ينجم التضخم في تونس عن ترابط معقد بين عوامل اقتصادية وهيكلية مختلفة. وتشمل الأسباب الرئيسية ارتفاع الطلب مقارنة بالعرض المحدود، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهو ما يرتبط في كثير من الأحيان بالنمو الاقتصادي أو ارتفاع الأجور أو السياسات المالية التحفيزية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التضخم المفرط في المعروض النقدي، والذي غالبًا ما يكون بسبب السياسة النقدية التوسعية، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة ويسبب ارتفاعًا عامًا في الأسعار. كما يساهم انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية في التضخم من خلال زيادة تكاليف الواردات.
معطيات احصائية
في الوقت نفسه، تؤثر العوامل الخارجية مثل التقلبات في أسعار النفط والمواد الاولية، وكذلك الظروف المناخية القاسية مثل الجفاف، على تكاليف الإنتاج وأسعار السلع الغذائية. علاوة على ما سبق، يؤدي ارتفاع الدين العام والاعتماد على القروض السيادية إلى تفاقم الضغوط التضخمية من خلال تعريض السياسات النقدية للمخاطر والضغط على العملة الوطنية. ويلعب الوضع الاقتصادي العام، بما في ذلك البطالة والنمو الاقتصادي ومستويات الدخل، دورًا حاسمًا أيضًا في التأثير على الطلب وتكاليف الإنتاج، مما يساعد في تشكيل المشهد التضخمي في تونس.
وبسبب توازن التغير في أسعار منتجات مجموعات استهلاكية، سجلت نسبة التضخم استقرارًا في مستوى 6.7% خلال شهر سبتمبر 2024 حيث يعود هذا الاستقرار بشكل ادق من ناحية إلى زيادة نسق تطور أسعار المواد الغذائية بحساب الانزلاق السنوي (9.2% خلال شهر سبتمبر مقابل 8.5% في شهر أوت) وأسعار مجموعة الترفيه والثقافة (7% خلال شهر سبتمبر مقابل 5.8% في شهر أوت)، ومن ناحية أخرى إلى تراجع وتيرة ارتفاع الأسعار في مجموعة الملابس والاحذية (9.7% خلال شهر سبتمبر مقابل 9.9% في شهر أوت) وفي مجموعة المشروبات الكحولية والتبغ (0.3% خلال شهر سبتمبر مقابل 5.4% في شهر أوت).
افاق مشجعة
يقف الاقتصاد التونسي عند مفترق طرق حاسم في سعيه للسيطرة على معدل التضخم وهو ما يشكل تحديا مستمرا له آثار عميقة على الاستقرار الاقتصادي في البلاد. وحسب الأرقام الأخيرة، للمعهد الوطني للإحصاء والتوقعات الواردة في عدة تقارير إقليمية ودولية هناك أمل كبير يلوح في الأفق للمنحى التنازلي لمؤشر الأسعار عند الاستهلاك، مع وجود إشارات واعدة تبرز تواصل تراجع التضخم في عام 2024.
ووفقا لتقديرات صادرة عن البنك الدولي، من المتوقع أن ينخفض التضخم بنسبة 1.2% في عام 2024. وترتكز هذه التوقعات على افتراض وجود سياسة نقدية حكيمة ومناخ ملائم للاستقرار الاقتصادي. وتدعم هذه التوقعات المشجعة أيضًا تقديرات مؤسسات مالية دولية أخرى، وهي تتوقع انخفاضًا طفيفًا في التضخم خلال نفس الفترة.
وتشير هذه البيانات إلى اتجاه تنازلي للتضخم في تونس في عام 2024، مما يوفر شعورا بالتفاؤل بشأن الصحة الاقتصادية المستقبلية للبلاد. ومع ذلك، فمن الضروري التأكيد على أن هذه التوقعات تستند إلى عدة عوامل، بما في ذلك السياسة النقدية الحكيمة والبيئة الملائمة للاستثمار والنمو الاقتصادي. كما يعد التنفيذ الناجح للسياسات الاقتصادية الفعالة وتعزيز مناخ الاستثمار المستقر أمرا ضروريا لدعم هذا المسار التنازلي للتضخم.
وعلى الرغم من أن التضخم لا يزال يشكل تحديا للاقتصاد التونسي، فإن التوقعات لعام 2024 توفر سببا للأمل. ومن خلال السياسة النقدية الحكيمة والإصلاحات الهيكلية المناسبة، تتمتع تونس بوضع جيد يسمح لها بالحفاظ على مسار التضخم التنازلي، وبالتالي إرساء أسس النمو الاقتصادي المستدام والشامل.