كنا قد تحدثنا أوّل أمس الأربعاء عن تردد أقوى رجل في العالم، دونالد ترامب، في مواجهة أبرز خصومه، الرئيس الصيني شي جينبينغ و التطورات الأخيرة تؤكد أن واشنطن لا تشعر بارتياح كبير أمام بكين.
فقد نصح الرئيس الأمريكي رئيسة الوزراء اليابانية ذات الشخصية القوية، سناي تاكائيتشي، بعدم استفزاز الصين في الملف الشائك المتعلق باستقلال تايوان.
المعلومة نقلها وول ستريت جورنال يوم الخميس 27 نوفمبر.
ترامب يبذل كل ما في وسعه لإخماد شرارة التوتر بين طوكيو و بكين.
و كل ذلك بدأ مع التصريحات النارية لرئيسة الحكومة القومية اليابانية مطلع الشهر، حين أكدت أن بلادها قد تتدخل عسكريًا في حال شنّت الصين هجومًا على الجزيرة التي تعلن بكين عزمها على «استعادتها» و لو بالقوة عند الضرورة.
هذه «السيف المعلّق» الذي تمسك به ثاني أقوى جيوش العالم – بعد الولايات المتحدة – يحرِم قادة المنطقة من النوم.
فتصريحات تايوان المتحدية واستعدادها للقتال بحلول 2027، إلى جانب تصريحات المسؤولة اليابانية السيادية، تضع حليفهما الأول، الولايات المتحدة، في حرج كبير.
و آخر ما يرغب فيه ترامب هو مواجهة مباشرة مع بكين…
وللتذكير، فإن اليابان و الولايات المتحدة وقّعتا معاهدة دفاع مشتركة (مع كوريا الجنوبية أيضًا)، ما يعني من حيث المبدأ أن على القوات الأمريكية التدخل إذا ساءت الأمور بالنسبة لطوكيو.
الرئيس الأمريكي يفعل كل ما في وسعه لتفادي الاحتكاك بشي جين بينغ، الذي لا يملك فقط قوة هائلة، بل يقود أيضًا دولًا حليفة خطيرة، أبرزها روسيا و كوريا الشمالية.
و لا مصلحة لواشنطن في تعزيز هذا المحور؛ لذلك سيحاول ترامب إعادة بكين إلى دائرة نفوذه عبر التفاهم بشأن المعادن النادرة و التجارة الثنائية، والاستثمارات، وغيرها. حتى إن الحليفين التقليديين للولايات المتحدة – اليابان وكوريا الجنوبية – كانا قد تقاربا مع الصين في 2023 بمبادرة من بكين.
اليابان أصبحت أكثر نزعة قتالية مع سناي تاكائيتشي.
و مع ذلك، حتى ترامب يتبنّى نبرة منخفضة خلال مكالماته مع نظيره الصيني.
و قد تكرر الأمر الاثنين الماضي، عندما شدد الرئيس شي على أن «عودة تايوان إلى السيادة الصينية» تفرضها «النظام الدولي ما بعد الحرب»…
و على حدّ علمنا لم يحتجّ الرئيس الأمريكي بحدّته المعتادة.
على الأقل لم يصدر عن البيت الأبيض أي تعليق.
بالمقابل، ذكرت الصحيفة الأمريكية أن «ترامب أجرى اتصالاً مع تاكائيتشي و نصحها بعدم استفزاز بكين في مسألة سيادة الجزيرة»، وفق ما نقلته عن مسؤولين يابانيين و مسؤول أمريكي طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم.
و قالت المصادر إن «نصيحة ترامب كانت دقيقة، ولم يدفعها إلى التراجع عن تصريحاتها». نصيحة «دقيقة»، لكنها بلا شك وصلت إلى مسامع تاكائيتشي بوضوح. فوجود معاهدة دفاع مشترك لا يضمن بالضرورة أن القوات الأمريكية ستتدخل لإنقاذ اليابان من مخالب الصين.
و تردد ترامب أمام «العملاق» الروسي الذي يهدد الأوروبيين – الذين يدفعون ثمنًا باهظًا لدفاعهم – يكفي لإثارة المخاوف في طوكيو وسيول.
رئيسة الوزراء اليابانية أشارت إلى الاتصال بترامب لكنها اكتفت بتعميم مبهم حول تبادل بين الرئيسين الأمريكي والصيني، وكذلك حول العلاقات بين طوكيو وواشنطن. لم تذكر شيئًا عن تحذير بخصوص بكين. وقالت تاكائيتشي: «قال لي الرئيس ترامب إننا أصدقاء قريبون جدًا، واقترح أن أتصل به في أي وقت».
لكن الصحيفة الأمريكية نقلت أن «المسؤولين اليابانيين اعتبروا الرسالة مقلقة». وأضافت أن «الرئيس الأمريكي لا يريد أن تؤدي الاحتكاكات حول تايوان إلى تقويض الانفراج الذي تحقق الشهر الماضي مع شي، والذي يتضمن تعهدًا صينيًا بشراء المزيد من المنتجات الزراعية الأمريكية دعماً للمزارعين المتضررين من الحرب التجارية».
للتذكير، على خلفية تصريحات سناي تاكائيتشي، استدعت الصين السفير الياباني وطلبت من مواطنيها تجنب زيارة الأرخبيل. كما تم تأجيل عرض عدة أفلام يابانية «إلى أجل غير مسمى»، بحسب وسائل الإعلام الرسمية الصينية.
و إذا فهمت طوكيو جيدًا الرسالة التي نقلها إليها البيت الأبيض، فمن المفترض أن يُطوَّق الحريق. أما إذا أصرت اليابان، فستتصاعد التوترات تدريجيًا، وبالتأكيد لن يكون ذلك في صالح حلفاء واشنطن.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية