التعليم الخاص بين البعد التجاري والواجب التربوي
أثار قرار إحدى المدارس التونسية الخاصة التي تعتمد نظام التدريس الفرنسي بطرد عدد من التلاميذ بسبب تأخر أوليائهم في دفع معاليم التدريس موجة من الجدل في الأوساط التربوية والاجتماعية، حيث تساءل العديد عن الحدود الفاصلة بين الجانب المالي للمؤسسات التعليمية الخاصة وواجبها في ضمان استمرارية حق التلاميذ في التعلم.
وفي تصريح لموقع “تونس الرقمية”، عبرت إحدى الأمهات عن صدمتها من إعلامها رسميًا من قبل إدارة المدرسة الكائنة بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة، بأن طفليها اللذين يدرسان في هذه المؤسسة منذ ثماني وست سنوات، لن يتمكنا من مواصلة دراستهما بداية من يوم الإثنين القادم إذا لم تبادر بسداد معاليم التدريس المتخلدة بذمتها.
ورغم اتصالها بالمدرسة وتأكيدها على نيتها تسديد كامل المستحقات فور تحسن وضعها المالي، إلا أن الإدارة تمسكت بقرارها.
وأضافت المتحدثة أن أولياء آخرين في نفس المدرسة يواجهون نفس الوضعية نتيجة عدم تمكنهم من الدفع في الآجال المحددة ، مشيرة إلى أن حرمان الأطفال من الدراسة لا يعالج المشكلة، بل يفاقمها من خلال تعريضهم لصدمات نفسية قد تؤثر على مسيرتهم التعليمية وثقتهم في المؤسسات التربوية.
بين حقوق المدارس وحقوق التلاميذ
في ظل ارتفاع تكاليف التعليم في المدارس الخاصة، يتجدد الجدل حول دور هذه المؤسسات: هل هي مشاريع تجارية بحتة تخضع لقواعد السوق والعرض والطلب، أم أنها تحمل مسؤولية تربوية تفرض عليها مراعاة بعض الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأسر؟
لا شك أنه مهما كانت الأسباب والمبررات لاتخاذ مثل هذه القرارات فإنها ستكون تعسفية وقاسية خاصة على الأطفال الذين لا يجب إقحامهم في مثل هكذا مسائل لا تخصهم.
كذلك، فإنه من واجب هذه المؤسسات، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والعالم ككل، البحث عن حلول أكثر مرونة بدل اللجوء إلى الطرد كخيار أول. فالتربية ليست مجرد خدمة مدفوعة، بل هي مسؤولية مجتمعية تتطلب توازنًا بين المصالح المالية وحقوق التلاميذ في التعلم..
الانعكاسات النفسية والاجتماعية على التلاميذ
وفي هذا الإطار حذر السيد رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء و التلاميذ في تصريح لتونس الرقمية من الآثار السلبية لمثل هذه القرارات على التلاميذ، حيث يمكن أن يشعر الأطفال بالخجل والوصم الاجتماعي، خاصة إذا تم إعلامهم مباشرة بأنهم لن يكونوا قادرين على مواصلة دراستهم بسبب وضعية أسرهم المالية.
كما لفت إلى أن “طرد التلاميذ بسبب مشاكل مالية قد يؤثر على ثقتهم بأنفسهم، ويجعلهم يشعرون بعدم الأمان المدرسي، مما قد ينعكس على تحصيلهم الدراسي وسلوكهم الاجتماعي، مشددا على ضرورة أن لا تتحول المؤسسات التعليمية الخاصة إلى مؤسسات تجارية ربحية في المقام الأول وأن لا تتنكر للبعد التربوي الذي بعثت من أجله.
دعوات لإيجاد حلول بديلة
في ظل هذا الوضع، يطالب الأولياء بضرورة تدخل وزارة التربية أو الجهات المعنية لإيجاد حلول عادلة تضمن حقوق المدارس في تحصيل مستحقاتها، دون أن يكون ذلك على حساب حق التلاميذ في التعلم الذي يجب أن يكون حقا مقدسا لا خلاف فيه ..
وبخصوص الحلول التي يمكن اعتمادها في مثل هذه الحالة يقول السيد رضا الزهروني أن هناك حلولا يمكن اعتمادها في مثل هذه الحالة على غرار إقرار فترات إمهال للأولياء الذين يواجهون صعوبات مالية مؤقتة، بدل اللجوء إلى الطرد الفوري.
كما يمكن حسب رأيه إمكانية تقسيط المعاليم المستوجبة داعيا إلى ضرورة تعزيز الرقابة على المدارس الخاصة لضمان عدم اتخاذ قرارات تعسفية قد تؤثر على مستقبل التلاميذ.
بين القانون والأخلاق.. أي مستقبل للتعليم الخاص في بلادنا ؟
يبقى السؤال الأهم: هل ينبغي للمؤسسات التعليمية الخاصة أن تتعامل مع التعليم كسلعة تجارية تخضع لقوانين السوق، أم أنها تتحمل مسؤولية أخلاقية واجتماعية تجاه التلاميذ؟
في غياب إطار قانوني واضح ينظم العلاقة بين المدارس الخاصة والأولياء في مثل هذه الحالات، يظل الموضوع مفتوحًا للنقاش، في انتظار حلول تضمن تحقيق التوازن بين الحقوق المالية للمؤسسات التعليمية وحقوق التلاميذ في مواصلة تعليمهم دون عوائق.