يدرك الجميع مدى أهمية الأموال بالعملة الأجنبية التي تدرها جالياتنا بالخارج، والذين يمثلون حوالي 20% من الشعب التونسي. وفقًا للأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي، بلغت تحويلات أبناء وبنات تونس من الكفاءات المبدعة في الخارج ما يقارب ستة مليارات دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، وهو رقم غير مسبوق. فقد سجل البنك المركزي تحويلات بقيمة 5973.5 مليون دينار، مقارنة بـ 5821.2 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام الماضي، مما يظهر زيادة ملحوظة.
هذه التحويلات تفوقت على إيرادات وزارة السياحة والصناعات التقليدية حتى 30 سبتمبر من هذه السنة، حيث بلغت إيرادات القطاع السياحي 5597.3 مليون دينار، بزيادة قدرها 7% عن نفس الفترة من العام الماضي، حيث سجلت حينها 5230.6 مليون دينار.
وفيما يتعلق بتحويلات التونسيين بالخارج، فإن الوقت قد حان للتفكير بجدية في إنشاء وزارة مستقلة تهتم بشؤونهم، وتوفر لهم خدمات راقية، إضافة إلى امتيازات وحوافز تشجعهم على تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية. ومن الضروري وضع حوافز إضافية لأولئك الذين يحولون العملات الأجنبية، خاصة تلك التي تصنف على أنها “صعبة”، مما يعزز من شعورهم بالمسؤولية الوطنية والمساهمة في التنمية الاقتصادية.
هذا التوجه يمكن أن يساهم في القضاء على المعاملات غير الرسمية، مثل التبادل عبر “المقاصة”، ويعزز الشعور بالانتماء والمساهمة الفعالة في تطوير الاقتصاد الوطني. كما أن هذا المسعى قد يواكب مرحلة الاستقرار التي تعيشها البلاد حاليًا، وهو ما يتطلب إصلاحات جذرية تشمل تطوير القوانين القديمة، مثل مراجعة مجلة الصرف، وتحرير التعاملات البنكية العمومية.
تشجيع المغتربين على جذب الاستثمارات أو إنشاء مشاريعهم الخاصة في تونس سيكون خطوة هامة نحو القضاء على الإرث الاقتصادي السلبي الناتج عن سياسات حكومية سابقة لم تعد مناسبة للظروف الحالية.
وفي ظل التحولات الكبرى والأزمات العالمية التي تواجه شركاء تونس الاقتصاديين، فإن تحسين بيئة الاستثمار والتعاملات المالية بات ضرورة ملحة.
والله ولي التوفيق، وللحديث بقية.