آخر الأخبار

كيف ترى أنقرة تحالف المصالح بين إسرائيل وقبرص واليونان؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

أنقرة- في قمة ثلاثية شهدتها مدينة القدس -الاثنين الماضي- أعلنت إسرائيل و اليونان و جمهورية قبرص اتفاقها على تعميق التعاون الأمني والدفاعي، في خطوة تعكس انتقال الشراكة من التنسيق السياسي إلى بناء مظلة أمنية أكثر تماسكا في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ورغم تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن التحالف الثلاثي لا يستهدف دولة بعينها، وأن غايته تعزيز الاستقرار والازدهار والسلام الإقليمي، فإن توقيت الإعلان وسياقه الإقليمي المشحون يفتحان باب التأويل على مصراعيه.

وتأتي هذه التطورات في ظل تنافس محتدم على النفوذ والموارد بشرق المتوسط، وتُقرأ في أنقرة -وفق تغطيات إعلامية تركية- بوصفها حلقة جديدة في مساعي تطويق تركيا وإعادة تشكيل موازين القوة البحرية على حسابها، مما يطرح تساؤلات جوهرية عن انعكاسات هذا التقارب الثلاثي على حسابات أنقرة الإستراتيجية في واحدة من أكثر ساحات الجوار اضطرابا وحساسية.

تحالف المصالح

ويدرج التقارب الإسرائيلي واليوناني والقبرصي على مدى نحو 15 عاما، في أعقاب تراجع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، حين وجدت تل أبيب في كل من اليونان وقبرص شريكين بديلين قادرين على ملء فراغ سياسي وأمني آخذ في الاتساع، فبدأت صياغة التعاون بلغة ناعمة قوامها مشاريع الطاقة والدبلوماسية الإقليمية، قبل أن يكتسب لاحقا أبعادا أكثر صلابة.

ومع تسارع اكتشافات الغاز في شرق المتوسط خلال العقد الماضي، تزايدت دوافع هذا التحالف، إذ رأت إسرائيل في أثينا ونيقوسيا حليفين يتقاطعان معها في القلق من السياسات التركية الإقليمية، سواء في ما يتعلق بالخلافات البحرية أو بالمواقف السياسية المرتبطة ب القضية الفلسطينية.

ومنذ 2016، عقد قادة الدول الثلاث نحو 10 اجتماعات كرّست هذا المسار، بما يعكس توجها إستراتيجيا مستقرا قائما على مصالح متقاطعة ورؤية مشتركة للتكامل الإقليمي.

مصدر الصورة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (وسط): التحالف الثلاثي لا يستهدف دولة بعينها (الفرنسية)

البعد الأمني

ويتجاوز تعميق التعاون الثلاثي البعد السياسي ليطال المجالين الأمني والعسكري، عبر توسيع نطاق التنسيق الدفاعي وإجراء تدريبات مشتركة بصورة منتظمة. فقد أكد البيان الختامي للقمة الالتزام بتكثيف التعاون الأمني والدفاعي، مع التعهد بإجراء مناورات بحرية وجوية دورية تعكس مستوى متقدما من الجاهزية والتكامل العملياتي.

إعلان

وخلال السنوات الماضية، عزّزت إسرائيل حضورها كمورد رئيسي للتجهيزات العسكرية لكل من اليونان وقبرص، عبر تزويدهما بمنظومات صاروخية متطورة، وطائرات مُسيّرة، وتقنيات حرب إلكترونية.

كما كثفت القوات الإسرائيلية تدريباتها في الأراضي والأجواء اليونانية والقبرصية، مستفيدة من تنوع الجغرافيا والتضاريس، بما في ذلك إجراء تدريبات جوية تحاكي التعامل مع منظومات دفاع جوي متقدمة مثل منظومة " إس-300" المتمركزة في جزيرة كريت.

ورغم تأكيد نتنياهو أن هذا التعاون لا يستهدف تركيا، فإن تقارير إعلامية صادرة من أثينا تحدثت عن بحث القمة إنشاء قوة انتشار سريع مشتركة قوامها نحو 2500 جندي، تقدم بوصفها أداة ردع في شرق المتوسط.

الطاقة والاقتصاد

ويُمثّل قطاع الطاقة حجر الزاوية في بنية التحالف الثلاثي، إذ تتكامل فيه المصالح الجغرافية والاقتصادية للدول الثلاث، فإسرائيل وقبرص تمتلكان اكتشافات غاز بحرية وازنة، في حين تؤدي اليونان دور البوابة البرية نحو الأسواق الأوروبية.

كما نسّقت الدول الثلاث سياساتها الطاقوية ضمن منتدى غاز شرق المتوسط منذ تأسيسه في 2019، وهو إطار إقليمي انضمت إليه دول عربية وأوروبية بغياب تركيا، مما أضفى على المنتدى بعدا سياسيا يتجاوز كونه منصة تقنية.

ويبرز في هذا السياق، مشروع خط أنابيب شرق المتوسط المقترح لنقل الغاز من الحقول الإسرائيلية والقبرصية إلى اليونان ثم للقارة الأوروبية، إضافة لمشروع الكابل الكهربائي البحري الذي يربط شبكات الكهرباء بين الدول الثلاث، في مسعى لتعزيز أمن الطاقة الإقليمي وتنويع مصادر الإمداد الأوروبية.

وفي موازاة ذلك، تواصل اليونان وقبرص تعميق تعاونهما مع مصر في تصدير الغاز الطبيعي المسال، مستفيدتين من البنية التحتية المصرية القائمة، وهو ما يُقلّص الحاجة إلى أي مسارات عبور عبر تركيا.

مصدر الصورة القمة الثلاثية بالقدس بحثت إضافة للأمن مشاريع الطاقة وغيرها بين إسرائيل واليونان وقبرص (الفرنسية)

"وهم جيوسياسي"

وترى الخبيرة في السياسة الخارجية، زينب جيزام أوزبينار، أن أنقرة تنظر إلى القمة الثلاثية باعتبارها نقطة تحول انتقل فيها هذا الإطار من منصة تشاورية إلى تكتل جيوسياسي منظم يستهدف مصالح تركيا الإستراتيجية في شرق المتوسط.

وتقول أوزبينار للجزيرة نت إن إدماج ملفات الدفاع وأمن البحار والطاقة في هذا التعاون يعكس سعيا لبناء ترتيب إقليمي يقوم على إقصاء تركيا، رغم كونها صاحبة أطول ساحل على المتوسط، ولا سيما مع اكتساب التحالف طابعا عسكريا عبر الارتباط بالعقيدة الأمنية الإسرائيلية وبوابة اليونان وقبرص.

وتضيف أن هذه الترتيبات تفتقر إلى قابلية التطبيق العملي، مشيرة إلى أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا عام 2019 أسّس إطارا قانونيا وإستراتيجيا يجعل أي مشروع طاقة أو ربط إقليمي لا يحظى بموافقة أنقرة غير قابل للتنفيذ.

كما ترى أن عسكرة قبرص، ورفع الحظر الأميركي عن تسليحها، يُمثّلان تهديدا مباشرا لعقيدة "الوطن الأزرق" (إستراتيجية تركية تهدف لتوسيع سيادة تركيا ونفوذها البحري) وحقوق شمال قبرص (تتبع تركيا)، مؤكدة أن أنقرة ستواجه هذه الوقائع بسياسة حازمة عسكريا ودبلوماسيا.

إعلان

وتخلص أوزبينار إلى أن تركيا تعتبر هذا التحالف "وهما جيوسياسيا" لا يمكن أن يحقق استقرارا دائما، مؤكدة أن أمن شرق المتوسط لا يُبنى عبر محاور إقصائية، بل من خلال حوار شامل يراعي حقوق جميع الدول الساحلية.

توازنات وحسابات

من جانبه، يرى الباحث السياسي، أحمد ضياء جوكلاب، أن الشراكة الثلاثية انتقلت، مع نهاية العام الجاري، من تعاون طاقي محدود إلى إستراتيجية تطويق شاملة تستهدف إعادة تشكيل توازنات شرق المتوسط على حساب تركيا.

ويقول الباحث السياسي للجزيرة نت إن قرارات القمة الثلاثية في القدس بتعميق التعاون الدفاعي وبحث سيناريوهات قوة تدخل مشتركة، كشفت بوضوح مساعي محاصرة عقيدة "الوطن الأزرق"، وخاصة عبر مشاريع تسليحية يونانية متقدمة تهدف لتقييد حركة القوات التركية في بحر إيجه وشرق المتوسط.

ويضيف أن هذا الاصطفاف يقوم على مقاربة حدّية تتجاهل حقوق تركيا السيادية وتسعى لحصرها جغرافيا، بالتوازي مع تحويل قبرص الجنوبية إلى قاعدة لوجيستية وعسكرية، مما يدفع المنطقة نحو سباق قوى يفاقم هشاشة الاستقرار.

في المقابل، يؤكد أن أنقرة تواجه هذا المسار بتعزيز عقيدتها البحرية، وتثبيت اتفاق ترسيم الحدود مع ليبيا، وتوسيع هامش توازنها الإقليمي عبر تقاربها مع مصر ومناوراتها البحرية الواسعة، إلى جانب تحركات دبلوماسية لإبطال الاتفاقات التي تتجاهل حقوق شمال قبرص.

ويختم بأن الرهانات على إقصاء تركيا تصطدم بوقائع الجغرافيا والاقتصاد، فتعثر مشاريع الطاقة البديلة، وتقدم أنقرة كمركز عبور إقليمي للغاز، يقلصان فرص نجاح هذا التحالف.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا