رئيس حلف قبائل حضرموت اليمنية بعد سيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي" على سيئون: لن نسمح لأي قوة بالتقدم نحو الشركات النفطية في #حضرموت#الجزيرة_مباشر #اليمن pic.twitter.com/GnevqI9AgA
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) December 3, 2025
سيئون- استيقظ سكان مدينة سيئون وأخواتها من مدن وحواضر وادي حضرموت (شرق اليمن)، صبيحة أمس الأربعاء، على أصوات انفجارات واشتباكات عنيفة بين قوات المنطقة العسكرية الأولى (تابعة للدولة اليمنية) من جهة، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى.
واجتاحت قوات الانتقالي مدينة سيئون، ثاني أكبر مدينة حضرمية، معلنة عن بدء ما أسمته بعملية "المستقبل الواعد" للسيطرة على وادي وصحراء حضرموت، وتمكنت خلال ساعات من دخول المدينة والسيطرة على المواقع المهمة مثل المطار ومقار إدارة الأمن والمجمع الحكومي وقيادة المنطقة العسكرية الأولى.
وقال بيان رسمي صادر عن المجلس الانتقالي في عدن برئاسة عيدروس الزبيدي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي لليمن إن "حضرموت كانت وستظل ركنا أساسيا في مشروع الدولة الجنوبية".
وأكد البيان: "إننا في المجلس الانتقالي لن نقبل أن تبقى رهينة لمشاريع الإرهاب أو الهيمنة أو التهريب، ونطمئن شعبنا الجنوبي أن الأمن سيعود، وأن الوادي ماضٍ نحو عهد جديد من الطمأنينة والاستقرار والتنمية".
الأحداث الميدانية المتسارعة، التي شهدتها حضرموت الغنية بالنفط، قد تؤدي إلى شرخ أمني واسع في أكبر محافظات اليمن مساحة، مما يُضعف الأمن في محيط ممرات النفط والسواحل الحيوية.
و لم تنته المشكلة بدخول القوات الانفصالية القادمة من خارج المحافظة والاستيلاء على المؤسسات والمدن وطرد معسكرات القوات الحكومية التابعة لوزارة الدفاع اليمنية منها.
ولم يكد يجف حبر الاتفاق الأمني، الذي رعاه وضمنه الوفد الأمني السعودي بين قوات الانتقالي وحلف قبائل حضرموت، حتى انفجرت الأوضاع مجددا في محيط المناطق النفطية.
وكانت مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت ، قد شهدت، الأربعاء، توقيع اتفاق تهدئة برعاية لجنة وساطة حضرمية وإشراف وفد من "اللجنة الخاصة" السعودية في أعقاب التطورات التي شهدتها المحافظة لاسيما مناطق الوادي شرقي اليمن .
وأفاد بيان من "حلف قبائل حضرموت" بقيادة عمرو بن حبريش، بالتوصل إلى اتفاق مع قيادة السلطة المحلية ممثلة بالمحافظ سالم الخنبشي وبحضور وفد سعودي، مؤكدا الاستعداد للبدء في خطوات التنفيذ بموجب ما نصت عليه بنود الاتفاق الموقع من الطرفين.
وتشير الوقائع على الأرض إلى بدء صراع عسكري آخر على النفوذ والسيطرة على الحقول النفطية بين المجلس الانتقالي المطالب بعودة انفصال جنوب اليمن، وبين حلف قبائل حضرموت.
وتحدثت مصادر محلية، اليوم الخميس، عما قالت إنه غموض يكتنف مصير الشيخ عمر بن حبريش قائد حلف قبائل حضرموت، عقب مغادرته مواقع شركة بترو مسيلة، بعد المواجهات التي شهدتها المنطقة صباح الخميس بين قواته من جهة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى.
وأكدت المصادر المحلية أن ابن حبريش غادر محيط الشركة إلى وجهة غير معروفة عقب اشتداد المواجهات وسيطرة قوات الانتقالي على المواقع.
وفي أحدث تصريح له، قال اللواء فرج البحسني عضو مجلس القيادة الرئاسي إن ما أسماه بصفحة تمرد عمرو بن حبريش داخل الشركات قد "طُويت بإرادة دولة لا تتهاون مع العبث، وبحكمة قيادة تدرك أن هيبة المؤسسات لا تُترك للمزايدات ولا تُخضع للمساومات".
وقال البحسني إن "إنهاء هذا التمرد لم يكن مجرد إجراء أمني، بل رسالة واضحة بأن حضرموت محصّنة من محاولات فرض أمر واقع، وأن زمن ابتزاز مؤسسات الدولة قد انتهى إلى غير رجعة."
وأكد البحسني أن "الدولة لا تُبتز، وحضرموت لا تُهدد وكل محاولة عبث أو تمرد، ستتلاشى أمام قوة القانون وصلابة النخبة الحضرمية ووعي أبناء حضرموت".
وكان
ويرى مراقبون أن ما يحدث في حضرموت هو جزء من سباق السيطرة على الموارد الاقتصادية، خصوصا منشآت النفط في وادي المسيلة وبقية المناطق الغنية بالثروات، حيث تحوّلت هذه المنشآت إلى ورقة ضغط تستخدمها الفصائل المتصارعة ضمن لعبة النفوذ المحلي.
وفي موقف شبه رسمي، حذر وزير خارجية اليمن الأسبق الدكتور عبد الملك المخلافي من خطورة ما يجري في حضرموت، وأكد للجزيرة نت أن "ما حدث ويحدث في أراضي الجمهورية اليمنية لن يؤدي إلا إلى إطالة الأزمة اليمنية، ولا يمثّل نصرا لأحد ولا هزيمة لأحد، لأن إطالة الأزمة هزيمة للجميع وانتصار لعدوّ الجميع، وإدامة للفوضى والصراعات ومعاناة المواطنين، وتأجيج للانقسامات والعداوات، وتأجيل للنصر ويوم الخلاص والسلام".
ودعا المخلافي من وصفهم بالعقلاء الذين يمتلكون القرار الفعلي، وفي مقدمتهم رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والبرلمان وهيئة التشاور والمصالحة، إلى إدراك خطورة الوضع، والسعي لضمان أمن واستقرار وسلامة ووحدة محافظة حضرموت باعتبارها مسؤولية وطنية تقع على عاتق مؤسسات الدولة.
كما ناشد الأشقاء في التحالف العربي، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، دعم جهود مؤسسات الشرعية لتحقيق الأهداف المرجوة.
وأعرب المخلافي عن ثقته بأن حضرموت، بتاريخها وحضارتها وثقافتها وإنسانها وتجاربها، لن يكون خيارها في النهاية، وخيار أهلها، إلا مع الاستقرار والدولة واليمن الكبير، ولن تكون مع الفوضى والتمزّق.
ويكاد يجمع المحللون والمراقبون للشأن اليمني على أن هذه التطورات العسكرية تشكل تحولا تاريخيا كبيرا في مسار الصراع باليمن، إذ أصبحت مناطق حقول النفط ساحة نزال جديدة للصراع وبؤرة ساخنة للتوترات والاضطرابات، وهذا يدفع بالبلاد إلى منعطف بالغ الخطورة من الأزمات والتحديات.
واعتبر الخبير الاقتصادي وفيق صالح ما يجري في حضرموت بأنه تهديد خطير لمستقبل الاقتصاد اليمني، يضاعف من حالة عدم اللايقين، ويقوض أي جهود أو محاولات لإعادة إنتاج وتصدير النفط الخام.
وحذر صالح -في حديث خاص للجزيرة نت- من أن الاقتصاد اليمني على موعد مع مرحلة صعبة وقاسية من التراجع في مؤشرات الاستقرار، لا سيما مع شح الموارد وتصاعد نسبة العجز وعدم قدرة الحكومة على تعويض توقف تصدير النفط الخام.
ويشير الخبير الاقتصادي اليمني إلى أن الصراع المباشر للاستحواذ والسيطرة على حقول النفط، مثل المسيلة، أو موانئ التصدي، مثل الضبة، ينهي أي آمال لعودة شركات النفط الأجنبية العاملة في مجال الإنتاج والتصدير من الحقول اليمنية، ويخلق بيئة طاردة للاستثمار الأجنبي والمحلي، ويهدد بتوقف عمليات الشركات الوطنية، كما حدث مؤخرا مع إعلان شركة بترومسيلة التي أوقفت عملية الإنتاج الذي كان يستخدم لتوليد محطات الكهرباء في حضرموت.
ويضيف صالح أنه "في حال تم استئناف الإنتاج في ظل هذا الصراع فإن القوة المسيطرة عسكريا قد تعمل على عزل إيرادات النفط عن الحكومة المركزية، مما يقلص من قدرة الحكومة على تلبية الاحتياجات الأساسية على المستوى الوطني، مثل دفع الرواتب ودعم استقرار العملة وتوفير الخدمات العامة".
اشتباكات في حضرموت شرقي #اليمن.. فما الذي يحدث؟#الجزيرة_أخبار pic.twitter.com/ffBZJbJV2u
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 3, 2025
وفي تعليقه على ما حدث، يقول الصحفي والمحلل السياسي اليمني الحضرمي، أمين با رفيد، إن المنطقة العسكرية الأولى شكّلت لسنوات طويلة آخر امتداد فعلي للمحور الشرقي الذي تأسس في زمن اللواء الراحل محمد إسماعيل، وآخر الكتل المتماسكة التي احتفظت -ولو رمزيا- بطابع جيش الجمهورية اليمنية الموحدة في وادي حضرموت وصحرائها، وهي مساحة تتجاوز 30% من جغرافيا البلد.
ويرى با رفيد أن المنطقة الأولى لم تكن مجرد تشكيل عسكري، بل كانت بنية سياسية محمّلة برمزية ثقيلة في الخطاب اليمني، وركنا أساسيا في سردية “المظلومية” التي غذت المشروع الانفصالي لسنوات.
مشيرا إلى أنه ومنذ 1994 وحتى مطلع العقدين الأخيرين بقي الوادي والصحراء تحت نفوذ مركّب جمع بين أبين وهضبة الشمال، قبل أن ينجح الضغط الحضرمي المتراكم في إدخال تغييرات نسبية تمكّن أبناء حضرموت من قيادة بعض الألوية والوحدات، وتوسيع حضورهم العسكري. غير أن حصيلة ذلك كلّه لم تفضِ -في النهاية- إلا إلى مركز نفوذ جنوبي جنوبي بعد خروج المعسكر الشمالي الجنوبي من المشهد.
سيطرة قوات من المجلس الانتقالي الجنوبي على القصر الجمهوري ومطار سيئون ومواقع أخرى بعد اشتباكات مع قوات تابعة للحكومة اليمنية#الجزيرة_مباشر #اليمن pic.twitter.com/F8v8NZJz4R
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) December 3, 2025
أما الخبير العسكري اليمني، العقيد محمد عبد الله الكميم، فقد وصف ما جرى بـ"مسرحية باهتة"، معتبرا أن ما حدث في حضرموت ليس وليد اللحظة، ولم يكن ترتيبات عسكرية ولا تنسيقا مشتركا، بل محطة جديدة في سلسلة طويلة من الخطوات المتتابعة، بدأت من تحركات ابن حبريش وتأسيس قوات درع الوطن المحلية وتوزيعها جغرافيا على مسرح العمليات.
ويؤكد الكميم -في حديثه للجزيرة نت- أن "كلّ تلك التحركات التي لعب فيها الأشقاء لعبتهم بطريقة مخجلة كانت تسير في اتجاه واحد، وهو اجتثاث المنطقة العسكرية الأولى والثانية وإلغاء دورهما العسكري التاريخي والوطني بهذه الطريقة البشعة لا أكثر ولا أقل".
بينما يرى الصحفي اليمني محمد الخامري أن ما حدث ويحدث اليوم في حضرموت ليس مفاجئا ولا عابرا، بل جزء من سيناريو مُحكم يجري تنفيذه بهدوء في إطار ما أسماها "ترتيبات تفتيت اليمن وتشظي وحدته، في لحظة صمت مُريب من قيادات البلاد ووجهائها السياسيين والعسكريين والمثقفين ومشايخ القبائل".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة