في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الضفة الغربية- تُكمل اليوم، الصحفية سمية جوابرة، من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية ، عامين في ح بسها المنزلي ، وتقف -كما اعتادت طوال هذه المدة- تودّع أطفالها كل صباح عند باب المنزل حين يخرجون إلى المدرسة، لكنها لا تجرؤ على تجاوزه.
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وبعد اعتقال استمر 8 أيام، أفرج الاحتلال الإسرائيلي عن سمية من سجن الدامون وهي حامل في شهرها السابع، بشروط صارمة، كان أبرزها الحبس المنزلي المفتوح، ومنع اقتناء أو استخدام الهاتف أو أي وسيلة تواصل أو إنترنت.
منذ ذلك اليوم، لم تعش سمية حياة طبيعية، إذ لم تغادر منزلها إلا مرات قليلة معدودة، إحداها للولادة، والبقية لمتابعات طبية في المستشفى، ليصبح زوجها طارق السركجي عينها إلى الخارج ولسانها الذي تتحدث به، ويدها التي تحمل أعباء الحياة خارج حدود المنزل.
وتتشابه الأيام في حياة سمية منذ ذلك التاريخ، فالأعمال المنزلية ومهام الأمومة، رغم كثرتها، باتت تُكبّلها وتزيد من ضيق محبسها القسري، إذ لا متنفس متاح لها، خصوصا وأنها شخصية اجتماعية تُحب التفاعل والخروج إلى محيطها.
ومرَّت 4 أعياد ولم تزُر خلالها سمية منزل عائلتها، وغابت عن مرض والديها، كما لم تستطع مشاركة أختها فرحتها بزفافها، ولا حضور تخرّج الأخرى من الثانوية العامة، لتبقى كل المناسبات تمرّ عليها وهي أسيرة جدران منزلها.
ويروي زوجها طارق للجزيرة نت تفاصيل هذه المعاناة قائلا "في البداية كنا نعتقد أن الحبس المنزلي سيكون أهون من السجن، لكن مع مرور الوقت، تبيّن أنه سجن آخر داخل البيت".
ويقول إن أدق تفاصيل الحياة أصبحت معقدة، وأن سمية حُرمت أبسط تفاصيلها اليومية، من الخروج، والتواصل مع الناس، وحتى من أداء مهامها الطبيعية.
ويضيف "إذا مرضت هي أو أحد الأطفال، لا تستطيع فتح الباب أو الذهاب للطبيب، أما احتياجاتهم المدرسية والمنزلية، فتتولاها أخواتي أو والدتي، لأنها ممنوعة من مرافقتهم أو التسوق بنفسها".
ويصف الزوج غياب سمية عن تفاصيل الحياة العائلية، مؤكدا أن الحبس المنزلي لا يطول الشخص وحده، بل يمتد أثره إلى الأسرة بأكملها. ويقول "نحن نعيش معها كأننا شركاء في العقوبة، ففي كل مرة أخرج فيها مع الأطفال إلى زيارة عائلية أو نزهة، نشعر بالفراغ لأن أمهم ليست معنا".
وعن آخر مستجدات القضية -يوضح طارق- أن ملف سمية ما يزال مفتوحا حتى اليوم، إذ يواصل الاحتلال المماطلة في البتّ فيه، فقد أبقت لائحة الاتهام على الحبس المنزلي لأجل غير مسمّى دون تحديد مدة زمنية، رغم أن المدة القانونية القصوى هي 18 شهرا.
ويتابع "سألنا أكثر من جهة قانونية ومحامين، بعضهم قال إن المدة انتهت، لكن دون وجود ورقة رسمية من المحكمة لا يمكننا المخاطرة بخروجها. والاحتلال يتعامل بازدواجية، فحتى المحامون أنفسهم غير متأكدين من الوضع القانوني".
من جهته، يوضح المحامي فادي قواسمة المكلّف بمتابعة الملف للجزيرة نت، أن المدة القصوى للحبس المنزلي المفتوح هي 18 شهرا، وبما أن هذه المدة انقضت، فإن الحبس يُعتبر منتهيا قانونيا، لكنّه يشير إلى عدم صدور أي قرار رسمي يؤكد ذلك، مما يبقي الغموض القانوني قائما ويزيد من مخاوف العائلة من إعادة اعتقالها في أي وقت.
ويضيف قواسمة أن حالة سمية تُعد استثناءً في نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، التي يُحاكم من خلالها الأسرى الفلسطينيون، إذ نادرا ما يُستخدم فيها إجراء الحبس المنزلي، بخلاف ما يجري في القدس وداخل الخط الأخضر .
ويوضح "تم اتخاذ هذا القرار لكونها حاملا خلال وقت الاعتقال، ولم تكن الجهات المختصة تعرف كيف تتعامل مع حالتها، فصدر القرار بموافقة النيابة العامة وسُمّي (حبسا منزليا)، لكنه في جوهره كان إجراء شكليا أكثر من كونه قانونيا".
بدورها، توضح مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني ، أماني سراحنة، أن حالة سمية جوابرة ليست الأولى في الضفة الغربية، رغم أن الاحتلال عادة لا يستخدم الحبس المنزلي في نظام المحاكم العسكرية، بل في القدس والداخل المحتل، لكن بعد الحرب الأخيرة، ظهرت حالات مشابهة، خاصة بين النساء والأطفال، كبديل عن الاعتقال الفعلي.
وتشير سراحنة في حديثها للجزيرة نت، إلى أن خطورة هذا النوع من الإجراءات لا تكمن فقط في تقييد الحركة، بل في محاولة تكريس هذه السياسة، إلى جانب أثرها النفسي والاجتماعي العميق. وتقول "تحويل البيت إلى سجن هو من أكثر أشكال الاعتقال تعقيدا، لأن الشخص يُعاقَب في بيئته الخاصة ويعيش قيدا نفسيا واجتماعيا دائما".
وتضيف أن تجربة سمية كانت أكثر قسوة لأنها كانت حاملا عند اعتقالها وأنجبت طفلها وهي خاضعة للحبس المنزلي، مما جعل العبء النفسي عليها وعلى عائلتها مضاعفا، وجعل تأثير هذا الإجراء يتجاوز الشخص إلى الأسرة بأكملها.
وتلفت سراحنة إلى أن تخوّف العائلة من إعادة اعتقالها مبرّر، إذ لا توجد ضمانات حقيقية تحمي المفرج عنهم من إعادة الاعتقال في أي لحظة.
كذلك تكشف أن هناك عددا من الحالات المشابهة في الضفة الغربية بعد 7 أكتوبر /تشرين الأول 2023، معظمها لنساء وأطفال أُفرج عنهم بشروط قيدت حركتهم ومنعتهم من استخدام وسائل الاتصال أو التواصل الاجتماعي، لكن لا توجد حتى الآن إحصاءات دقيقة بهذه الحالات، بسبب غياب التوثيق المنتظم وصعوبة المتابعة القانونية في ظل ظروف الحرب.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة