آخر الأخبار

بقلم بيتر زالماييف من تونس: أوروبا بين التبعية والتفكك — الجزء الثالث

شارك
Facebook Twitter LinkedIn WhatsApp

الجزء الثاني — ترامب، بوتين والتعرّجات الأميركية

تُطلق Tunisie Numérique سلسلة من خمسة أجزاء مع بيتر زالماييف ، محلل وصحفي من أصل أوكراني، خلال زيارته إلى تونس.
الجزء الثالث: تساهل طاقي، نهاية «باكس أمريكانا»، واستقلال استراتيجي مفقود.

5) حتى النهاية، ستواصل أوروبا التراجع أمام روسيا وعقيدتها النووية الجديدة، متحصّنة يائسًا خلف المظلّة الأميركية، كما هو الحال منذ الحرب العالمية الأولى. هل يمكن القول إن الأوروبيين يتحمّلون مسؤولية انهيار القانون الدولي بقدر ما يتحمّلها دونالد ترامب؟

بيتر زلماييف الإجابة (النص الأصلي الكامل):

في الواقع، كان ذنب أوروبا هو التساهل تساهلٌ تمثّل في الحفاظ على علاقات اقتصادية وسياسية مع بلد مثل روسيا، التي باتت اليوم تهدّد نمط الحياة الأوروبي ذاته وهويته العميقة. لقد افتقرت أوروبا ببساطة إلى الخيال السياسي اللازم للتعامل مع روسيا بقدر أكبر من الحذر.

إنها إذًا مسؤولية من نوع مختلف. صحيح، كما قلت، أن دونالد ترامب يكنّ نوعًا من التقارب الأيديولوجي مع فلاديمير بوتين. لكن الأوروبيين — ولا سيما الألمان في عهد أنجيلا ميركل انغمسوا حرفيًا في استهلاك الغاز الروسي الرخيص على مدى سنوات طويلة، من دون أي تفكير جدي في العواقب.

لا بدّ من الاعتراف بأن في موقف دونالد ترامب جانبًا من الحقيقة، حين يرى أنه لولا التهديد الجدي بانسحاب أميركي كامل من أوروبا ومن التزاماتها الدفاعية، لما استيقظت القارة على واقع ضرورة تولّي مسؤولية أمنها بنفسها. وإلى حدّ ما، هذا ما بدأ يحدث فعلًا، ويمكن إرجاع جزء من ذلك إلى سياسات ترامب.

نسمع اليوم المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، يؤكد أن «باكس أمريكانا» أصبحت من الماضي، وأن الولايات المتحدة لم تعد حليفًا لأوروبا بالطريقة نفسها التي كانت عليها سابقًا. والسؤال المطروح هو: إلى أي مدى ستكون أوروبا قادرة، وبأي سرعة، على تعويض الضمانة الأمنية الأميركية بقدرتها الدفاعية الذاتية؟ وهل ستتمكن من تجاوز معضلة العمل الجماعي؟

أوروبا، كما نعلم، ليست دولة واحدة، بل قارة تضم عددًا كبيرًا من الدول. ومع صعود الأحزاب الشعبوية اليمينية، يبرز خطر حقيقي يتمثّل في احتمال تفكك الاتحاد الأوروبي عاجلًا أم آجلًا. فهل ستكون أوروبا قادرة على مواجهة روسيا إذا لم تعد منظّمة ضمن كيان مثل الاتحاد الأوروبي؟ إنه سؤال محوري، ولا أملك له إجابة مُرضية ولا متفائلة حقًا.

6) فشلت أوروبا في منع اندلاع حرب كبرى ثالثة على أراضيها، ومن الواضح أنها لا تملك الوسائل اللازمة لوقفها. مرة أخرى، تتجه الأنظار إلى ما وراء الأطلسي، نحو الولايات المتحدة. هل كُتب على القارة العجوز أن تعتمد إلى الأبد على «القارة الجديدة» التي ساهمت في إنشائها؟

بيتر زلماييف الإجابة (النص الأصلي الكامل):

إنه بلا شك سؤال جوهري، يمسّ صميم الإشكالية: هل سيبقى أي أثر للنظام العالمي كما عرفناه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟ يبدو أن هذا النظام يتآكل عامًا بعد عام، بل شهرًا بعد شهر وتسارع هذا التآكل أكثر منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب. وليس واضحًا إطلاقًا ما الذي سيحلّ محلّه.

من الواضح أن دونالد ترامب يفضّل أوروبا مجزّأة، وهو هدف يتقاطع مع طموحات فلاديمير بوتين. فأوروبا المنقسمة ستكون لاعبًا أضعف، وأسهل إدارةً وتلاعبًا. وهكذا، قد تواصل بعض الدول التقارب مع الولايات المتحدة، لا سيما تحت قيادة زعماء ذوي توجه «ترامبي» كما نرى في سلوفاكيا والمجر، ومؤخرًا في بولندا بينما قد تختار دول أخرى الابتعاد، والبحث عن حلفاء جدد، وربما حتى شرق القارة بدلًا من غربها.

من المرجّح جدًا أن تعمل الصين على تعزيز حضورها في القارة الأوروبية، وقد نشهد ظهور اتفاقيات أمنية ثنائية، خصوصًا إذا ما توقّف حلف شمال الأطلسي (الناتو) وهو سيناريو بات ممكنًا عن الوجود، سواء بحكم القانون أو بحكم الواقع.

عندئذٍ، تصبح جميع السيناريوهات ممكنة. وقد يستمر، حتى في حال تفكك الاتحاد الأوروبي، نواة صلبة تضمّ ألمانيا، وربما فرنسا، وربما عودة المملكة المتحدة، رهنا بنتائج مساراتها الانتخابية، شريطة ألا تفوز الأحزاب اليمينية المتطرفة. ويمكن لهذه النواة أن تستمر ككيان يقوم على هوية ليبرالية وديمقراطية.

لكن، مرة أخرى، من الصعب التنبؤ بدقة بالأشكال التي ستتخذها هذه التحوّلات. ما بات واضحًا بشكل متزايد هو أن النظام العالمي الذي عرفناه يختفي على الأرجح إلى غير رجعة ليُستبدل بما وصفه الكلاسيكيون بـ «عالم جديد شجاع».

7) جميع الدعوات لبناء دفاع أوروبي حقيقي واستقلال استراتيجي فعلي اصطدمت بتردّد البعض وجبن البعض الآخر، فضلًا عن «أحصنة طروادة» داخل الاتحاد الأوروبي (خصوصًا المجر وسلوفاكيا، وإلى حدّ أقل إيطاليا وألمانيا). هل يجب اليأس من قدرة الأوروبيين على صياغة مصيرهم بأنفسهم؟

بيتر زلماييف الإجابة (النص الأصلي الكامل):

تكمن المشكلة الرئيسية التي تواجهها أوروبا اليوم في قدرتها المحدودة على التحكم في مصيرها وصياغته، لا سيما في ما يتعلق بالدفاع الجماعي والسياسة المشتركة للهجرة. والسبب الأساسي بسيط: أوروبا ليست دولة واحدة. إنها اتحاد فضفاض يضم أكثر من ثلاثين دولة ذات سيادة، لكل منها دستورها وثقافتها السياسية ونظام حكمها الخاص.

في الاقتصاد السياسي، يُطلق على هذا الوضع اسم مشكلة العمل الجماعي وهي عقبة فشلت أوروبا بوضوح في تجاوزها. وقبل الحديث الجدي عن قدرة أوروبا على بناء هوية استراتيجية موحّدة، من المرجّح أن نشهد انقسامات داخلية أعمق، وربما موجة تفكك جديدة للاتحاد الأوروبي، على غرار النموذج البريطاني. وقد تختار دول أخرى، مثل المجر، السير في مساراتها الخاصة، والبحث عن ترتيبات أو تحالفات بديلة، وربما خارج الإطار الغربي.

نحن على أعتاب إعادة اصطفاف عالمي واسعة النطاق. قد تتمكن أوروبا في نهاية المطاف من بلورة هوية أوضح، لكنها ستكون على الأرجح أوروبا أصغر وأكثر تماسكًا — ربما تتمحور حول دول محورية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وربما المملكة المتحدة. بينما قد تجد دول أخرى نفسها خارج هذه المنظومة.

ما سينشأ في النهاية قد يكون أوروبا لا نعرفها: أكثر تفككًا، أكثر انغلاقًا على ذاتها، وتخضع لقوانين أشد صرامة، خصوصًا في ما يتعلق بالهجرة.

يتبع: الجزء الرابع — الرأي العام الأميركي، التهديد الروسي، والحرب الهجينة.

اشترك في النشرة الإخبارية اليومية لتونس الرقمية: أخبار، تحليلات، اقتصاد، تكنولوجيا، مجتمع، ومعلومات عملية. مجانية، واضحة، دون رسائل مزعجة. كل صباح.

يرجى ترك هذا الحقل فارغا

تحقّق من صندوق بريدك الإلكتروني لتأكيد اشتراكك.

تعليقات
Facebook Twitter LinkedIn WhatsApp

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

مواضيع ذات صلة: بيتر زالماييف
الرقمية المصدر: الرقمية
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا