تثير هذه الأرقام الدهشة، في ظل تدهور العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والجزائر خلال الأشهر الأخيرة. صحيح أنّ انفراجًا نسبيًا سُجّل عقب الإفراج عن الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، في ما وُصف بـ«عفو إنساني»، غير أنّ بقية الملفات ظلّت عالقة دون أي تغيير يُذكر.
وزير الداخلية الفرنسي، لوران نونيز، الذي خلف برونو روتايو المعروف بخطابه التصعيدي، أعلن عن زيارة مرتقبة إلى الجزائر، من دون صدور أي تأكيد رسمي حتى الآن. وفي غياب هذا الوضوح، صادق البرلمان الجزائري في الأثناء على تجريم الاستعمار الفرنسي، في خطوة لم تستسغها باريس. غير أنّ هذا المشهد السياسي-الدبلوماسي المعقّد لا يغيّر في العمق من حقيقة الروابط المتينة التي تجمع الشعبين، والتي تشكّلت عبر تاريخ مشترك ومصير متداخل.
كان الرئيس إيمانويل ماكرون محقًا حين دعا إلى التهدئة في مارس 2025، بل وكان من الأجدر به مواصلة هذا النهج بدل الرضوخ لدعاة التحريض. فكل ما قيل وفُعل ضد الجزائر والجزائريين لا يغيّر من الواقع شيئًا: ففي سنة 2024، منحت فرنسا جنسيتها لـ12 002 جزائري، بزيادة قدرها 5,2% مقارنة بسنة 2023. ويؤكد هذا المنحى ما ورد في الأرقام الرسمية الصادرة عن المصلحة الإحصائية لوزارة الداخلية والهجرة (SSMII).
و عليه، ورغم التوترات الدبلوماسية بين باريس والجزائر، فإن وتيرة تجنيس الجزائريين لا تزال قوية. وتعكس هذه المعطيات مستوى اندماجهم في المجتمع الفرنسي، خلافًا لكل الخطابات الشعبوية التي يروّجها دعاة الانقسام. ويواصل الجزائريون تصدّر قائمة أكبر الجنسيات الأجنبية الحاصلة على الجنسية الفرنسية، محتلتين المرتبة الثانية بعد المغاربة الذين بلغ عددهم 14 454 مجنّسًا.
و يأتي التونسيون في المرتبة التالية بعد الجزائريين. وبصفة عامة، تمثل جنسيات المغرب العربي (الجزائر، المغرب، تونس) نحو 32% من مجموع 105 آلاف حالة اكتساب للجنسية الفرنسية المسجلة خلال سنة 2024.
و تُظهر أرقام وزارة الداخلية الفرنسية أن فرنسا تواصل تجنيس أعداد كبيرة من الجزائريين، رغم تشديد القيود على الهجرة، من تقليص حصص التأشيرات إلى الإجراءات الدبلوماسية الانتقامية. ويُعدّ الاتفاق الثنائي الموقّع بين فرنسا والجزائر سنة 1968 أحد الركائز الأساسية في مسار تجنيس الجزائريين.
و يمنح هذا الاتفاق وضعًا خاصًا للجزائريين المقيمين في فرنسا، لا سيما من خلال شهادة الإقامة الجزائرية (CRA)، التي تتيح لحامليها التقدم بطلب الجنسية الفرنسية بعد عشر سنوات من الإقامة. وقد تم خلال السنة الماضية إصدار نحو 614 ألف شهادة إقامة، تُعدّ بوابة رئيسية للاندماج والتجنيس.
و رغم تراجع عدد تصاريح الإقامة الأولى الممنوحة للجزائريين بنسبة 8,5% خلال سنة 2024، فإن الإطار القانوني المستمد من الاتفاقيات الثنائية لا يزال يشكّل سندًا أساسيًا لعمليات التجنيس. كما أن إجراءات تجنيس أزواج الفرنسيين، التي تمثل نسبة معتبرة من الطلبات، تبقى بمنأى عن التجاذبات الدبلوماسية.
أما الملف الأبرز الآخر، فيتعلق بالهجرة العائلية. فقد تم خلال السنة الماضية منح 15 475 تصريح إقامة أولي للجزائريين في هذا الإطار، حيث يُعزى نحو 50% من تصاريح الإقامة الجديدة إلى الروابط العائلية. ويستند هذا المسار إلى الدستور الفرنسي والمادة الثامنة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، رغم اعتراض شخصيات سياسية بارزة مثل رئيس الوزراء الأسبق إدوار فيليب، وبرونو روتايو، ومارين لوبان، وغيرهم.
و يحتل الجزائريون الصدارة بين الأجانب المجنّسين في فرنسا لأسباب عائلية. وتبقى هذه الفئة أقل تأثرًا بالسياسات الهجرية المتشددة، وهو واقع لا يستطيع دعاة التحريض تغييره، على الأقل في الوقت الراهن. ويبقى السؤال مطروحًا حول ما قد يحدث في حال وصول مارين لوبان أو جوردان بارديلا إلى السلطة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية