سجن مغنيين في الجزائر فتح الجدل.. ما سر فن "الراي"؟

خلال الفترة الماضية، اعتقلت السلطات في الجزائر، مغني "راي"، شهير ما حَمل أسئلة فيما إذا كان هذا النوع الغنائي الذي يقتات من الكلمات الشعبية والأقرب من المستمعين البسطاء، قد حاد عن مساره.

فقد اعتقل قبل أيام المغني المعروف فنيا باسم "الشيخ كيمو" بعد فترة قصيرة من توقيف المغني "الحبيب هيمون"، في ما وصف بالحملة ضد "الغناء الهابط".

لكن هذه الخطوة غير المسبوقة، والمتمثلة في اعتقال وسجن مغنيين بسبب كلمات "مجازية"، فتحت الجدل حول مستقبل هذا الطابع الغنائي، المعروف عنه أنّه "صوت الطبقة الشَّعبية" الذي يعبر عن آمالها وآلامها ويصف أحوالها حتى الأكثر "ابتذالا"

في حين رأى متابعون أنّ هذا الطابع الغنائي يمكنه العيش دون "النزول" إلى مستوى استحضار المخدرات والجنس والجريمة، ويترفع عن ذلك بكلمات راقية. اعتبر آخرون أنه لا يمكن بحال من الأحوال فصل الغناء عن المجاز، وكل الكلمات التي يستعملها هؤلاء المغنون، هي مجازية تماما مثل تلك التي تستعمل في جميع الطوابع الغنائية تقريبا، مع اختلاف بسيط في الألفاظ.

انعكاس للشَّارع

من جهته، أوضح الكاتب والباحث محمد بن زيان، أنه "عند الحديث عن أية ظاهرة فنية ينبغي وضعها في سياقها التاريخي"، مضيفا أن "الراي كطابع غنائي، ظهر كانشقاق عن الشعر الشَّعبي وحمل في تعبيراته ما يعتبر صادما أو عنيفا أو مبتذلا ".

كما أضاف في تصريحه لـ"العربية.نت"، أنَّ "ذلك ليس غريبا ولا شاذا، فهي ظاهرة حضرت في التراث بنوعيه الشعبي والفصيح، وفي مدونات التراث ما يترجم ذلك "

مصدر الصورة

(تعبيرية- آيستوك)

كذلك لفت إلى أنها ظاهرة حضرت عالميا مع موجات التيارات الفنية المتمردة على هيمنة نماذج معينة، مرتبطة أيضا بحيثيات سوسيولوجية عديدة "

عنف الاستعمار

إلى ذلك، قال صاحب رواية "حرائق قلب"، إنَّ "الراي برز في سياق مشحون بعنف الاستعمار، وما ترتب عن قمعه من نزوح نحو هوامش المدن وتشكل هوامش خطاب حمل التعبير عن الإحباط والكبت والرغبة في الحياة".

وعقب استرجاع الاستقلال، أضاف بن زيان "تواصل "الراي" مع حدوث تحولات في الإيقاع وفي الصياغات اللغوية وفي التفاعل مع أنماط موسيقية مختلفةوبرزت اتجاهات عدة.

كما أردف أن "الراي ليس نمطاً واحدا بل متعددا، فمع عنف اللغة وابتذالها، برزت أسماء أسست لأغاني تستثمر التراث وتهذب الكلمات مثلما كان الحال مع المرحوم فتحي، ومثلما سلك لاحقا هواري بن شنات". وأضاف أنه عرف أيضا تحولا مع الشاب حسني والشاب نصرو اتجه نحو النوع العاطفي، كما صاغ الشاب بلال أسلوبا جعله يوصف بدحمان الراي تشبيها بدحمان الحراشي".

مصدر الصورة

(تعبيرية- آيستوك)

العشرية السوداء

ومع الوقت، وخلال العشرية السوداء، قال بن زيان إنَّ تلك الفترة "تركت أثرها على الكلمات، وتفاقم الأمر مع ثورة تكنولوجيا الاتصالات وانتشار وسائط التواصل الاجتماعي".

وأشار الباحث إلى أنه "لا يمكن أن ننسى بأنّه نشأ من رحم التمرد، لهذا عبرت كلماته عن طبيعته، لكن كل ذلك ارتبط بسياقات لها ملابساتها".

إلا أنه أكد أنه "تطور وعرف تحولات نوعية وحتى رواده الكبار مثل الشاب خالد، اتجهوا إلى استثمار ما في تراث الشعر الشعبي".

مصدر الصورة

من الجزائر (أرشيفية- آيستوك)

أما عن حملة الاعتقالات فرأى الكاتب أن ما جرى يكمن في تسلل عشرات المؤدين ممن يسمون بالمؤثرين الباحثين عن الرواج بأية وسيلة وسط فوض الساحة الغنائية، إلى عالم الراي، مدخلين عباراتهم المبتذلة. وختم معتبرا أنه يجب اعادة النظر بما تشهده الساحة الفنية حالياً بشكل عام وليس "الراي" فقط، نظرا إلى تشكل ممارسات ناجمة عن عوامل متعددة مرتبطة بالتحولات الاجتماعية والتغيرات العمرانية".