#ثريد
" سفاري سرايِيفو»أثناء حصار المدينة ذات الأغلبية المسلمة سرايِيفو لأكثر من 1400 يوم، عاش الناس واحدة من أبشع المآسي في تاريخ أوروبا الحديث.
وثائق وشهادات تظهر اليوم وتكشف جانبًا أشدّ رعبًا مما عرفه العالم
"سياحة القنص"#القصة pic.twitter.com/pSQr1FGVCK— PIC | صـور من التـاريخ (@inpic0) November 13, 2025
سراييفو- لم تدرك إيرينا آنتيتش أن قناصا كان يتربص بها وهي تبحث عن بعض المواد البلاستيكية للتدفئة، خلال برد سراييفو القارس في ديسمبر/كانون الأول 1994، حيث كان عمرها آنذاك 16عاما.
وتقول للجزيرة نت، وقد أصبحت صحفية اليوم "كنتُ أسير على طول زقاق القناصة، وهو اسم ذلك الجزء بين المتحف الوطني وكلية الفلسفة في منطقة ماريين دفور الشهيرة، ذهبت لأحصل على بعض البلاستيك الذي استخدمناه لإشعال الحرائق، وما إن وصلت قرب منطقة غربافيتسا، حتى أُطلقت عليّ النار، أصابتني الرصاصة الأولى، في حين أصابت الأخرى رجلا كان بجانبي".
وتضيف "قدّمت لي قوة الحماية التابعة ل لأمم المتحدة الإسعافات الأولية، ومن ثم نقلت إلى المستشفى وخضعت لعملية جراحية، كانت إمكانية إنقاذ ساقي موضع شك، ولحسن الحظ، تم ذلك، أما الرجل المصاب بجانبي فقد بترت ساقه".
قضت إيرينا حينها أسبوعين في المستشفى، وتقول "لم أستطع الركض أو حتى المشي بسرعة، لكن مع مرور الوقت اضطررت لذلك من أجل البحث عن الماء والحطب للبقاء على قيد الحياة، كان الأمر صعبا حينها".
قبل إصابة إيرينا بأسبوعين فقط، وفي الموقع ذاته، وثقت الكاميرات مقتل الطفل نرمين ديفوفيتش (7 أعوام) برصاصة أصابت رأسه مباشرة، لكن حتى اليوم، لا تعلم آنتيتش، الصحفية في "إذاعة اتحاد البوسنة والهرسك"، من أطلق عليها النار، أكان من جيش صرب البوسنة؟ أم سائحا دفع أموالا بهدف الترفيه عن نفسه من خلال قنص المدنيين المحاصرين في سراييفو؟
أعاد فتح النيابة العامة في إيطاليا تحقيقا باحتمال وجود قناصة إيطاليين دفعوا أموالا لجيش صرب البوسنة للسماح لهم بإطلاق النار على المدنيين على سبيل التسلية، أحد فصول حصار سراييفو الأكثر بشاعة.
وبعد أن رفع الصحفي والروائي إيزيو غافازيني شكوى قانونية بتهمة "القتل المصحوب بقسوة ودوافع دنيئة" ضد إيطاليين سافروا إلى سراييفو خلال الحصار، فُتح تحقيق ميلانو برئاسة المدعي العام أليساندرو غوبيس، حيث قدّم غافازيني الدعوى، بعدما تواصلت معه رئيسة بلدية سراييفو السابقة بنيامينا كاريتش، في أغسطس/آب 2025.
ووفقا لوسائل الإعلام الإيطالية، يأمل المحققون في تعقب الأشخاص الذين شاركوا في "رحلات السفاري" المزعومة، وأوضحت صحيفة "لا ريبوبليكا" اليومية أن المشتبه بهم كانوا في الغالب من الأثرياء المتعاطفين مع اليمين المتطرف ، والذين يعشقون حمل السلاح، حيث غادروا حينها من تريستي في شمال إيطاليا إلى التلال المحيطة بسراييفو.
ودفع القناصة ما يعادل 100 ألف يورو يوميا لقوات صرب البوسنة لإطلاق النار على المدنيين، في حين كانت تكلفة قنص الأطفال أعلى، بحسب أوراق الشكوى المكونة من 17 صفحة.
وفي مقابلة مع "لا ريبوبليكا"، قدّر غافازيني عدد الإيطاليين المشاركين في العملية بما لا يقل عن 100 شخص، بينما ذكرت "إل جورنالي" ضعف هذا العدد على الأقل، إضافة إلى أجانب من دول أخرى، من بينهم الكاتب الروسي إدوارد ليمونوف الذي وثق فيديو قدومه إلى تلال سراييفو وإطلاقه النار على المدنيين.
تقول رئيسة بلدية سراييفو السابقة كاريتش للجزيرة نت إنها علمت لأول مرة بـ"سفاري سراييفو" عام 2022، أثناء توليها منصبها، من خلال فيلم وثائقي يحمل الاسم نفسه، وأخرجه السلوفيني ميران زوبانيش، وكشف فيه أن أجانب دفعوا أموالا لإطلاق النار على المدنيين في سراييفو بدافع الترفيه.
وتؤكد عمدة المدينة أن "فكرة مطاردة البشر كشكل من أشكال سياحة رحلات السفاري في أفريقيا أو آسيا، مُقلقة للغاية ومعادية للحضارة، لم تكن هذه أعمال عنف عشوائية، بل كانت منظمة، ومستغلة ماليا، ونفذت بنية مروعة"، وتضيف "كمواطنة ومحامية، ثم كعمدة لم أستطع الصمت".
وتشير إلى أنها قدمت شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام في البوسنة والهرسك ، وتحديدا إلى الإدارة الخاصة بجرائم الحرب، ولاحقا، أرفقتها بشهادة جون جوردان، وهو رجل إطفاء أميركي خدم مع قوة الأمم المتحدة للحماية في سراييفو وشهد وصول "صيادين أجانب". وقد قُبلت شهادته كدليل أمام محكمة لاهاي، وأُدرجت في الملف.
وخلال العام الحالي، أحالت كاريتش الشكوى إلى السلطات الإيطالية عبر سفارة إيطاليا في سراييفو، وقد فتح مكتب المدعي العام في ميلانو تحقيقا، وأُتيحت له إمكانية الوصول إلى شهود ووثائق من أجهزة الأمن الإيطالية، كما عرضت رئيسة البلدية الإدلاء بشهادتها وتقديم أي مساعدة ضرورية.
ووصلت أصداء الدعوى إلى الولايات المتحدة، حيث أعلنت عضوة الكونغرس عن الحزب الجمهوري في فلوريدا، آنا باولينا لونا، الأربعاء، أنها فتحت تحقيقا لمعرفة ما إذا كان أي أميركي قد شارك فيما يُسمى بـ"سياح القناصة" خلال حصار سراييفو.
وقالت على منصة " إكس " إنه "فيما يتعلق بسياحة القتل المزعومة، فقد فتحتُ تحقيقا في هذه المسألة، وأنا على اتصال بالقنصلية البوسنية والسفارة الإيطالية".
وأضافت "إن دفع المال لإطلاق النار على المدنيين -والأسوأ من ذلك إطلاق النار على الأطفال- هو شرٌّ لا يمكن لبلادنا أن تتسامح معه ولن تفعل ذلك. ستتبادل الحكومتان الإيطالية والبوسنية أي معلومات تتعلق بأي أميركي قد يكون متورطا، إذا وُجد، فهو يستحق الاتهام والمحاكمة".
تقول رئيسة بلدية سراييفو السابقة "أؤمن بأن الحقيقة دائما ما تجد طريقها، مهما طال الزمن أو طال دفنها، لو لم أكن أؤمن بالعدالة، لما خضتُ هذا النضال. إن التحقيق في ميلانو خطوة حاسمة، وأنا على ثقة بأن القضاء الإيطالي سيتابعه بجدية ونزاهة. قد تكون العدالة بطيئة، لكنها ممكنة التحقيق، وضحايا سراييفو يستحقون ذلك".
وتضيف "أتوقع أن يتم تحديد هوية المشاركين فيما يُسمى بسفاري سراييفو ومحاكمتهم، بغض النظر عن جنسياتهم أو ثرواتهم أو مكانتهم الاجتماعية، جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، يستحق ضحايا سراييفو معرفة من أطلق النار، ويستحق العالم أن يعلم أن مثل هذه الجرائم لن تمر أبدا دون عقاب، كما آمل أن يرسي هذا التحقيق مبدأ أن لا يعامل أحد في أي مكان كلعبة".
توضح كاريتش أن القضية مرفوعة أمام مكتب المدعي العام في البوسنة والهرسك منذ عام 2022، وقد أكدت النيابة العامة البوسنية رسميا أنها تجري تحقيقا، وتعتقد أن الاهتمام العام المتجدد والضغط الدولي -وخاصة من إيطاليا- قد ساعدا في دفع الأمور إلى الأمام، وتؤكد أنه "ثمة أدلة كافية على أن حقيقة هذه القصة لا يمكن الشك فيها، هذه ليست مجرد مسألة قانونية، بل واجب أخلاقي".
أما الصحفية إيرينا آنتيتش، والتي كتبت وبحثت لسنوات عن الحصار، فتقول إن "الدولة في البوسنة تملك في أرشيفها ووثائقها تفاصيل عمليات القنص، لكنها ظلت في الأدراج لأكثر من عقد ونصف، ولم يُتخذ أي إجراء بشأنها".
وتتابع "من المحزن والمخزي أن يفتح مكتب المدعي العام الإيطالي تحقيقا فيما حدث في عاصمة دولة نجت من العدوان و الإبادة الجماعية ، في حين أن مكاتب المدعين العامين المحليين لدينا -بغض النظر عن فتح التحقيق بناء على دعوى كاريتش- لم تفعل شيئا حتى الآن، تماما كما لم تفعل في أي قضية جريمة حرب، سواء كانت هجوما فرديا أو جماعيا".
موضحة أنه ليس لدى البوسنة والهرسك وقضائها أي لائحة اتهام، "ناهيك عن حكم، بشأن الجرائم المرتكبة ضد سكان سراييفو" حسب قولها.
وتضيف أن "بعض الأبحاث تشير إلى أن ما بين 5 و15 شخصا كانوا ضحايا القناصة يوميا، سواء قُتلوا أو جُرحوا، وأن 10% من إجمالي عدد الأطفال القتلى قضوا برصاص القناصة".
وتختم حديثها بالتعليق أنه "قد يُشعرنا ذلك ببعض الرضا والأمل في أن العدالة لا تزال قائمة، مهما طال أمدها، لكن للأسف، لا يُمكنه إعادة أرواح زهقت".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة