آخر الأخبار

سعف النخيل والزيت المستعمل يشعلان ثورة الطاقة البديلة في العراق

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

من التحديات الكبرى أمام الاعتماد على الوقود الحيوي كبديل أنظف للبنزين والديزل، أن إنتاجه عادة ما يعتمد على محاصيل غذائية مثل الذرة أو الصويا، مما يخلق صراعا بين الغذاء والطاقة، ولهذا يسعى العلماء إلى تطوير طرق مستدامة لإنتاج هذا الوقود دون منافسة الغذاء أو الإضرار بالبيئة، ومؤخرا، جاء أحد أبرز الحلول من العراق.

ففي دراسة نُشرت بدورية "فيول"، أعلن فريق بحثي عراقي بقيادة الدكتور يونس العاني من كلية الهندسة التقنية بالجامعة التقنية الوسطى في بغداد، عن تطوير محفز كيميائي صديق للبيئة مصنوع من سعف النخيل، نجح في تحويل زيت الزيتون المستعمل إلى وقود حيوي (بيوديزل) بكفاءة وصلت إلى 97.36%.

وسعف النخيل هو الجزء الورقي الأخضر أو الجاف الذي يمتد كالمروحة من قمة النخلة، ويتكون من ساق طويلة تعرف بالجريد، تتفرع منها وريقات جانبية تشبه الريش تسمى الخوص.

وفي العراق، الذي يمتلك قرابة 22 مليون نخلة من أصل أكثر من 35 مليون نخلة في العالم العربي، تقدر كمية السعف المتساقط سنويا بما يتراوح بين 3 إلى 5 ملايين طن، وتمثل هذه الكميات الضخمة فرصة ذهبية للاستفادة منها في مشاريع مبتكرة، مثل تصنيع المحفزات الكيميائية التي تتيح تحويل المخلفات إلى وقود بديل مستدام وصديق للبيئة.

ولفهم الدور الذي يقوم به المحفز الكيميائي المصنوع من السعف، تخيل أنك تذيب ملعقة سكر في كوب شاي بارد، ستحتاج وقتا وجهدا حتى يذوب السكر، لكن إذا سخنت الشاي قليلا، سيذوب السكر أسرع بكثير. وفي الكيمياء، فإن المحفز يشبه الحرارة في هذا المثال، فهو لا يشارك في التفاعل نفسه، لكنه يسرّعه ويجعله أكثر كفاءة.

من تصنيع المحفز إلى إنتاج الوقود

وبدأ الفرق البحثي بجمع سعف النخيل الجاف، ثم حولوه إلى كربون نشط عبر تسخينه في درجات حرارة مرتفعة دون وجود الأكسجين، وهي عملية تُعرف بـ"الكربنة".

إعلان

بعد ذلك، أضافوا أكسيد الزركونيوم إلى هذا الكربون، مما أنتج مادة مسامية ذات قدرة عالية على تسريع التفاعلات الكيميائية، وهذه المادة تُعرف علميا باسم " الكربون النشط من سعف النخيل المدعم بأكسيد الزركونيوم".

ووجد الباحثون أن هذه المادة وفرت بيئة نشطة للتفاعل، ساعدت في تحويل الزيت إلى وقود بنسبة وصلت إلى 97.36%.

وتبدأ العملية الكيميائية للتحويل، والتي تُسمى "عملية التفاعل الإستيري" بجمع زيت الزيتون المستعمل من المطاعم والمنازل، حيث يتم تنقيته بعناية لإزالة الشوائب مثل بقايا الطعام والأتربة التي قد تؤثر على جودة الوقود النهائي، وبعد ذلك، يخلط الزيت المنقى مع كمية محددة من الميثانول، في وجود محفز سعف النخيل، بما يعمل على تسريع التفاعل الكيميائي دون أن يُستهلك خلال العملية.

ويتم وضع هذا الخليط في وعاء تفاعلي خاص، حيث تُضبط درجة الحرارة وتُحافظ على زمن تفاعل محدد بعناية، ليبدأ المحفز بتحويل جزيئات الزيت الثقيلة إلى جزيئات أبسط تُعرف باسم "إسترات الميثيل" أو "البيوديزل"، وبعد انتهاء التفاعل، يتم فصل البيوديزل النقي عن المواد الجانبية مثل الجلسرين، الذي يمكن استخدامه في صناعات أخرى.

وتخضع بعدها مادة "البيوديزل" لعمليات تنقية إضافية لضمان نقاوتها وجودتها، مما يجعلها مناسبة للاستخدام كوقود بديل صديق للبيئة، وبهذه الطريقة، يتم تحويل نفايات زيت الطعام إلى طاقة متجددة، تساهم في الحد من التلوث ودعم الاستدامة البيئية.

مصدر الصورة بدأ الفرق البحثي بجمع سعف النخيل الجاف (الجزيرة)

6 مزايا إيجابية

وامتاز محفز سعف النخيل المستخدم في إنتاج الوقود الحيوي بـ6 مزايا إيجابية أوردها الباحثون في دراستهم، وهي أنه في البداية يمتاز بمساحة سطحية كبيرة، وهذه المساحة تسمح بتوفير أماكن كثيرة على سطح المحفز ليتم فيها تفاعل المكونات، ما يزيد من فعالية تحويل زيت الطعام المستعمل إلى وقود حيوي بكفاءة عالية.

كما يحتوي على مسام متوسطة الحجم بحجم نانوي دقيق، ما يتيح للجزيئات الكبيرة الموجودة في زيت الطعام المستعمل المرور عبر المحفز والتفاعل بشكل فعال، وهذا التصميم المسامي يجعل المحفز أكثر كفاءة في تسريع عملية تحويل الزيت إلى وقود حيوي.

ويتمتع بمواقع حمضية نشطة تساعد على تحفيز التفاعل الكيميائي بين الميثانول والزيت، ووجود هذه المواقع يسرع من عملية تحويل الجزيئات الكبيرة إلى مركبات وقود أصغر وأسهل للاشتعال، مما يرفع من جودة الوقود الناتج.

وبعد استخدام المحفز لعدة مرات، تبين أن تركيبه البلوري ووظائفه الكيميائية تبقى مستقرة تقريبا، مع بعض التغيرات الطفيفة الناتجة عن بقايا التفاعل، وهذا الثبات يمنح المحفز قدرة على العمل لفترات طويلة دون فقدان كفاءته، وهو أمر مهم للاستخدام الصناعي.

كما يستطيع المحفز الاحتفاظ بأكثر من 88% من كفاءته حتى بعد 5 دورات من الاستخدام، مما يعني أنه يمكن استخدامه عدة مرات دون الحاجة لاستبداله بشكل متكرر، وهذه الخاصية تجعل الإنتاج أكثر توفيرا من الناحية الاقتصادية وأقل تأثيرا على البيئة.

والميزة الأهم أنه تم صنع المحفز من سعف النخيل، وهو نفاية زراعية متوفرة بكثرة، مع إضافة أكسيد الزركونيوم، وطريقة التحضير بسيطة وغير مكلفة، ما يفتح الباب أمام إنتاج واسع النطاق باستخدام موارد طبيعية ومستدامة، مع تقليل الحاجة إلى مواد كيميائية باهظة الثمن.

إعلان

"بيوديزل" بمواصفات عالمية

وانعكست كفاءة المحفز بطبيعة الحال على اليوديزل (الوقود الحيوي) المنتج من تدوير زيت الطعام، حيث تم الحصول على منتج يتماشى مع المعايير الدولية من حيث تميزه بنقطة وميض مرتفعة (درجة الحرارة التي يبدأ عندها الوقود في إطلاق أبخرة قابلة للاشتعال)، مما يجعل تخزينه ونقله أكثر أمانا، كما أن هذه الخاصية تقلل من خطر الاشتعال العرضي للوقود عند درجات حرارة منخفضة، مما يوفر بيئة أكثر أمانًا في المنشآت والمركبات التي تعتمد على هذا النوع من الوقود.

وتبلغ كثافته حوالي "0.86 غرام لكل سنتيمتر مكعب"، وهو الحد الأدنى المقبول حسب المواصفات العالمية ، والذي يضمن سهولة ضخ الوقود داخل محركات الاحتراق الداخلي، ويُسهم في تحسين عملية الاحتراق، مما يعزز من كفاءة الأداء والاستهلاك.

و يتمتع بلزوجة مناسبة تتيح له التدفق بسلاسة عبر أنظمة الحقن في المحركات دون التسبب في انسدادات أو تأخير في وصول الوقود، وهذا يضمن تشغيلا سلسا للمحرك ويقلل من احتمالات الأعطال المرتبطة بالتدفق.

وتبلغ "نقطة الغيوم" للوقود الحيوي المنتج نحو 3 درجات مئوية، وهي الدرجة التي يبدأ عندها ظهور بلورات شمعية دقيقة تؤثر على سلاسة تدفقه، وهذا يعني أن الديزل الحيوي يظل سائلًا وسهل الاستخدام في المناطق ذات المناخ المعتدل أو الحار، مثل معظم أنحاء العالم العربي. أما في المناطق شديدة البرودة، فقد يتطلب الأمر تعديلات بسيطة، مثل خلطه بوقود ذي "نقطة غيوم" منخفضة، لضمان أداء مثالي للمحركات.

ويحظى الوقود المنتج بعدد سيتان مرتفع، وهي خاصية تعبر عن سرعة وسهولة اشتعاله داخل غرفة الاحتراق، وهذا يؤدي إلى تشغيل أكثر سلاسة للمحركات، وتقليل الانبعاثات الضارة، وتحسين الأداء العام للمركبة.

خطوة مهمة على الطريق

وبالنظر إلى الأداء العالي للمحفز، وسهولة تصنيعه من مواد متوفرة محليا، ونجاح عملية تحويل زيت الطعام بنسبة تقارب 100%، كما كشفت الدراسة، فإن هذا الإنجاز يمثل بداية الطريق نحو اعتماد هذا الحل على نطاق صناعي واسع.

ومن أجل ضمان استدامة وكفاءة المشروع، يشير الدكتور تامر إسماعيل، أستاذ الطاقة بكلية الهندسة جامعة قناة السويس بمصر في تصريح للجزيرة نت، إلى عدة خطوات علمية وتطبيقية ضرورية في المرحلة المقبلة.

ويقول " في المرحلة الحالية، أثبت الباحثون فعالية المحفز من خلال النتائج، لكن الخطوة التالية تستدعي استخدام أدوات تحليل أكثر دقة لتحديد قوة وكمية المواقع النشطة على سطح المحفز، عبر تقنيات مثل قياس امتصاص ثاني أكسيد الكربون والأمونيا، وهذه القياسات ستعزز الفهم العلمي للتركيب النشط للمحفز وتفتح المجال لتحسينه مستقبلا".

وحتى الآن، تمت التجارب في المختبر على نطاق صغير، والخطوة الطبيعية التالية، كما يوضح إسماعيل، هي اختبار العملية في وحدات إنتاج أكبر تعمل بنظام التدفق المستمر، مما سيحاكي الواقع الصناعي ويبين مدى كفاءة المحفز في ظروف إنتاج حقيقية، مع تقييم الاستهلاك الطاقي وكفاءة التشغيل المستمر.

ورغم أن المحفز أثبت قدرته على العمل لعدة دورات، إلا أن الأداء يتراجع تدريجيا مع الوقت، ولذلك، يشدد أستاذ الطاقة بجامعة قناة السويس، على أنه "من الضروري تطوير طرق بسيطة وغير مكلفة لتجديد المحفز بعد الاستخدام، بهدف إزالة الرواسب العضوية واستعادة فاعليته، مما يطيل عمره التشغيلي ويقلل التكاليف".

وركزت الدراسة على زيت الزيتون المستعمل، ولكن لتوسيع نطاق الاستخدام، يوجه إسماعيل بضرورة العمل على تجريب المحفز مع أنواع أخرى من الزيوت المستعملة المنتشرة في المنازل والمطاعم، مثل زيت دوار الشمس أو زيت القلي المختلط، وذلك للتأكد من فعاليته مع مصادر مختلفة من المخلفات.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار