ما بين عامي 1566 و1648، عاشت أوروبا على وقع حرب الثمانين عاما، المعروفة أيضا بحرب الاستقلال الهولندية، التي مثلت بالأساس ثورة اندلعت بالأراضي المنخفضة الهابسبورغية (Habsburg Netherlands) ضد السلطة الإسبانية بقيادة الملك فيليب الثاني (Philip II) الذي انتمى للشق الإسباني من عائلة هابسبورغ.
وخلال فترات عديدة من هذه الحرب، تلقى الهولنديون دعما من بعض الأطراف الأجنبية التي اصطفت لجانبهم بسبب تضارب مصالحها مع مصالح الإسبان. وفي الأثناء، مثلت كل من إنجلترا وفرنسا والبرتغال أبرز الداعمين للهولنديين.
وبهذه الحرب، برز على الساحة الأوروبية اسم وليام الصامت (William the Silent) مؤسس عائلة أورنج ناسو (Orange-Nassau) التي لا تزال تتربع ليومنا الحاضر على عرش هولندا. فبتلك الفترة، مثل وليام الصامت أهم من قادوا الثورة ضد الإسبان قبل حادثة اغتياله عام 1584.
ولد وليام الصامت لعائلة ناسو عام 1533. ومنذ العام 1544، شغل الأخير منصب أمير أورنج ليشكل بذلك عائلة أورنج ناسو. إلى ذلك، صنف وليام الصامت كواحد من النبلاء الأثرياء. وببدايته، خدم الأخير ببلاط عائلة هابسبورغ وعمل لصالح مارغريت هابسبورغ دوقة بارما وحاكمة الأراضي المنخفضة الإسبانية.
وأثناء فترة عمله لصالح عائلة هابسبورغ، استاء وليام الصامت من مركزية السلطة السياسية وابتعادها عن بقية طبقات المجتمع كما عبر بأكثر من مناسبة عن رفضه لسياسة اضطهاد إسبانيا للبروتستانت الهولنديين. ومع تزايد غضبه من هذه السياسة، تمرد وليام الصامت على عائلة هابسبورغ واتجه للالتحاق بالثورة.
من جهة ثانية، مثل وليام الصامت أهم المتمردين ضد سلطة الإسبان بسبب شعبيته ونفوذه وكفاءته السياسية. وبالتزامن مع ذلك، قاد الأخير الهولنديين لتحقيق انتصارات عديدة على الإسبان.
وبإسبانيا، أثارت تصرفات وليام الصامت غضب المسؤولين السياسيين. وبسبب ذلك، أعلن الملك الإسباني فيليب الثاني وليام الصامت خارجا عن القانون ووعد بمنح 25 ألف كرونة لمن يقوم بقتله.
إلى ذلك، أثارت المكافأة المالية الهائلة اهتمام العديد من الأشخاص بمختلف أرجاء أوروبا. وقد تواجد ضمن هؤلاء الذين انبهروا بالمكافأة الفرنسي بالتازار جيرار (Balthasar Gérard). وبعد فترة قضاها بجيش لكسمبورغ وزيارته لدوق بارما لإقناعه بخطته، توجه بالتازار جيرار نحو وليام الصامت وقدم نفسه على أنه نبيل فرنسي ذو نفوذ كبير بفرنسا.
تدريجيا، كسب بالتازار ثقة وليام الصامت. وعقب عشاء أقامه بمنزله بمدينة ديلفت (Delft) يوم 10 تموز (يوليو) 1584، غادر وليام الصامت قاعة الطعام. وأثناء نزوله الدرج، تعرض الأخير لإطلاق نار من مسدسين كانا بحوزة بالتازار جيرار ضمن ما صنف كواحدة من أولى عمليات الاغتيال باستخدام الأسلحة النارية. وعقب هذه الحادثة، فارق وليام الصامت الحياة وهو يردد عبارات " يا رب ارفق بروحي، يا رب ارفق بهذا الشعب المسكين".
لاحقا، ألقي القبض على بالتازار جيرار أثناء محاولته الفرار. وعقب محاكمته، نال الأخير حكما قاسيا حسب معايير تلك الفترة.
قبل إعدامه يوم 14 يوليو (تموز) 1584، تعرض بالتازار جيرار للتعذيب الشديد. ويوم تنفيذ الحكم، تم حرق اليد اليمنى لجيرار بمكواة ملتهبة. ومن ثم، تم فصل لحمه عن عظمه قبل أن تستخرج أحشاؤه وهو حي. وعقب ذلك، أخرج قلبه ورمي بوجهه. وفي النهاية، تم تقطيع أطرافه ورأسه أمام الحاضرين الذين ابتهجوا بمشاهدة هذا المظهر.