من اكتشاف أسرار جديدة حول الدماغ وبنية البروتينات، إلى تعميق معرفتنا حول القمر وباقي مكونات النظام الشمسي. كان عام 2024، حافلا بالأحداث والاكتشافات العلمية المهمة التي وضعت لبنات جديدة في صرح المعرفة البشرية. الكثير من هذه الاكتشافات تحقق بفضل التنامي غير المسبوق لتقنيات الذكاء الصناعي التي أصبحت أكثر استخداما في البحث العلمي بمختلف مجالاته.
هذا في الوقت الذي استمرت فيه انبعاثات الغازات المسببة في الاحترار بوتيرة عالية السرعة في ارتفاع متوسط حرارة كوكب الأرض ليبلغ عتبة 1.5 درجة مئوية لأول مرة، الأمر الذي أدى إلى تزايد حدوث عدد من الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير.
تمكن فريق العلماء من جامعة برينستون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من نشر أول خريطة كاملة لدماغ ذبابة الفاكهة (دروسوفيلا ميلانوجاستر)، تظهر 50 مليون توصيلة عصبية تربط بين حوالي 140 ألف خلية عصبية، مما يعطي رؤى جديدة حول أدوار مناطق الدماغ المختلفة.
ورغم أن دماغ ذبابة الفاكهة يعتبر أقل تعقيدا من دماغ الإنسان، فإنه ينفّذ العديد من العمليات العصبية الأساسية المماثلة لتلك التي يقوم بها الدماغ البشري، من الإدراك الحسي إلى اتخاذ القرار والتحكم في الأفعال، مثل الطيران، أو عند التفاعل مع الحيوانات أخرى. لذلك، فإن فهم طريقة عمل دماغ هذا الكائن الصغير وتركيبته يمكن أن يفيد في دراسة جميع أنواع الأدمغة، بما في ذلك أدمغتنا التي تحتوي على أكثر من 80 مليار خلية عصبية.
وقد بدأ العلماء بالفعل، خلال هذا العام، في فك أسرار الدماغ البشري، حيث كشف باحثون في مايو/أيار الماضي عن صورة ثلاثية الأبعاد لقطعة صغيرة من الدماغ البشري بحجم نصف حبة أرز، تحتوي على نحو 16 ألف خلية عصبية. وقد أضيف هذا الإنجاز إلى أطلس عالي الدقة أنشأه مشروع "الدماغ البشري" التابع للاتحاد الأوروبي العام الماضي.
إلى جانب السعي إلى فهم أفضل لكيفية عمل الدماغ، تهدف مثل هذه المشاريع إلى حل ألغاز الأمراض العقلية البشرية وتحسين خوارزميات الذكاء الاصطناعي في معالجة هذه المهام التي تعتمد على البيانات بشكل كبير.
في عام 2020، تمكنت المركبة الفضائية "أوزيريس-ركس" من الهبوط لفترة وجيزة على كويكب بينو، ثم العودة إلى الأرض في سبتمبر/أيلول 2023 بعينة من صخوره يبلغ وزنها حوالي 121 غراما، وهي أكبر عينة تم جلبها إلى حد الآن من الكويكبات.
وفي هذا العام، ولأول مرة، تمكن العلماء من تحليل جزء من هذه العينات وأذهلهم اكتشاف بعض المعلومات غير المتوقعة التي تحتوي عليها. فقد أظهرت نتائج التحليل على سبيل المثال، أن هذه الصخور تعود إلى أكثر من 4.5 مليارات عام، وأن الشمس تكونت نتيجة لموت نجوم متعددة، وليس نجما واحد كما كان يعتقد سابقا، بعضها منخفض الكتلة، والبعض الآخر كبير بما يكفي لإحداث مستعرات عظمى قوية عند انفجارها. وتظهر النتائج أيضا أن العينة جاءت من جرم قديم كان نشطا جيولوجيا، قبل أن يتم تدميره الآن. كما عثر العلماء في العينة على سلسلة من المركبات الحيوية، بما في ذلك جميع أنواع الأحماض الأمينية، في هذا الكويكب البدائي.
اعتقد العلماء لفترة طويلة، أن المحيطات الموجودة على كوكب الأرض فريدة من نوعها ولا يوجد مثيل لها في باقي أجرام المجموعة الشمسية. فالمريخ بالنسبة لهم، عبارة عن صحراء واسعة الأطراف، وسطح الزهرة يبدو كمشهد بركاني قاحل، أما أقمار المشتري وزحل وأورانوس ونبتون العديدة فهي مجرد كرات من الجليد.
رغم ذلك، أشارت بعض المؤشرات التي رُصدت على قمر المشتري (يوروبا) في الثمانينيات القرن الماضي، إلى أن محيطا قديما من المياه الدافئة والمالحة والسائلة قد يكون مختبئا تحت قشرته الجليدية السميكة.
وقد أدى هذا إلى إطلاق مهمة "أوروبا كليبر" التابعة لناسا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على أمل دراسة هذا المحيط وتحديد ما إذا كان قادرًا على دعم الحياة أم لا.
وخلال هذا العام، عثر العلماء على أدلة جديدة لوجود محيطات أخرى في جميع أنحاء النظام الشمسي الخارجي. وقد اكتشف العلماء على سبيل المثال، أن قمر زحل إنسيلادوس وميماس وقمر أورانوس ميرندا تحتوي جميعها على محيطات سائلة.
ويعتبر وجود محيطات أخرى في النظام الشمسي أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للعلماء، خاصة وأن الماء عنصر أساسي في الحياة كما نعرفها اليوم. وقد أصبح لدى العلماء الآن العديد من الأماكن للبحث عنها عبر النظام الشمسي.
وخلال هذا العام، نجح علماء في السويد في تطوير طريقة جديدة وسهلة للكشف بدقة تصل إلى نحو 90% عن مرض الزهايمر لدى كبار السن عن طريق فحص بسيط للدم، وذلك بدل طرق التشخيص الحالية التي تتطلب أخذ عينة من السائل النخاعي أو تصوير الدماغ باستخدام التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني.
كما أدرج تقرير "ذا لانسيت" لعام 2024 الذي أعدته مجموعة من الخبراء، أكثر من 12 إجراء بسيطا أظهرت الأبحاث أنها يمكن أن تساعد في منع الخرف أو تأخيره، تشمل استخدام المعينات السمعية والحفاظ على الكوليسترول تحت السيطرة وممارسة الرياضة.
يرتبط هذا النوع من الأمراض لدى الإنسان بتقدم العمر الذي يحدث تدريجيا وبشكل بطيء حتى ظهور أعراض الشيخوخة. لكن العلماء اكتشفوا هذا العام أننا نتعرض أيضا لنوبتين كبيرتين من "نوبات الشيخوخة" على مدار حياتنا: واحدة في سن 44 عاما، والأخرى في سن 60 عاما.
واستنادا إلى جميع أنواع العينات البيولوجية التي قدمها 108 من مشاركين في الدراسة المنشورة في شهر أغسطس/آب الماضي، تابع الباحثون تطور المؤشرات الحيوية المختلفة في أعمار مختلفة من الحياة. واكتشفوا أن النساء والرجال على حد سواء يواجهون تحولات كبيرة في منتصف الأربعينيات من عمرهم بصورة فجائية، فيفقد الجسم قدرته على كسر مواد مثل الكحول والدهون والكافيين ويصبح أكثر عرضة لأمراض القلب والأوعية الدموية. وعند بلوغ الستين، يخضع الجسم لمزيد من التغييرات، لا سيما في تنظيم الجهاز المناعي وفي استقلاب الكربوهيدرات.
لم يكن مفاجئا أن يحطم عام 2024 مرة أخرى الأرقام القياسية للحرارة، حيث تجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية لأول مرة 1.5 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الصناعة. وقد تسببت درجات الحرارة المرتفعة في صيف هذا العام في رابع وأوسع حدث تبييض للشعاب المرجانية على مستوى العالم، مما أثر على حوالي 75 في المائة من الشعاب المرجانية العالمية.
ونتج عن ارتفاع درجة حرارة الكوكب العديد من الظواهر المناخية المتطرفة، حيث أدت الحرارة غير العادية في خليج المكسيك إلى تغذية الأعاصير الشديدة، كما تلقت مدينة فالنسيا في إسبانيا ما يعادل كمية الأمطار التي تهطل خلال عام كامل في 8 ساعات في أكتوبر/تشرين الأول، مما تسبب في فيضانات مميتة
ورغم أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية سجلت استقرارا نسبيا في عام 2023، فإنها عادت إلى الارتفاع من جديد خلال عام 2024 مما يجعل العالم بعيدا عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتفاقية باريس التي تهدف إلى الحد من الانحباس الحراري. وبدلا من ذلك، يبدو أن السياسات والإجراءات الحالية ستؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة العالم بمقدار 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100.
لقد شهدت برامج الذكاء الاصطناعي تحسنا كبيرا هذا العام. فقد تفوقت نماذج اللغة الكبيرة التي تدعم برامج الدردشة الآلية مثل "شات جي بي تي" على البشر في العديد من المجالات. وقد لفتت موجة التطورات انتباه لجنة نوبل، حيث مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لباحثين شاركوا في دراسة البروتينات، وهي الآلات الجزيئية التي توفر العديد من الوظائف في أجسامنا.
ويعمل اثنان من الفائزين الثلاثة بالجائزة، في شركة غوغل ويدينان باكتشافهما لنموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بهما المسمى "ألفا فولد2" وهي أداة أثبتت قدرتها على التنبؤ بكفاءة مذهلة ببنية جميع البروتينات المكتشفة حتى الآن والتي يبلغ عددها 200 مليون بروتين. وهذا يعني أن العلماء لديهم الآن أداة يمكنها تحديد أنواع البروتينات بسرعة ودقة ويمكن أن تساعد في كشف جميع أنواع التفاعلات الكيميائية أو الظواهر البيولوجية الأخرى.
ومن خلال فهم وتوقع مجموعة واسعة من الأشكال التي يمكن أن يتخذها البروتين، يمكن للعلماء تصميم عقاقير تستهدف بروتينات محددة لها أدوار محددة في الخلية. ويأمل العلماء في استخدام أداة الذكاء الصناعي "ألفا فولد2" للتنبؤ ببنية البروتينات والحمض النووي والجزيئات الحيوية الأخرى ولتسريع هذه المهمة الشاقة وبالتالي تطوير أدوية جديدة في أقل وقت ممكن لإنقاذ حياة المرضى.
ومع هذا التقدم: تقدم التكنولوجيا، تضخَّم طلب شركات التكنولوجيا على الكهرباء اللازمة للحوسبة التي تدعم الذكاء الاصطناعي بشكل مثير للقلق، مما دفعها إلى الاتجاه نحو الطاقة النووية لتلبية احتياجاتها الشديدة من الطاقة.
يتم إرسال العديد من المركبات إلى القمر كل عام، لكن عام 2024 شهد بعض النجاحات في إرسال مركبات إلى القمر، حيث أصبحت شركة "إنتويتف مشينز" الأميركية أول شركة تضع مركبة هبوط على القمر، وأصبحت اليابان الدولة الخامسة التي تنجح في هذه المهمة. ومن المثير للاهتمام أن مهمة "تشانج آه-6" الصينية تمكنت من جلب أول عينة من الصخور التي تم جمعها من "الجانب الآخر" من القمر، كشفت عن وجود علامات على نشاط بركاني حديث.
وفي دراسة علمية نشرت في بداية العام، أظهر باحثون أن محيط قمر الأرض انكمش بمقدار يزيد عن 50 مترا مع استمرار انخفاض حرارة نواته تدريجيا على مدى مئات الملايين من السنين الماضية. وأدى هذا الانكماش إلى تجعد تضاريسه بنفس الطريقة التي تتجعد بها حبات العنب عندما يتقلص حجمها إلى حجم حبة زبيب. ولكن على عكس الجلد المرن للعنب، فإن سطح القمر صلب، مما يتسبب في تشكل الصدوع في قشرته الخارجية.
اكتشف فريق من العلماء أدلة على أن هذا الانكماش المستمر للقمر أدى إلى تشوه ملحوظ في سطحه في منطقة القطب الجنوبي، بما في ذلك المناطق التي اقترحتها وكالة ناسا لهبوط مأهول للمهمة أرتميس3. ولأن تكوّن الصدع الناجم عن انكماش القمر غالبًا ما يكون مصحوبًا بنشاط زلزالي مثل الزلازل القمرية، فإن المواقع القريبة من أو داخل مناطق الصدع هذه قد تشكل مخاطر على جهود الاستكشاف البشري المستقبلية.
كانت الحوسبة الكمومية واحدة من التقنيات التي تطورت بشكل أسرع مما كان متوقعا خلال عام 2024، حيث أعلنت شركات مايكروسوفت وكوانتينوم وجوجل أنها تحقق تقدما عبر ربط البتات الكمومية معا، مما أدى إلى تقليل معدل الخطأ في العمليات الحسابية، بدلا من زيادته.
في حين تخزن الحواسيب العادية المعلومات في صورة "بتات"، والتي يمكن أن تأخذ القيم 0 أو 1، يمكن أن يأخذ البت الكمومي أي قيمة بينهما. يمكن أن تتكون تلك البتات الكمومية من مادة فائقة التبريد أو ذرات محصورة بالليزر.
وسّعت جوجل من انجازاتها إلى ما هو إلى أبعد من ذلك، حيث ربطت 105 من البتات الكمومية في شريحة تسمى "ويللو"، والتي تم الإعلان عنها في دراسة بدورة "نيتشر مؤخرا". يمكن أن تستغرق هذه الشريحة خمس دقائق للقيام بحل مشكلة لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر العملاقة القيام بها في 10 سبتلييون سنة.