السعادة المطلقة التي وعدونا بها بفضل كل هذه التكنولوجيات الحديثة، والرقمنة، وكل «العدة» التي ترافقهما… هكذا رُوّج لنا الأمر بكثافة، لكن المشكلة أن الأساس الذي يقوم عليه كل ذلك – العالم، البشرية – لم يعد بالصلابة و الاستقرار نفسيهما.
فالنظام، في أحيان كثيرة، بل أكثر فأكثر، ينقلب على نفسه، يلتهم ذاته و يدمّرها.
نشرة الأخبار المسائية على «فرانس تي في» (الـ20H) تطرّقت إلى جانب من هذه الأسئلة الفلسفية و الوجودية.
التقرير بدا تعليميًا و تقنيًا و رصينًا، لكن لا أحد كان قادرًا على تجاهل النبرة المقلقة التي بثّتها الموسيقى و صوت الصحفي و طريقة صياغته لكلمات قاطعة. تأثير مضمون.
عنوان التقرير : «أموال تحت الفراش : لماذا يجب الاحتفاظ بنقد في المنزل؟». بداية كافية لإثارة الانتباه.
الراوي : «الاحتفاظ بالمال نقدًا في المنزل ، بكمية تكفي لبضعة أيام في حال حدوث أزمة : هذا ما توصي به اليوم البنك المركزي الأوروبي [BCE].
فخلال الجائحة، تعرّضت الموزّعات الآلية لهجوم كثيف من قبل المواطنين.
كذلك الأمر في أفريل الماضي، حين تسبّب انقطاع الكهرباء الذي ضرب إسبانيا و البرتغال و جنوب فرنسا في استحالة الدفع بالبطاقات البنكية…
فهل يحتفظ الفرنسيون فعلًا بنقد جانبًا تحسّبًا للأزمات؟»
أحد المواطنين الفرنسيين : «عندي 40… عندي 45».
الراوي : «ليس تمامًا بالنسبة لهذا المواطن القادم من سانت إتيان في زيارة إلى باريس».
المواطن: «إذا حدث غدًا عطل كبير، ماذا سنفعل؟»
الصحفي : «ألا تحتفظون بما يكفي من المال في المنزل تحسّبًا لأي طارئ؟»
المواطن: «نحن ؟ لا، لا نفعل. لا نملك مالًا جانبًا، و لن نذهب اليوم و نسحب أموالًا فقط تحسّبًا لحدوث عطل. لم نصل إلى هذه المرحلة بعد. لكن ربما يومًا ما علينا التفكير في ذلك، نعم… أن نعيد عادة “الجورب المدّخر” كما كان يفعل الناس قديمًا».
مواطن آخر : «بصراحة لم يخطر ببالي ذلك، و لم أحتفظ بنقد جانبًا. لكن بما أنكم ذكرتم الأمر الآن، أعتقد أنه من الأفضل أن نضع مبلغًا احتياطيًا… يكفي لثلاثة أو أربعة أيام، في حال حدوث طارئ».
الراوي : «هولندا و النمسا و فنلندا توصي سكانها بالفعل بالاحتفاظ بين 70 و 100 يورو للفرد في منازلهم و هو مبلغ يكفي لـ72 ساعة.
و في فرنسا، يوجد أيضًا “عدة طوارئ” مخصّصة للاستعداد للأزمات. أما في بعض الدول مثل السويد… فالأمر يصل إلى الحرب.
هذه الكتيّبات توصي بالاحتفاظ بنقد يكفي لأسبوع على الأقل، وهي نصيحة مفيدة لأن الأزمات مرشّحة للتكاثر، بحسب هذا الخبير».
الخبير ماكسيم شيبوا، مدير Money Vox : «بين الكوارث المناخية، ومخاطر الأمن السيبراني و الهجمات المعلوماتية، ثم المخاطر الجيوسياسية… يمكن أن نشهد تزايدًا في هذا النوع من المشاكل الذي يصيب وسائل الدفع الحديثة».
الراوي : «تختبر فنلندا حاليًا موزّعات آلية قادرة على الصمود في وجه الانقطاعات و الهجمات السيبرانية».
هكذا، دون أن يُذكَر و لو مرة واحدة الخطر الذي يشغل الجميع : روسيا. القناة الفرنسية العمومية تجنّبت بعناية الحديث عن “بطلة العالم” في الحرب الهجينة. طريق مغلقة بسبب الجدل الذي أثارته تصريحات رئيس أركان الجيوش، الجنرال فابيان ماندون، حول “أبناء الوطن” الذين يجب الاستعداد لخسارتهم في حرب عالية الحدة ضد فلاديمير بوتين…
الموت و الألم و العذاب، وكل تلك المآسي، لم يعد أحد يريد سماعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، منذ أن احتمى الأوروبيون بالمظلّة الأمريكية الوثير.
لكن لهذا التراخي حدود، و قد ذكّرهم بها الرئيس دونالد ترامب يوم 21 أوت الماضي.
ماذا يفعل القارّة العجوز للاستعداد لـ«انسحاب» الحامي؟
لا شيء يُذكر. أوروبا تواصل، مرة بعد أخرى، دفع مبالغ باهظة للولايات المتحدة مقابل أمنها.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية