من تونس:مروى بونقيشة
نظّمت جمعية منتدى قرطاج امس الندوة العلمية الدولية بعنوان: “الشعر العربي الحديث والمعاصر بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة”، وذلك بحضور رئيس الجمعية السيد حسان المناعي، والمنسّق العام للندوة السيد جميل شاكر، إلى جانب مجموعة من الأساتذة الجامعيين والشعراء والباحثين القادمين من تونس والعراق والجزائر والبحرين والمغرب.
تطرقت الجلسات العلمية الأولى إلى التطوّرات التي شهدتها القصيدة العربية في سياقها الحديث والمعاصر، وناقشت موقعها داخل المشهد الإبداعي المتحوّل، خاصة في ظل بروز أشكال شعرية جديدة صاحبت تبدل الذائقة الأدبية العربية.
وسلطت الجلسة الافتتاحية الضوء على القصيدة العمودية باعتبارها النموذج التقليدي للشعر العربي القائم على الصدر والعجز والقافية الموحدة، مع تقديم خلفية تاريخية حول تسميتها بعد ظهور الشعر الحر وقصيدة النثر. وقدّم المتدخلون تحليلات نقدية للتغيرات التي طرأت على هذا الشكل الشعري ومدى قدرته على مواكبة روح العصر.
كما تناول الأستاذ فتحي النصري، أستاذ التعليم العالي بجامعة تونس والمتخصص في السرديات والشعر الحديث، في مداخلة معمّقة موقف المجددين من الشكل العمودي، مستشهداً بتجربتي أمين الريحاني الداعي إلى تجاوز الأوزان التقليدية، ونازك الملائكة التي دافعت عن قصيدة التفعيلة باعتبار أن العمود يفرض قيوداً تحدّ من حرية الشاعر.
وتواصل النقاش حول الفروقات الجوهرية بين القصيدة التقليدية والحديثة، حيث تستند الأولى إلى نظام الأبيات المتتابعة، بينما تقوم الثانية على تفاعلات عروضية ودلالية أكثر انفتاحاً ومرونة. وقد أجمع المشاركون على أن القصيدة العمودية ما تزال شكلاً حيّاً وقادراً على احتضان التجارب الشعرية الجديدة، إذا ما أُعيد النظر في أساليب صياغتها وأدائها الفني.
وفي ورقة بحثية قدّمتها الدكتورة سامية الدريدي، أستاذة التعليم العالي بجامعة تونس، تمّ تحليل دوافع العودة إلى القصيدة التقليدية، معتبرة أن هذه العودة تقوم على أسباب معلنة وأخرى خفية. فبينما يبرّر الشعراء ذلك برغبتهم في خوض تحدٍّ فني واستعادة الانتماء إلى التراث والبحث عن إيقاع مضبوط، تكشف القراءة النقدية عن أعمق من ذلك، مثل النفور من صرامة قصيدة التفعيلة أو انسحاب الذات نحو عالمها الداخلي بحثاً عن جمالية مفقودة في زمن التحوّلات المتسارعة.
وفي تصريح لـ “الإخبارية التونسية”، أكّد السيد حسان المناعي أنّ تنظيم هذه الندوة يندرج ضمن جهود جمعية منتدى قرطاج لتعزيز البحث الأدبي والنهوض بالشعر العربي في فضاء أكاديمي يتيح الحوار وتبادل التجارب بين المبدعين والباحثين. كما أشار إلى أنّ تنوّع المشاركين من مختلف البلدان العربية يمثّل قيمة علمية مضافة، تُسهم في تعميق النقاش حول تطوّر الأشكال الشعرية ومساءلة علاقتها بالتحولات الثقافية والاجتماعية الراهنة.
تتواصل فعاليات الندوة صباح اليوم السبت 6 ديسمبر 2025، لمواصلة مناقشة الأشكال الشعرية المختلفة ومقامات التلقي في ضوء تحولات الممارسة الشعرية المعاصرة، مع استحضار تجارب شعرية من عدة بلدان عربية. ومن المنتظر أن تُختتم الندوة بعرض خلاصات بحثية تفتح آفاقاً جديدة أمام الباحثين والمهتمين، وتؤكد أهمية هذه اللقاءات العلمية في تعزيز الحوار النقدي وتبادل الخبرات وترسيخ حضور الشعر العربي في فضاءات البحث الأكاديمي الحديث.
المصدر:
الإخبارية