منحت لجنة نوبل في ستوكهولم جائزة الاقتصاد لعام 2025 لـ3 أكاديميين من ضفتي الأطلسي، تقديرا لإسهامهم في تفسير الدور الحاسم للابتكار والتجديد التكنولوجي في توليد النمو الاقتصادي، وفقا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ.
وحصل كل من جويل موكير من جامعة "نورث وسترن"، وفيليب أغيون من كلية لندن للاقتصاد ومعهد "إنسياد" في باريس، وبيتر هاويت من جامعة "براون" على الجائزة المعروفة رسميا باسم "جائزة بنك السويد في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل"، وذلك عن أبحاثهم التي أرست أسس ما يُعرف اليوم بـ"نظرية النمو الشومبيتري" القائمة على مفهوم "الهدم الخلّاق".
وبحسب ما أوضحت بلومبيرغ، فإن مفهوم الهدم الخلّاق الذي استلهمه الباحثون من أفكار الاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر، يشير إلى العملية التي تستبدل فيها الابتكارات الجديدة بالأنظمة الاقتصادية القديمة، فتُدمَّر الصناعات المتقادمة لصالح أخرى أكثر كفاءة وإنتاجية.
بمعنى آخر، فإن النمو لا يتحقق فقط عبر التوسع الكمي، بل عبر تحولات هيكلية جذرية تخلق أنماطا جديدة من الإنتاج والتوظيف والتقنية، وتُقصي تدريجيا النماذج التي لم تعد قادرة على المنافسة.
وتضرب النظرية أمثلة واضحة على ذلك من التاريخ، فالمحرّك البخاري أزاح طواحين الهواء، والهواتف الذكية أنهت عصر الكاميرات الرقمية، و الذكاء الاصطناعي اليوم يعيد تشكيل قطاعات بأكملها.
وترى اللجنة أن هذا النموذج يشرح الطابع الديناميكي للرأسمالية، حيث تكون "الفوضى الخلّاقة" شرطا لتقدّم المجتمعات، رغم ما تسببه من اضطراب قصير الأجل في الأسواق وفرص العمل.
وقالت كيرستن إنفلو، عضو لجنة نوبل وأستاذة الاقتصاد النظري بجامعة لوند، في تصريحات نقلتها بلومبيرغ، إن "عمل الفائزين يذكّرنا بأن التقدّم لا يُؤخذ كأمرٍ مسلّم به، وعلى المجتمعات أن تراقب العوامل التي تولّد النمو وتُبقيه مستداما، وهي الابتكار العلمي، والهدم الخلّاق، وانفتاح المجتمع على التغيير".
أما الاقتصادي الهولندي المولد جويل موكير، فقد نال التقدير عن دراسته العميقة حول كيفية ترسّخ النمو المستدام منذ الثورة الصناعية، مدفوعا بالموجات المتلاحقة من الابتكارات التقنية.
وبيّنت بلومبيرغ أن زميليه أغيون وهاويت وضعا عام 1992 نموذجا رياضيا شهيرا يُظهر كيف يتحوّل الابتكار في جوهره إلى عملية مستمرة من "الهدم الخلّاق" عبر المنافسة، إذ تُجبر الشركات الجديدة نظيراتها القديمة على الخروج من السوق أو إعادة الهيكلة، في دورة دائمة من التجديد الاقتصادي.
وفي تصريح نقله التقرير، قال أغيون في أول تعليق له بعد تلقيه الخبر عبر الهاتف: "أنا ما زلت عاجزا عن الكلام"، مؤكدا أن الابتكار هو قلب النمو الحديث.
وسيحصل موكير على نصف قيمة الجائزة البالغة 11 مليون كرونا سويدية (نحو 1.2 مليون دولار أميركي)، في حين يتقاسم أغيون وهاويت نصفها الآخر.
ولفتت بلومبيرغ إلى أن أغيون، المولود في باريس والمقيم في أوروبا، كان في السنوات الأخيرة أحد الأصوات المؤثرة في السياسة الفرنسية، إذ حثّ الرئيس إيمانويل ماكرون على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما في إطار إصلاحاته الاقتصادية.
وعند سؤاله عن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على النمو، أجاب بلهجة نقدية: "أنا لا أرحّب بالموجة الحمائية في أميركا، فهذا ليس جيدا للنمو ولا للابتكار". وأضاف أن "على أوروبا أن تدرك أننا لم نعد نستطيع ترك أميركا والصين تتقدمان تكنولوجيا بينما نحن نتراجع".
وتناول أغيون أيضا أثر الذكاء الاصطناعي على النمو المستقبلي، واصفا إياه بأنه "أداة واعدة ومحفوفة بالمخاطر في آنٍ واحد"، موضحا: "الأفكار ستصبح أسهل منالا بفضل الذكاء الاصطناعي، مما يعني إمكانات نمو هائلة، لكن المشكلة تكمن في كيفية تسخير هذه الإمكانات، وهنا تبرز أهمية سياسة المنافسة".
ويعني ذلك، وفق بلومبيرغ، أن الذكاء الاصطناعي قد يُحدث موجة جديدة من "الهدم الخلّاق" في قطاعات مثل التعليم والصناعة والإعلام، لكنه في المقابل قد يفاقم الفوارق بين الاقتصادات إذا غابت التشريعات الضابطة.
أما هاويت، الكندي المولد، فاشتهر بتعاونه الطويل مع أغيون في تطوير "نظرية النمو الشومبيتري"، التي دمجت بين الابتكار كقوة محركة والتنافس كساحة تجريبية. وقال لاري كرامر من كلية لندن للاقتصاد في بيان نقلته بلومبيرغ: "العمل الرائد للبروفسور أغيون في مجال النمو المدفوع بالابتكار غيّر جذريا فهمنا لكيفية تطور الاقتصادات وازدهارها".