آخر الأخبار

زياتين .. صراع بين المهاجرين والسكان وأشجار الزيتون

شارك
تونس صفاقس 2025 ، مخيم العامرة صورة من: Khedir Mabrouka

وسط المخيم في مدينة العامرة في محافظة صفاقس، تنتشر عائلات بأطفالها، وتحيط خيامهم بمضخات الكهرباء، مطاعم، ومقاهي. في ركن آخر، يجتمع عدد كبير من الافارقة جنوب الصحراء حول شاب يبيع لهم ملابس وأحذية شتوية لتقيهم برد الشتاء.

بدوا في بداية الحديث معهم متخوفين من الصحافيين بسبب تنامي خطاب الكراهية تجاههم في وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد تعقدت حياتهم بعد أن زارت خيامهم نائبة البرلمان التونسي فاطمة المسدي ونشرت فيديوهات من داخل المخيم على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى توجيه مزيد من الانتقادات ضدهم. أنشأ المهاجرون لأنفسهم هنا شبه قرى داخل غابات الزيتون.

رحلة هروب من العنف والاضطهاد في نيجيريا

في قلب العاصمة النيجيرية أبوجا، كان أنجيلو أبيفيدا يعيش حياةً صعبة. لم يكن العنف الأسري وحده هو الذي دفع به إلى مغادرة بلاده، بل أيضًا تحديات أخرى متعلقة بميوله الجنسية، والتي جعلته يشعر بعدم الأمان وسط مجتمعه. تعرض أنجيلو لوحشية الشرطة وممارسات قمعية زادت من إحساسه بالاضطهاد، إلى جانب الضغوط الاجتماعية التي جعلته يرى أن مستقبله في نيجيريا محفوف بالمخاطر.

أطفال في مخيم العامرة بمحافظة صفاقسصورة من: Khedir Mabrouka

في حديثه مع DW، يؤكد أنجيلو أن قصة هجرته ليست استثناءً، بل هي واقع يعيشه العديد من الأشخاص الذين يبحثون عن حياة أكثر أمانًا. يقول: "لست الوحيد الذي يعاني هنا في هذا المخيم، أنا لست الاستثناء بل هو واقع يعيشه كل واحد منا كمهاجرين في هذه المخيمات. تدفعنا الظروف الصعبة جميعا إلى الهجرة. حياتنا في المخيم قاسية ومليئة بالتحديات، حيث لا يسمح لنا حتى بالإقامة تحت أشجار الزيتون، نحن مطاردون حيثما ذهبنا. لكن بقاءنا هنا في هذا المخيم مجرد حل مؤقت لا يعالج المشاكل الجذرية التي نواجهها".

يشدد أنجيلو أبيفيدا،الشاب النيجيري على الحاجة الملحة لتوفير حماية أكبر للمهاجرين ، مؤكدا أنهم، رغم كل التحديات، لا يزالون متمسكين بالأمل في الوصول إلى أوروبا بحثا عن الأمان. كما يضيف في حديثه لـ DW:" تجربة المهاجرين غير النظاميين تعكس واقعًا صعبًا يجعلنا نشعر جميعا أن إفريقيا، بما في ذلك تونس، ليست بيئة آمنة لنا، مما يعزز مطلبنا بالحصول على حماية دولية حقيقية تضمن لنا حقوقنا الإنسانية خاصة في ظل الوضع الصعب الذي يعيشونه في إفريقيا".

حلم بين الخيام: رحلة مهاجر في ظل الظلم والكابوس

في قلب خيمة صغيرة محشوة بالادباش ومعدات الطبخ، يجد اموس قيبيه نفسه محاصراً منذ عام ونصف دون أي حل يمنحه الأمان الذي يبحث عنه. اموس، مهندس من ليبيريا حاصل على دبلوم في البناء العام، اضطر إلى مغادرة بلاده بحثاً عن حياة أفضل وفرص عمل، فذهب إلى الجزائر، حيث لجأ إليها سابقاً وحصل على شهادة لجوء من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لكن ما كان مأمولا أن يكون ملاذاً آمناً تحول إلى كابوس، حيث تعرض للاضطهاد من قبل الدرك الجزائري، مما أجبره على الفرار مجدداً إلى تونس ، حيث واجه تحديات جديدة فاقمت من معاناته.

حاول اموس عبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا سبع مرات، إلا أن خفر السواحل التونسية كان يعترضه في كل مرة ويعيده إلى تونس، فلا يجد له من ملجإ سوى خيمته مع زوجته. وضعية تعكس المصاعب التي يواجهها المهاجرون غير النظاميين في بحثهم عن الاستقرار.

تونس ـ صفاقس 2025 ، حيث يجلس لاجئ من أفريقيا جنوب الصحراءصورة من: Khedir Mabrouka

ترك اموس قيبيه طفليه عند والديه في ليبيريا ورغم امتلاكه القدرة المالية على استئجار سكن مع زوجته التي تقيم معه في الخيمة، إلا أنه يواجه رفضاً مستمراً من التونسيين الذين يرفضون تأجيره، ما يجعله عالقاً في دائرة من التمييز وانعدام فرص العيش الكريم.

الخوف من الاعتقال يلاحقه أينما ذهب، حتى عند شراء الطعام، إذ يخشى أن يُقبض عليه وتُصادر أمواله ومشترياته. كما يعاني من صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية، حيث لا تحظى حالته بأي اهتمام في المستشفيات، ما يضطره إلى شراء أدويته بنفسه. ازدادت مأساته بفقدان شقيقه، الذي توفي أثناء احتجازه بعد حرمانه من الرعاية الطبية، في مشهد يعكس الظروف القاسية التي يعيشها اللاجئون والمهاجرون في المنطقة.

ورغم كل هذه التحديات، لا يزال اموس يتمسك بالأمل في العثور على مستقبل أكثر أماناً واستقراراً، رغم القيود التي تحاصره من كل جانب.

في منطقة العامرة، على بعد كيلومتر ونصف من وسط المدينة ، تقع أرض عائلة بن فرحات، وهي قطعة من التاريخ تمتد على مساحة 184,000 متر مربع، مزروعة بـ 350 شجرة زيتون. يعتبر الأستاذ الجامعي أرسلان بن فرحات هذه الأرض "إرثًا للأجيال"، حيث أمضى والده أكثر من سبعين عامًا في رعايتها حتى وافته المنية عن عمر 105 سنوات.

بدأت الأزمة عندما قررت السلطات الجهوية في محافظة صفاقس نقل المهاجرين غير النظاميين من وسط المدينة إلى منطقة العامرة، حيث يوجد هنشير بن فرحات. بدأ العدد بنصب عشرات الخيام ثم ارتفع إلى مئات، وأخيرًا باتت تمتد امام اعيننا على مئات الخيام التي تأوي آلاف الأشخاص.

صراع أرسلان بن فرحات من اجل استعادة ارضه بدأ منذ أكثر من عام ونصف عندما قدم شكواه للقضاء التونسي وللسلطة المحلية في محافظة صفاقس.

يقول الأستاذ الجامعي أرسلان بن فرحات لـ DW:" أصبحت أعيش كابوسا يوميا لقد تحولت ضيعة زياتيننا إلى مستوطنة شبه منظمة، تضم خياما مجهزة ومسجدا ومحلات تجارية ومراكز للخدمات، مما يشبه "مشروع توطين غير معلن. مع تزايد أعداد المهاجرين، بدأت معالم الأرض تتغير بشكل كبير. تعرضت أشجار الزيتون للتكسير والاحتطاب العشوائي، وتحولت بعض أجزاء الأرض إلى "سوق سوداء" لبيع الزيتون دون رقابة. إحدى أقدم وأضخم أشجار الزيتون، التي كانت معلمًا داخل الأرض، تم حرقها، مما شكل صدمة كبيرة لي ولعائلتي. أعمال التخريب لم تتوقف عند ذلك، بل امتدت إلى ممتلكات الفلاحين والعاملين في الأرض، مما جعل مهمة مواصلة النشاط الزراعي شبه مستحيل".

مخيم العامرة ، مهاجر افريقي يؤدي الصلاة اليوميةصورة من: Khedir Mabrouka

إجراءات قانونية بلا جدوى...

في مواجهة هذا الوضع، لجأ بن فرحات إلى القضاء، حيث كلّف محامياً لتقديم شكاوى رسمية إلى وكيل الجمهورية. تم تعيين عدل منفذ لإجراء معاينات ميدانية، وأوضحت التقارير الصادرة عن هذه المعاينات أن الوضع يعتبر "كارثياً"، حيث تحولت الأرض إلى "معسكر" دائم مع تزايد متسارع في أعداد  المهاجرين حسب تعبيره.

رغم تقديم الشكاوى، ظلت الإجراءات الإدارية عالقة بين المكاتب، وسط بطء شديد في التفاعل من قبل السلطات. اليوم، يوجّه أرسلان بن فرحات نداء عاجل إلى رئيس الجمهورية، مطالباً بتدخل سريع لإيجاد حل جذري لهذه الأزمة. يؤكد أن المزارعين بحاجة إلى قرارات جريئة توقف هذا النزيف المستمر، ويسأل: "كيف سنقوم بتقليم الأشجار بينما توجد خيمة تحت كل زيتونة؟ كيف سنعتني بالأرض ونحن غير قادرين حتى على دخولها؟".

ويختم أرسلان بن فرحات، الأستاذ الجامعي، حديثه مع DW قائلاً: "هنشير بن فرحات هو نموذج لمعاناة يعيشها العديد من الفلاحين التونسيين. رغم تقديم الشكاوى، بقيت الإجراءات الإدارية عالقة بين المكاتب، وسط بطء شديد في التفاعل من قبل السلطات. وتم تغيير أكثر من مسؤول على الملف، لكن الحلول ظلت غائبة، مما أدى إلى تفاقم الوضع بشكل خطير، إذا لم يتم إيجاد حل سريع، فقد يتحول فقدان هذه الأراضي إلى واقع دائم، ليكتب تاريخ جديد على أنقاض إرث الأجداد.. هذه ليست مجرد أرض... إنها حياة بأكملها ".

اليوم، يوجّه أرسلان بن فرحات نداء استغاثة عاجل إلى رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد ، مطالباً بتدخل سريع وفعال لإيجاد حل جذري لهذه الأزمة المستمرة. وقال في هذا السياق متحدثا لـ DW: "كيف سنتمكن من تقليم الأشجار بينما توجد خيمة تحت كل زيتونة؟ كيف سنستطيع العناية بالأرض ونحن غير قادرين حتى على دخولها نحتاج قرارات حاسمة توقف هذا النزيف المستمر وتعيد لنا حقوقنا في استغلال اراضينا بسلام".

تظهر مجريات الأحداث اليومية أن تونس تشهد تدفقًا متزايدًا للمهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء، حيث أصبح مصيرهم محاطًا بالغموض والضياع. في ظل قبضة أمنية مشددة ومنع للهجرة السرية إلى أوروبا، لم يتم إيجاد حل جذري لمعالجة هذه الأزمة. في المقابل، يتعرض المهاجرون للاعتقالات التعسفية والتهجير القسري، مما يزيد من تعقيد الوضع.

لذلك، يرى العديد أن على السلطات التونسية والمجتمع الدولي العمل على إيجاد حلول مستدامة تعالج جذور الهجرة وتحمي حقوق الإنسان، بدلاً من التركيز على الإجراءات الأمنية فقط. في الوقت نفسه، يجب على تونس أن تعمل على دمج المهاجرين بشكل أفضل في المجتمع المحلي، وتوفير الحماية القانونية لهم، وتعزيز التسامح والتفاهم الثقافي.

مبروكة خذير ـ تونس

DW المصدر: DW
شارك

حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار