تعود جذور الذكاء الاصطناعي إلى بداية أربعينيات القرن الماضي حين اقترح بعض العلماء نموذجاً للخلايا العصبية الاصطناعية، وقد برز مفهوم الذكاء الاصطناعي بصفة كبيرة في بداية الخمسينيات من القرن الماضي عندما أثار العالم البريطاني “آلان تورنج” تساؤلاً حول قدرة الآلة على التفكير.
ومنذ ذلك الوقت شهد الذكاء الاصطناعي موجات من الازدهار والركود أو ما يُسمى بشتاء الذكاء الاصطناعي إلى أن وصل إلى الانتشار الواسع الذي نشهده اليوم في شتى المجالات.
اعادة صياغة منطق العمل
يُطرَح الذكاء الاصطناعي كأحد أبرز التحولات التكنولوجية، التي لا تمس أدوات الإنتاج فحسب، بل تعيد صياغة منطق العمل، وزمنه، ومكانه، ومقاييسه. خوارزميات تقييم الأداء، التشغيل عبر التطبيقات، تقنيات المراقبة الذكية، الأتمتة، منصات العمل عن بعد… كلها عناصر تُسهِم في اعادة صياغة الطابع الاجتماعي للعمل، وتُؤثر على التوازنات المالية للمؤسسات، بل وتُهدد وظائف بكاملها بالزوال مما يتطلب ضمانات و حماية اجتماعية مستحدثة.
استجابة لهذه التحديات، حذّر وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر، خلال مناقشة ميزانية وزارته تحت قبة البرلمان، من تداعيات الذكاء الاصطناعي على سوق الشغل، مؤكداً أنّ عدداً من المؤسسات تتخلّى عن وظائف بشرية كاملة بعد اعتماد هذه التقنيات، بما يستوجب إعداد منظومة حماية اجتماعية جديدة خاصة بالعمل على المنصات الرقمية.
تونس تعزز الحماية الاجتماعية
كما أوضح الوزير أنّ الوزارة تدرس 11 فرضية لحماية العاملين في الاقتصاد الرقمي، بكلفة سنوية تتراوح بين 30 و160 مليون دينار، مشدّداً على ضرورة التحرك قبل أن تتعمق الأزمة الاجتماعية.
وفي عالم يشهد تحولات متسارعة بفعل التقنيات الحديثة، والتغيرات الاقتصادية، والتحول نحو اقتصاد أكثر استدامة، تتغير ملامح سوق العمل بشكل جذري. دراسة “مستقبل الوظائف 2025” التي أعدها المنتدى الاقتصادي العالمي، وبمساهمة المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تونس، رسمت صورة شاملة لتوجهات سوق العمل عالميًا ومحليًا، مستعرضةً الفرص والتحديات التي تواجه العمال وأرباب العمل على حد سواء.
تغيرات عميقة
كميا، اشارت الدراسة إلى أن حوالي 22% من الوظائف ستتغير عالميًا بحلول عام 2030. ويشمل هذا خلق 170 مليون وظيفة جديدة، مقابل إلغاء 92 مليون وظيفة نتيجة الأتمتة والتغيرات في احتياجات السوق. هذه الأرقام تعكس التحولات العميقة التي تعصف بسوق العمل، حيث تحل الآلات والذكاء الاصطناعي محل العمالة اليدوية في كثير من المجالات، بينما تفتح الأبواب أمام فرص جديدة في قطاعات التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والصناعات الإبداعية.
في تونس، تبدو الصورة مشابهة إلى حد كبير، مع توقعات بتغير 20% من الوظائف في السنوات القادمة. إلا أن هذه التحولات، وإن كانت تحمل فرصًا للنمو، فإنها تأتي مصحوبة بتحديات كبرى، مثل التضخم، وارتفاع تكلفة المعيشة، وبطء النمو الاقتصادي، التي تمثل العوائق الأبرز أمام الشركات التونسية.
مهما يكن من امر، فان التحولات الحالية في سوق العمل تقدم فرصة تاريخية لتونس لإعادة رسم ملامح اقتصادها بما يتناسب مع المتغيرات العالمية. ورغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، فإن التركيز على تطوير المهارات، والاستثمار في رأس المال البشري، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص يمكن أن يحول هذه التحديات إلى فرص للنمو المستدام.
المستقبل ليس مجرد انتظار لما سيحدث، بل هو ما نصنعه اليوم عبر التخطيط السليم والتنفيذ الفعال. ومن خلال تبني سياسات تركز على الابتكار والتكيف مع التغيرات، يمكن لتونس أن تتحول إلى نموذج رائد في المنطقة، حيث يتحقق التوازن بين تطور التكنولوجيا وتنمية الإنسان، لبناء مستقبل أفضل وأكثر ازدهارًا للجميع.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية