تونس:مروى بونقيشة
صور: ضباء العمراني
انطلقت مساء أمس السبت 13 ديسمبر 2025 فعاليات الدورة السادسة والثلاثين من أيام قرطاج السينمائية، أعرق المهرجانات السينمائية في العالم العربي وإفريقيا، وسط حضور فني وثقافي واسع، في افتتاح احتفى بالسينما بوصفها فعل ذاكرة ومساحة للتفكير والإبداع.
واحتضنت قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي حفل الافتتاح الرسمي، الذي استُهلّ بعرض فيلم «فلسطين 36» للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر، بحضورها إلى جانب عدد من أفراد فريق العمل. وجاء اختيار فيلم الافتتاح محمّلًا بدلالات رمزية وثقافية عميقة، تؤكد التزام المهرجان الدائم بقضايا الحرية والهوية والدفاع عن سينما المؤلف.
وفي كلمته الافتتاحية، رحّب طارق بن شعبان، المدير الجديد لأيام قرطاج السينمائية، بضيوف المهرجان وصنّاع الأفلام من مختلف أنحاء العالم، معتبرًا أن هذه التظاهرة تظل فضاءً للحوار وتلاقي الأفكار، ومنصة تحتفي بالسينما المنبثقة من الواقع الإنساني. وشدّد على أن أيام قرطاج السينمائية «تدافع عن سينما المؤلف وتحميها»، رافضًا هيمنة منطق الصناعة التجارية على جوهر الفن السابع، ومستشهدًا بقول المخرج العالمي مارتن سكورسيزي: «لا يمكن أن نترك الصناعة تقتل السينما». كما استحضر كلمات الفنان الراحل زياد الرحباني، مؤكدًا أن حب السينما وتقاسم التجارب الإبداعية سيبقيان البوصلة الأساسية للمهرجان، ليعلن إثر ذلك الافتتاح الرسمي للدورة السادسة والثلاثين.
ويُعدّ فيلم «فلسطين 36» محطة بارزة في مسار السينما الفلسطينية المعاصرة، إذ يتناول أحداث الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 ضد الانتداب البريطاني، من خلال سرد إنساني متعدد الشخصيات يعكس تعقيدات المجتمع الفلسطيني آنذاك وصراعه من أجل الحفاظ على الأرض والهوية في ظل تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية. ويعتمد الفيلم لغة بصرية تمزج بين السرد التاريخي والبعد التوثيقي، مقدّمًا رؤية فنية تجمع بين البعد الملحمي والعمق الإنساني.
ويضمّ العمل نخبة من الأسماء البارزة في السينما العربية والعالمية، من بينهم ظافر العابدين، جيريمي آيرونز، هيام عباس، كامل الباشا، صالح بكري، ياسمين المصري، جلال الطويل، وهو إنتاج مشترك بين فلسطين والسعودية وقطر والأردن وبريطانيا وفرنسا والدنمارك. وقد مثّل الفيلم فلسطين في سباق جوائز الأوسكار الـ98 عن فئة أفضل فيلم دولي، كما حظي منذ عرضه العالمي الأول في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي 2025 باستقبال نقدي وجماهيري لافت.
وتواصل حضور «فلسطين 36» في المهرجانات الدولية، حيث افتتح مهرجان كيرالا السينمائي الدولي في الهند، وتُوّج بالجائزة الكبرى في مهرجان طوكيو السينمائي الدولي، ليصبح أول فيلم فلسطيني ينال هذا التتويج، ما عزّز مكانته في المشهد السينمائي العالمي.
نقديًا، تنوّعت القراءات حول الفيلم بين الإشادة بقوته الملحمية وعمقه الإنساني، وبين ملاحظات حول طموحه السردي في مقاربة مرحلة تاريخية بالغة التعقيد. غير أن التقييمات العامة مالت إلى الإيجابية، معتبرة العمل إضافة نوعية للسينما التاريخية ذات البعد الإنساني، في حين أثار جماهيريًا تفاعلًا مؤثرًا في مختلف عروضه.
وبهذا الافتتاح، تؤكد الدورة السادسة والثلاثون من أيام قرطاج السينمائية استمرار المهرجان في الدفاع عن السينما الملتزمة، واحتضان الأصوات التي تجعل من الشاشة مساحة للذاكرة والمقاومة الجمالية. أما «فلسطين 36»، فقد تجاوز كونه فيلم افتتاح، ليغدو وثيقة فنية تعيد طرح سردية تاريخية طال تغييبها عن السينما العالمية.
المصدر:
الإخبارية