لم يختلف العام الحالي عن سابقه بالنسبة لقطاع واسع من السودانيين، في ظل استمرار الحرب الدموية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
الحرب التي تجاوزت عتبة الألف يوم تسببت في معاناة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بالأسوأ في العالم.
لم يتوقف القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع على مختلف المحاور طوال هذا العام، بل توسعت رقعته لتشمل مناطق لم تشهد أي عمليات عسكرية بين الطرفين منذ اندلاع القتال في أبريل/نيسان من عام 2023.
وفي مطلع العام، حقق الجيش مكاسب ميدانية كبيرة، إذ تمكن من استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث: الخرطوم، وأم درمان، وبحري، بعد أن ظلت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب.
وعاد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، إلى القصر الجمهوري ومقر قيادة الجيش في وسط الخرطوم بعد أشهر من الغياب القسري، واصفًا تلك اللحظة بالتاريخية.
ولم يكتفِ الجيش باستعادة الخرطوم والعديد من المناطق الواقعة في وسط البلاد، بل توجه غربًا واستعاد السيطرة على عدد من المناطق في إقليم كردفان، من بينها مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، التي كانت تحت حصار قوات الدعم السريع لأكثر من عام ونصف العام.
قوات الدعم السريع، التي فقدت مساحات جغرافية واسعة وسط وشرق البلاد، انصبّ تركيزها على إقليم دارفور، حيث فرضت حصارًا على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، لمدة عام ونصف العام.
و تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على المدينة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما اعتُبر انتصارًا عسكريًا كبيرًا لهذه القوات التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
وعلى غرار البرهان، وصف حميدتي سيطرة قواته على الفاشر باللحظة التاريخية، واعتبرها بمثابة بداية لما وصفه بتحرير كامل السودان.
غير أن هذا الانتصار كانت كلفته عالية جدًا، إذ اتهمت منظمات دولية وحقوقية، من بينها الأمم المتحدة، القوات شبه العسكرية بارتكاب انتهاكات واسعة بحق المدنيين، شملت القتل على الهوية، والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات، وحرق القرى، واقتحام المستشفيات، والاحتجاز بغرض الحصول على فِدى مالية، وغيرها من الانتهاكات، وهي اتهامات نفتها قوات الدعم السريع.
وبعد سيطرتها على معظم إقليم دارفور، الذي يعادل مساحة دولة مثل فرنسا، توجهت القوات شرقًا، وسيطرت على مناطق مهمة واستراتيجية في إقليم كردفان، من بينها بارا، وبابنوسة، وهجليج الغنية بالنفط والواقعة على الحدود مع دولة جنوب السودان.
مع نهاية العام، أصبحت خارطة السيطرة بين الطرفين المتقاتلين متأرجحة؛ فمن أصل 18 ولاية سودانية، يسيطر الجيش على عشرة ولايات بشكل كلي، تقع معظمها في الوسط والشمال والشرق والجنوب.
وتسيطر قوات الدعم السريع على أكثر من 95% من إقليم دارفور المكون من خمس ولايات، إضافة إلى ولاية غرب كردفان، فيما تتأرجح خارطة السيطرة في ولايتي شمال وجنوب كردفان.
وقال لبي بي سي إن الجيش سيكثف عملياته العسكرية في شمال كردفان، أملًا في استعادة جزء من المناطق التي فقدها، موضحًا "أعتقد أننا سنشهد عمليات عسكرية كبيرة مطلع العام المقبل، حيث سيبدأ الجيش، بالاشتراك مع القوات المشتركة، عمليات واسعة ضد قوات الدعم السريع، خاصة وأن قائد الجيش تلقى وعودًا من حلفائه الأتراك بمدّه بالسلاح والعتاد الحربي".
ويرى أبو قرون أن قوات الدعم السريع ستتحرك في المناطق الحدودية من أجل تأمين موقفها العسكري وضمان وصول سلاسل الإمداد.
وتابع قائلًا: "ستستمر قوات الدعم السريع في محاصرة مدينتي الدلنج وكادوقلي حتى تتمكن من السيطرة عليهما، وأعتقد أنها ستفتح جبهة قتال جديدة في إقليم النيل الأزرق وتهديد مدينة الدمازين، وذلك من أجل تعزيز وجودها على الحدود مع دولتي إثيوبيا وجنوب السودان، إلى جانب توسيع نطاق وجودها الحدودي الحالي مع تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان".
أما سياسيا، ففي مايو/أيار، شكّل الجيش حكومة مدنية برئاسة الموظف الأممي السابق كامل إدريس، وأطلق عليها اسم "حكومة الأمل".
وقال إن مهامها تشمل تحقيق السلام، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وإعادة الحياة لطبيعتها.
وبعد مرور نحو ثلاثة أشهر، وتحديدًا في أغسطس/آب الماضي، شكّلت قوات الدعم السريع حكومة موازية بعد تحالفها مع فصائل عسكرية وسياسية، أبرزها الحركة الشعبية لتحرير السودان.
وأطلقت على حكومتها اسم "حكومة السلام"، واتخذت من مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، مقرًا لها، حيث تم تعيين قائد قوات الدعم السريع رئيسًا للمجلس الرئاسي، فيما تقلد عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي منصب رئيس الوزراء.
ولم تجد الحكومة، التي بدأت فعليًا نشاطها في نيالا، اعترافًا من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية، إذ اعتبرت هذه الجهات أن الاعتراف بها قد يؤدي إلى تقسيم البلاد.
منذ اندلاع الحرب في السودان، طُرحت مبادرات ووساطات محلية وإقليمية ودولية عديدة لوقف القتال، من بينها مبادرات من الرياض وواشنطن والقاهرة والمنامة، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلا أن جميعها فشلت في إنهاء النزاع.
وكان أهم تلك المقترحات خارطة الطريق التي طرحتها ما يُعرف بدول الرباعية، وهي الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وتنص الخارطة على بدء هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يعقبها وقف لإطلاق النار لمدة تسعة أشهر، ثم تبدأ عملية سياسية بمشاركة القوى المدنية، تنتهي بتشكيل حكومة مدنية لا يشارك فيها الجيش ولا قوات الدعم السريع.
ورغم أن خارطة الرباعية بدت للكثيرين مقبولة وتهيئ الطريق لوقف الحرب، نظرًا لتوافق دول تُتهم بدعم الطرفين المتحاربين عليها، فإنها لم تحقق اختراقًا في الأزمة، في ظل التحفظات التي أبداها الجيش.
وفي نهاية العام، طرح رئيس الوزراء في الحكومة المدعومة من الجيش، كامل إدريس، مبادرة سلام من داخل أروقة الأمم المتحدة.
وكغيرها من المبادرات، لم تحظَ خارطة الطريق التي طرحها إدريس بقبول يُذكر، بعد رفض قوات الدعم السريع لها، إذ اشترطت المبادرة نزع سلاحها وتجميع قواتها في نقاط محددة قبل الدخول في المفاوضات.
ويرى رئيس تحرير موقع "سلا نيوز"، بهرام عبد المنعم، أن السبب الرئيسي في فشل التوصل إلى حل سلمي يتمثل في عدم توفر الإرادة المطلوبة لدى الأطراف المتنازعة. وأضاف أنه "من أسباب عدم تحقيق المبادرات المطروحة لأهدافها أن تنفيذها يتطلب إرادة سياسية حقيقية، إلا أن الواقع أظهر أن الطرفين المتنازعين لا يمتلكان هذه الإرادة. كما أن الميزان العسكري المتأرجح يعطّل القبول بالمبادرات، حيث يتقدم الطرفان ميدانيًا ويتراجعان في العديد من المحاور القتالية، وكل تلك العوامل أدت إلى فشل المبادرات المطروحة".
وتصف الأمم المتحدة الأزمة في السودان بأنها الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم حاليًا، في ظل اضطرار الملايين من أبناء هذا البلد إلى النزوح من ديارهم، وبروز شبح المجاعة في عدد من الولايات.
ومع اقتراب الحرب من عامها الثالث، خلال الثلث الأول من العام الجديد، يأمل النازحون واللاجئون السودانيون في دول الجوار أن تتوقف المعارك قريبًا، بما يفتح الأبواب أمامهم للعودة إلى مدنهم وبلداتهم واستئناف حياتهم من جديد.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة