في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
شنت القوات الحكومية السورية في 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري حملة أمنية ضد تجمع لمقاتلين من أصول أفريقية يحملون الجنسية الفرنسية، ويطلق عليهم اسم فرقة الغرباء، المتكتلة ضمن مخيم في منطقة حارم بريف إدلب.
وعلى إثر الحملة، انتقل التوتر إلى مجموعات مقاتلة أجنبية أخرى موجودة في محافظة إدلب من الجنسيات الأوزبكية والكازاخستانية ، بسبب المخاوف من أن تكون العملية بداية لمسار تفكيك المجموعات الأجنبية.
خاصة وأنها أتت بعد سلسلة من النشاط الدبلوماسي السوري الخارجي منذ نهاية سبتمبر/أيلول الماضي الذي شهد مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ثم توجهه إلى روسيا في زيارة هي الأولى من نوعها بعد توليه الرئاسة.
ينحدر عمر ديابي المعروف باسم عمر أومسين المولود في مدينة نيس الفرنسية عام 1976من أصول سنغالية بحكم جنسية والده الذي تزوج لاحقا من فرنسية، ولم يكن معروفا عن عمر في بداياته توجهاته الجهادية، لكنها طرأت عليه بعد تعرضه للسجن عام 2003 بعد اتهامه بالمشاركة في عملية سطو على محل مجوهرات.
وسبق لهيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ المنبثقة عنها عندما كانت تسيطر على محافظة إدلب أن اعتقلت أومسين عام 2020، وبقي في السجن لأكثر من عام بسبب حوادث تتعلق بعلاقات مع جماعات معادية لتحرير الشام، ومتورطة في نشاطات غير مشروعة، ثم تم الإفراج عنه لاحقا بعد تعهدات بالانضباط.
وأفادت مصادر أمنية سورية وشهادات سكان محليين من المخيم في حارم أن الحملة الأمنية الأخيرة ضد فرقة الغرباء تعود إلى سلوك قائد الفرقة الذي لا يعترف بسلطة الحكومة، وقام بتأسيس محكمة غير رسمية داخل المخيم، ويُصدر باستمرار أحكاما ضد سكان المخيم ويطبق عليهم عقوبات، وقام عدة مرات بمنع نساء غادرن المخيم من اصطحاب أطفالهن معهن.
وفقا للمصادر، فإن أومسين استطاع أن يستنفر بعض المجموعات من المقاتلين الأجانب خاصة من الجنسية الأوزبكية، وأقنعهم بأن الحكومة تستهدف الأجانب عموما، بهدف الضغط للتملص من الحملة الأمنية.
وانتهت الحملة الأمنية على مواقع فرقة الغرباء بعد موافقة قائدها على الخضوع لقوانين الدولة السورية وتفكيك المحكمة التي أنشأها، والتحاق مقاتلي المجموعة بالفرقة 84 ضمن الجيش السوري المخصصة لاحتواء المقاتلين الأجانب.
أشارت دراسة صدرت عن مركز جسور للدراسات قبل عامين أن نشاط المقاتلين الأجانب في سوريا تراجع ابتداء من عام 2018، وأعدادهم بشكل إجمالي لم تعد تتجاوز 5 آلاف.
أبرز تكتلات المقاتلين الأجانب تتمثل بالحزب الإسلامي التركستاني، وهم من الإيغور الذين بدأ دخولهم إلى سوريا اعتبارا من عام 2013، بالإضافة إلى الكتيبة الألبانية، وكتيبة أنصار الإسلام التي انحازت من العراق للعمل في سوريا بعد مبايعة قادتها لتنظيم الدولة، فيما توجه الرافضون لهذه البيعة إلى سوريا.
أيضا، نشطت في سوريا الكتيبة الأوزبكية المعروفة بـ"كتيبة الإمام البخاري"، التي تمركزت في ريفي إدلب وحلب .
ومنذ أواخر عام 2017 بدأت مسيرة انحسار دور المقاتلين الأجانب، نظرا لتقلص المواجهات العسكرية بعد إطلاق مسار أستانة لخفض التصعيد، خاصة مع اتجاه المنطقة إلى نموذج حوكمة أكثر انضباطا إثر تشكيل حكومة الإنقاذ وقتها، وجهود السلطة المحلية في ضبط الأمن وتقليص دور المجموعات التي تنشط خارج إطار الفصائل الرئيسية التي توزعت بين هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري والجبهة الوطنية للتحرير.
وقد ازداد الانحسار في 2020 إثر توقيع اتفاق مذكرة سوتشي بين تركيا وروسيا التي نصت على وقف إطلاق النار شمال سوريا، فغادرت مجموعات من التركستان الأراضي السورية، وفي مطلع 2022 غادرت مجموعات من المقاتلين القوقاز باتجاه أوكرانيا بعد اندلاع الحرب مع روسيا، وشاركوا في الحرب بقيادة قائد كتيبة أجناد القوقاز عبد الحكيم الشيشاني.
وتراجع في هذه المرحلة بشكل واضح حضور المقاتلين العرب من السعودية والكويت والأردن، حيث غادرت شخصيات مرجعية بالنسبة لهؤلاء المقاتلين المشهد، وبعضهم انخرط في النشاط التجاري أمثال الداعية عبد الله المحيسني، أو عاد لبلاده عام 2022 على غرار علي العرجاني.
يوجد تضارب ومبالغة في تقدير حجم المقاتلين الأجانب في سوريا حاليا، ويعود هذا إلى أن بعض التقديرات تدخل عوائل المقاتلين في عملية الإحصاء، لذا يبلغ العدد أحيانا قرابة 8 آلاف.
عملت الحكومة السورية الجديدة منذ توليها السلطة مطلع عام 2025 على ضبط وتأطير المقاتلين الأجانب لتجنب إثارة الحساسية الدولية، ولتفادي حصول صدامات بين هذه المجموعات والسكان المحليين بعد التوسع على كامل الأراضي السورية بعد سقوط الأسد.
ساعدت عدة عوامل الحكومة السورية على احتواء المقاتلين الأجانب، أبرزها تشجيع الولايات المتحدة على الخطوة، حيث اعتبر المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك في يونيو/حزيران الماضي أن دمج المقاتلين الأجانب في مشروع الدولة أفضل من إقصائهم، بالإضافة إلى إظهار أبرز كتل المقاتلين الأجانب تجاوبا مع الجهود الحكومية والحديث هنا عن الحزب التركستاني الإسلامي.
نظمت وزارة الدفاع السورية مجموعات المقاتلين الأجانب ضمن الفرقة 84، وتحت قيادة سورية، وأصبحت هذه الفرقة تضم بشكل رئيسي مجموعات التركستان والأوزبك، إلى جانب مجموعات سورية.
وبحسب مصادر حكومية سورية فإن وزارة الدفاع ألزمت المقاتلين الأجانب كما هو الحال بالنسبة لجميع المقاتلين بالابتعاد عن التصريحات الإعلامية، والنشاط في وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي أواخر سبتمبر/أيلول 2025 أوقفت السلطات السورية شخصية تدعى أبو دجانة الأوزبكي بسبب عدم استجابته للضوابط التي تم وضعها، واستمر في الظهور الإعلامي ونشر مقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي استجلبت انتقادات محلية للحكومة.
أكدت الدول التي لديها مقاتلون أجانب في سوريا ومنهم فرنسا، أنه لا نية لديها لاستعادة مواطنيهم من سوريا، بمن فيهم المحتجزون شمال شرق سوريا في سجون تتبع لتنظيم قسد، مع التأكيد على أن تتم محاكمتهم في المكان الذي ارتكبوا فيه الجرائم، مع الإشارة لإمكانية استعادة الأطفال فقط.
وبعد أيام من العملية الأمنية ضد فرقة الغرباء، أصدر راديو فرنسا الدولي تقريرا نفى فيه أن تكون العملية بطلب من فرنسا التي ليس لديها أسباب لتطلب من الحكومة السورية اعتقال أومسين، ولا نية لديها لاستعادة الجهاديين الفرنسيين إلى البلاد.
بالمقابل، لا يبدو أن الحكومة السورية بصدد شن حملات أمنية بشكل عام ضد المقاتلين الأجانب، خاصة ممن قبل الانضواء ضمن تشكيلات الجيش الرسمي، وخضع للتوجهات السياسية السورية.
وقد سارعت الحكومة إلى خوض محادثات مع ممثلين عن المقاتلين الأوزبك بعد تصاعد التوتر في إدلب إثر الحملة ضد فرقة الغرباء، والبيانات التي صدرت من بعض مجموعات المقاتلين الأجانب تحذر الحكومة من تسليمهم إلى دولهم، ويبقى الخيار الأمني واردا ضد المجموعات التي قد تتمرد لاحقا على قرارات السلطات السورية أو سياساتها.
إن احتواء المقاتلين الأجانب والعمل على حوارهم وتغيير نهجهم يبقى هو الخيار الأفضل سواء للحكومة السورية أو الدول الفاعلة في الملف السوري، إذ إن تصعيد الضغط على هذه المجموعات قد يدفعهم لخيار التنسيق مع تنظيم الدولة الذي يسعى لإحياء نشاطه في سوريا حاليا.
في ظل المعطيات الحالية، من المستبعد أن تتجه الحكومة السورية إلى خيار العمليات الأمنية لتفكيك المجموعات المتبقية من المقاتلين الأجانب، خاصة وأن أثرهم ينحسر بشكل مستمر في المشهد السوري.
ومن المتوقع أن يزداد هذا الانحسار مع استكمال بناء مؤسستي الجيش والأمن وتقلص الحاجة لاشتباك هذه المجموعات مع الملفات الأمنية، وقد يفضل العديد منهم لاحقا إما ممارسة حياة عادية بعيدا عن مؤسسة الجيش، أو مغادرة سوريا باتجاه مناطق أخرى.
كما لا يبدو أن التسريبات المتكررة عن مطالبات دولية بتسليم هؤلاء المقاتلين دقيقة، حيث تشير المطالبات الدولية ومنها الولايات المتحدة إلى إبعاد الأجانب عن المناصب القيادية فقط.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة