علمت بي بي سي أن الولايات المتحدة وزعت، الاثنين، على عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي، مشروع قرار يدعو إلى إنشاء قوة دولية في قطاع غزة، بتفويض يمتد لمدة لا تقل عن عامين.
المشروع، الذي وصفه دبلوماسيون تحدثوا إلى بي بي سي بأنه "حسّاس لكنه غير سري"، يفتح الباب أمام نقاشات حاسمة حول مستقبل إدارة القطاع وأمنه بعد الحرب.
بحسب مصادر دبلوماسية وصحفية اطلعت على نص المشروع، تسعى واشنطن إلى تشكيل قوة تُعرف باسم "قوة الأمن الدولية" (ISF)، تكون قوة تنفيذية لا حفظ سلام، وتضم قوات من عدة دول.
وتهدف القوة إلى تأمين حدود غزة مع إسرائيل ومصر، وحماية المدنيين والممرات الإنسانية، وتدريب قوة شرطة فلسطينية جديدة، إلى جانب نزع سلاح الفصائل المسلحة ومنع إعادة بناء بنيتها العسكرية.
من سيقود القوة الدولية المقترحة؟
تشير المسودة إلى أنّ الولايات المتحدة ستكون صاحبة الدور القيادي في المرحلة الأولى، على أن تُدار العمليات بالتعاون مع دول وكيانات دولية أخرى.
وتقول مصادر أممية لبي بي سي إن بعض الدول الأعضاء ترى أن قيادة أمريكية مباشرة قد تثير تحفظات، خصوصاً بين الدول الإسلامية المشاركة في المشاورات الجارية بشأن نشر قوات محتملة.
ما المقصود بـ "مجلس السلام" الذي ورد ذكره في المشروع؟
ينصّ مشروع القرار على إنشاء هيئة مدنية تُعرف باسم "مجلس السلام"، يُفترض أن تشرف على إدارة الشؤون المدنية في القطاع، بالتعاون مع لجنة من الشخصيات الفلسطينية التكنوقراط من أبناء غزة.
وبحسب المسودة، سيُكلَّف المجلس بالإشراف على القوة الدولية وعلى مرحلة الانتقال حتى نهاية عام 2027، أو إلى حين تولي السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة بعد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
هل حُدد موعد مبدئي لنشر القوات في غزة؟
تقول مصادر تحدثت لبي بي سي إنّ الولايات المتحدة تسعى لطرح المشروع للتصويت خلال الأسابيع القليلة المقبلة، على أن يبدأ نشر أولى الوحدات في يناير/كانون الثاني المقبل، في حال تمّ التوافق على الصيغة النهائية وعدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية حق النقض (الفيتو).
كيف تفاعل أعضاء مجلس الأمن والدول الإقليمية مع المقترح؟
تشير مصادر دبلوماسية إلى أنّ المشروع قوبل بمزيج من الترحيب الحذر والتحفظ.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع في إسطنبول، ضمّ وزراء من إندونيسيا وباكستان والسعودية والأردن وممثلين من الإمارات وقطر، إنّ الدول ستقرر مشاركتها في القوة الدولية "استناداً إلى مضمون القرار النهائي وصيغة التفويض".
وأضاف أنّ بلاده ودولاً أخرى ترفض أي نظام وصاية جديد على غزة، مشدداً على أنّ "الفلسطينيين يجب أن يحكموا أنفسهم، والمجتمع الدولي يدعمهم فقط".
هل هناك توافق حول الدور الإسرائيلي أو جدول الانسحاب من غزة؟
تقول مصادر دبلوماسية تحدثت إلى بي بي سي إن الخلاف حول العلاقة بين القوة الدولية والوجود العسكري الإسرائيلي في غزة، بالإضافة إلى حرية العمل العسكري ي غزة يمثل أحد أبرز العقبات أمام تمرير القرار.
وتطالب دول عربية، من بينها الأردن، بوضع جدول زمني واضح للانسحاب الإسرائيلي الكامل، بينما ترى دول غربية أن الانسحاب يجب أن يكون مرتبطًا بعملية نزع سلاح القطاع وضمان الاستقرار الأمني.
ما أبرز التحديات التي قد تواجه تنفيذ القرار؟
يُنظر إلى تحديد طبيعة التفويض على أنّه العامل الحاسم في قبول الدول المشاركة إرسال قوات.
كما أنّ تداخل المهام بين القوة الدولية والشرطة الفلسطينية الجديدة، إلى جانب تعقيدات الإشراف المدني عبر مجلس السلام، يثير أسئلة حول من يتحمل المسؤولية السياسية والأمنية الفعلية في غزة خلال المرحلة الانتقالية.
وقالت مصادر دبلوماسية لبي بي سي إنّ "الوقت يضغط على الجميع"، إذ تخشى بعض العواصم الغربية من فراغ أمني متزايد يهدد استقرار الهدنة الهشة في القطاع.
وكان وزراء خارجية عرب أكدوا في اجتماع اسطنبول الاثنين، وجوب أن يكون الحكم في قطاع غزة للفلسطينيين وحدهم، معربين عن رفضهم أي "نظام وصاية جديد" على القطاع بعد أسبوعين على بدء سريان وقف إطلاق نار هش، بين إسرائيل وحركة حماس.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مؤتمر صحافي بعد الاجتماع مع نظرائه من السعودية وقطر والإمارات والأردن وباكستان وإندونيسيا، إنّه "يتعيّن على الفلسطينيين حكم الفلسطينيين، ويجب على الفلسطينيين ضمان أمنهم".
وأشار إلى أنّ "غزة بحاجة إلى إعادة بنائها، ويجب أن يعود سكانها إلى منازلهم. إنها بحاجة إلى تضميد جروحها. ولكن... لا أحد يريد أن يرى ظهور نظام وصاية جديد".
وقال إنّ "أي إجراء يُتخذ لحل القضية الفلسطينية... يجب ألا يخاطر بخلق أساس لمشاكل جديدة. ونحن نولي هذا الأمر اهتماماً بالغاً"، معرباً عن أمله في "مصالحة فلسطينية داخلية" سريعة بين حماس والسلطة الفلسطينية.
واعتبر أنّ هذه المصالحة من شأنها "تعزيز تمثيل فلسطين داخل المجتمع الدولي".
وسبق لقادة هذه الدول السبع الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، أن التقوا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أواخر أيلول/سبتمبر على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وفي تطور آخر، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي الثلاثاء، ترتيبات استضافة بلاده للمؤتمر الدولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، الذي من المقرر أن يُعقد الشهر الحالي في أراضيها، وذلك في اتصال هاتفي جمعه مع جوناثان باول مستشار الأمن القومي البريطاني.
ووفقاً لبيان أصدرته وزارة الخارجية المصرية، أعرب عبدالعاطي خلال الاتصال عن تطلع القاهرة لـ "المشاركة الفعالة" لبريطانيا والمجتمع الدولي في المؤتمر لـ "إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني".
وأكد عبدالعاطي، بحسب البيان، أهمية التنفيذ الكامل لاتفاق إنهاء الحرب في قطاع غزة وبدء إعادة الإعمار، بالإضافة لضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع بكميات تتناسب مع احتياجاته.
أمّا داخل قطاع غزة، أعلنت كتائب عز الدين القسام، أنها عثرت الثلاثاء على جثة جندي إسرائيلي شرقي حي الشجاعية في مدينة غزة، وذلك خلال ما وصفته بـ "عمليات البحث والحفر المتواصلة داخل الخط الأصفر"، قائلة إنه يجري الآن ترتيب إجراءات تسليم هذه الجثة لإسرائيل.
وأكدت الكتائب، في تصريح مقتضب، أن دخول المعدات الهندسية ومرافقة طواقم من كتائب القسام لفرق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في عمليات البحث عن الجثامين داخل الخط الأصفر أسهم "بشكلٍ كبير في سرعة انتشال الجثث وأدى إلى العثور على العديد منها".
وتواصل قوات الجيش الإسرائيلي عمليات القصف الجوي والمدفعي بوتيرة عالية منذ عدة أيام في مناطق مختلفة شرقي قطاع غزة، أو خلف ما يعرف بالخط الأصفر وهي الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.
وأكد شهود عيان الثلاثاء، أنّ طائرات حربية إسرائيلية نفذت صباحاً، قصفاً عنيفاً بأحزمة نارية شرقي خان يونس جنوب القطاع وعلى منازل أخرى شرقي دير البلح وسط القطاع.
كما ذكرت مواقع إسرائيلية أنّ سلاح الهندسة التابع للجيش الإسرائيلي، دمر صباح الثلاثاء أنفاقاً شمال القطاع، وفي منطقتي خان يونس ورفح جنوباً.
تحدث مواطنون من غزة إلى"بودكاست غزة اليوم" عن خوفهم وقلقهم مع تصاعد القصف في مناطق متفرقة من القطاع، معبرين عن خشيتهم من عودة الحرب مجدداً.
وقالت سيدة تعيش في خيمة على شاطئ البحر بسبب فقدانها لمنزلها، إنّ الجو بالقرب من البحر بارد جداً وأنها قلقة من الأمراض من أمراض البرد والزكام والانفلونزا التي يعاني منها جميع سكان الخيام بشكل دائم.
وتضيف لبي بي سي: "غياب الأغطية الشتوية السميكة وعدم تواجدنا داخل منزل، بل داخل خيمة من القماش يجعل الوضع صعب للغاية".
فيما تحدثت سيدة أخرى عن خشيتها من المد والجزر مع اقتراب فصل الشتاء.
ومن جهته، قال مازن يونس وهو من خانيونس ويسكن حالياً في خيمة، أنه استفاق الليلة عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل على صوت طائرة كوادكوبتر بدون طيار فوق خيمته وأنه شعر بالخوف خصوصاً على أطفاله.
وأضاف: "لم أشعر أنه حصل وقف لإطلاق النار. ليس هناك أي شعور بالأمان. فهناك قصف يومي والطائرات بدون طيار متواجدة باستمرار".
تحدث مواطن آخر يدعى ياسر بركة لبي بي سي، وأكد أنه يشعر أيضاً بأنّ الحرب لم تنته.
ويضيف: "أنا لست خائفاً على نفسي، بل على الأطفال. أن يحصل لهم أي مكروه".
من جهته، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه البالغ إزاء "استمرار انتهاكات" وقف إطلاق النار في غزة، الذي أنهى عامين من الحرب المدمّرة في القطاع، داعياً إلى وقفها.
وفي مؤتمر صحافي على هامش القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في الدوحة الثلاثاء، قال غوتيريش: "يساورني قلق بالغ إزاء استمرار انتهاكات وقف إطلاق النار في غزة... يجب أن تتوقف ويجب على جميع الأطراف الالتزام بقرارات المرحلة الأولى من اتفاق السلام".
هذا ومن المقرر أن تستكمل حركة حماس برفقة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمشاركة آليات مصرية ثقيلة عمليات البحث عن مزيد من جثث الرهائن الإسرائيليين وتحديداً في منطقة الشجاعية شرقي مدينة غزة حيث تبقى في القطاع ثمانية جثث بعد أن سلمت حماس عشرين منها منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار.
من جهتها، حذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، الثلاثاء، من كارثة إنسانية وزراعية غير مسبوقة في القطاع.
وأكدت المنظمة في تقريرها السنوي، أنّ أقل من 5 في المئة فقط من الأراضي الزراعية في القطاع ما زالت صالحة للزراعة، بعد تدمير أكثر من 80 في المئة من المساحات المزروعة بفعل الحرب الإسرائيلية.
كما أنّ 90 في المئة من سكان غزة غير قادرين على الحصول على غذاء كافٍ بحسب المنظمة، التي أشارت إلى أنّ إنتاج الخضروات والحبوب انخفض إلى أقل من نصف مستواه قبل عامين، في حين تعرّض قطاع الصيد البحري لتدمير واسع وقيود مستمرة حالت دون عمله بشكل الطبيعي.
وصنفت "فاو"، قطاع غزة ضمن "أسوأ أربع أزمات غذائية في العالم" خلال عامي 2024-2025، إلى جانب السودان واليمن وأفغانستان، داعية إلى استجابة طارئة ومتعددة القطاعات تشمل الأمن الغذائي والمياه والصحة والدعم النفسي، لتفادي انهيار إنساني شامل في القطاع.
وفي تطور آخر جرى اليوم، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي يحاكم للاشتباه في تورطه في تهم فساد، إنهاء جلسة الاستماع التي تجرى اليوم في القضية مبكراً، بسبب "اجتماع دبلوماسي عاجل".
جاء ذلك وسط تقارير تفيد بأن نتانياهو سيعقد في وقت لاحق اليوم، اجتماعاً بمديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد، التي تزور إسرائيل حالياً.
وهذا الطلب هو الأحدث في سلسلة من الطلبات المماثلة التي قدمها فريق دفاع نتانياهو إلى المحكمة في الأسابيع الأخيرة، وذلك إما لأسباب تتعلق بإدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لشؤون حكومته، أو لدواعٍ تتعلق بحالته الصحية.
ولطالما اشتكى نتانياهو من أنَّ المحاكمة، التي بدأت عام 2020، تُعيق أداءه لمهامه كرئيس للوزراء.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة