص الكبير والتراكمات التي أدت إلى تردي قطاعي الصحة والتعليم لعقود.
يقول جدري إن موازنة 2026 تقوم على أولويات أساسية هي كالتالي:
وبالموازاة مع رفع موازنة القطاعات الاجتماعية، لفت جدري إلى أن الحكومة مدعوة كذلك إلى ضبط التوازنات المالية، والحفاظ على عجز الميزانية في حدود 3%، مع التحكم في المديونية.
من جهته، حذر التهامي عبد الخالق من أن هذه الزيادات في الموازنة قد تؤدي إلى تفاقم العجز المالي وارتفاع المديونية، وهو ما قد يخلق إشكالات اقتصادية تضع البلاد في وضعية مالية غير مريحة في السنوات المقبلة.
وبلغ عجز الميزانية سنة 2024 نحو 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي ، في حين وصلت مديونية الخزينة العامة إلى 67.7%.
وفيما يتعلق بتمويل الزيادات في ميزانيتي الصحة والتعليم، أوضح عبد الخالق أن: