منذ حلقات التعليم الأولى في الكتاتيب إلى النقاشات المعاصرة حول علاقة العلم بالإيمان، تتكرّر عبارة محورية في الوعي الإسلامي: الإنسان خُلق من طين.
بين من يراها مجرّد صورة رمزية، ومن يعتبرها وصفًا دقيقًا ينسجم — بشكل لافت — مع ما تكشفه علوم الأرض والبيولوجيا الحديثة، ظلّ هذا السؤال قائمًا: هل هناك تقاطع حقيقي بين النص القرآني والمعرفة العلمية حول المادة التي يتكوّن منها الإنسان؟
هذا المقال يقدّم قراءة هادئة وموثّقة لهذا التقاطع، بالعودة إلى الآيات القرآنية وإلى ما توصّلت إليه الأبحاث العلمية حول تكوين الجسد البشري.
يستخدم القرآن عدّة ألفاظ تصف أصل الإنسان:
هذه التعابير المتعدّدة تصبّ جميعها في فكرة مركزية: الإنسان جزء من الأرض، مكوَّن من مادتها، ومعتمد عليها في حياته وغذائه ووجوده.
ويؤكّد المفسّرون أنّ هذه الأوصاف تتعلّق بخلق آدم، لكنها تشير أيضًا إلى حقيقة مستمرّة: جسم الإنسان لا يمكن أن يتشكّل إلا من عناصر تأتي — في نهاية المطاف — من الأرض.
يصف القرآن “السلالة من طين” بأنها مستخلص أرضي هو أصل تكوين الإنسان.
تأكيد مباشر على البداية المادّية لهذا الخلق.
ربط بين النشأة الترابية وبين أجل الإنسان ومساره الحياتي.
صورة قوية تجسّد الإنسان ككيان مكوّن من مادة جافة أصلها الطين.
يختصر هذا الآية الثلاثية الوجودية:
الخلق من الأرض — العودة إليها — ثم الخروج منها من جديد.
عندما ننتقل إلى العلم، نجد صورة متناسقة بشكل مدهش مع ما تطرحه الآيات:
هذه العناصر:
وبذلك، يصبح الجنين في رحم أمّه مكوَّنًا ممّا تناولته الأم من غذاء…
وكل غذاء مصدره الأرض:
من القمح والخضروات والفواكه، إلى اللحوم والألبان التي تعتمد بدورها على نباتاتٍ نبتت في التربة.
عندما نقارب هذه الحقيقة بمضمون الآيات، يتشكّل أمامنا تسلسل منطقي:
الاختصاصيون يلخّصون ذلك بأن الإنسان لا يصنع المعادن الأساسية بذاته… بل يحصل عليها كلّها من الأرض.
بجمع الدليلين — النصّي والعلمي — يظهر بوضوح:
وهكذا، يأخذ وصف القرآن «منها خلقناكم» بُعدًا مزدوجًا:
وبينما يبدو النقاش حول “العلم والدين” محتدمًا اليوم، يقدّم هذا الموضوع مثالًا على حوار هادئ بين المعرفة والعقيدة؛ حوار يعيد الإنسان إلى مركزه الحقيقي: كائنٌ من تراب… لكنه مكلَّف بالمعنى والمسؤولية.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية