في خلة الضبع، إحدى قرى مسافر يطّا بمحافظة #الخليل تعاني العائلات الفلسطينية يوميًا من مضايقات وترهيب وهجمات عنيفة من المستوطنين الإسرائيليين، غالبًا بحماية القوات الإسرائيلية. وقد أدى هذا الدمار إلى حرمان غالبية السكان من المأوى والماء والكهرباء. pic.twitter.com/8ttkSYUJPP
— منظمة أطباء بلا حدود (@msf_arabic) October 15, 2025
رام الله- تضطر المواطنة الفلسطينية خضرة الجبارين (64 عاما)، لترك منزلها وزوجها الحاج علي (63 عاما) في قريتها النائية "جنبا" في أقصى نقطة جنوبي الضفة، لتستقر بضعة أيام عند أقاربها في بلدة يطا، جنوب مدينة الخليل ، كلما مرضت وكانت بحاجة لحقن علاجية.
كحال كثير من التجمعات الفلسطينية في المنطقة "ج" من الضفة والخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، تتعرض القرية للاعتداءات والملاحقة، ويُحرم سكانها من الحصول على الخدمات الصحية في الوقت المناسب.
يعاني الزوجان من أمراض العصر ومنها السكري والضغط وآلام الركب، وهما بحاجة لأدوية منتظمة، يعتمدان بشكل كبير في توفيرها على عيادة متنقلة لمنظمة أطباء بلا حدود، التي تحضر للقرية كل أسبوعين، وفي حال منع جيش الاحتلال أو المستوطنين العيادة من الوصول يتم البحث عن آلية لإيصال الدواء لمن يحتاجه من سكان التجمع.
ما يزيد العبء على مرضى مسافر يطا هو بعد المسافات زمنيا نتيجة سوء الطرق والبنية التحتية التي يمنع الاحتلال تأهيلها وملاحقات الجيش والمستوطنين، ما يصعب مهمة الحصول على الخدمة الصحية.
يقول علي جبارين للجزيرة نت إن الظروف ازدادت سوءا في العامين الأخيرين، موضحا أنه يضطر وزوجته للسير 3 ساعات ذهابا وإيابا إلى بلدة يطا رغم أنها لا تبعد سوى 20 كيلومترا عن قريته، كلما احتاج إلى مراجعة الأطباء أو المستشفى.
معاناة مسافر يطا ومناطق أخرى من الضفة الغربية تحظى باهتمام خاص لدى منظمة أطباء بلا حدود، التي طالما حذرت من تبعات تردي الرعاية الصحية وإعاقة تلقي المرضى للعلاج بالضفة.
ولفهم ما يجري بشكل أفضل، كان للجزيرة نت الحوار التالي مع رئيسة الشؤون الإنسانية في المنظمة، فريدريك فان دونجن.
ما نسمعه من مرضانا هو أن وصولهم إلى الرعاية الصحية يتأثر بعدة عوائق. هناك قيود على الحركة تتمثل في الحواجز الدائمة والمتحركة، وإغلاق الطرق، والتلال الترابية التي تخلق حواجز مادية غير ضرورية.
كما أن خطر العنف الجسدي، والمضايقة، والترهيب من قبل الجنود والمستوطنين الإسرائيليين على الطريق يؤثر على مرضانا، الذين يبلّغون عن تأخير في طلب الرعاية الصحية ما لم تكن ضرورية للغاية.
هذه العوامل تجعل رحلات الناس إلى جميع الخدمات، بما في ذلك الخدمات الطبية، غير مؤكدة، طويلة، ومهينة، ومحفوفة بالمخاطر في أحسن الأحوال، وغير متاحة في أسوئها.
في محافظة الخليل، تتلقى منظمة أطباء بلا حدود -أسبوعيا- تقارير متعددة من مرضى من قرى مختلفة في تلال جنوب الخليل تفيد بصعوبة وخوف من الوصول إلى العيادات المتنقلة التابعة للمنظمة، أو بعدم تمكنهم من الوصول إليها إطلاقا بسبب انتشار المستوطنين على الطرقات.
في شهر يونيو/حزيران، سألنا 95 من مرضى الصحة النفسية لدينا عن تجاربهم في الطريق إلى عيادة أطباء بلا حدود؛ 31% منهم أفادوا بأنه تم إيقافهم عند حاجز عسكري، و26% اضطروا إلى سلوك طريق بديل بسبب العوائق المادية، و15% بشكل صادم أفادوا بتعرضهم للعنف من قبل الجنود أو المستوطنين أثناء الطريق.
استجابة لهذه العوائق والمخاطر، نصل إلى المجتمعات من خلال العيادات المتنقلة لتقديم الرعاية الصحية الأولية، بما في ذلك الرعاية الصحية الإنجابية والدعم النفسي.
مع ذلك، فإن عملياتنا تتأثر أيضا، ففي محافظة الخليل، ورغم إلغاء 18 من عملياتنا بسبب قيود الوصول والمخاوف الأمنية ونقص الكادر الدولي، نتيجة قيود التأشيرات التي تفرضها حكومة إسرائيل على وصولهم من الخارج، نفذت المنظمة في المتوسط 31 عيادة متنقلة شهريا بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار، وكان أدنى عدد في أبريل/نيسان بواقع 25 عيادة متنقلة.
أما في يونيو/حزيران، وبسبب قيود الوصول الشديدة، بما في ذلك إغلاق بوابات مدينة الخليل وارتفاع المخاوف الأمنية، فقد انخفض عدد العيادات المتنقلة إلى 10 فقط.
لا يمكن لمنظمة أطباء بلا حدود تحديد أي إجراء بعينه يؤثر أكثر على مرضانا، ولكن ما يمكن قوله هو أن الخنق المالي الشامل للضفة الغربية يؤثر بشدة على مرضانا وعلى قدرتهم على الوصول إلى الرعاية الصحية.
خلال الأشهر الأخيرة، أبلغت فرقنا الطبية عن زيادة في عدد المرضى المصابين بأمراض مزمنة في العيادات المتنقلة. هؤلاء المرضى كانوا في السابق قادرين على تلقي الرعاية الصحية في أماكن أخرى، ولكن بسبب تقليص خدمات وزارة الصحة الفلسطينية (نتيجة الأزمة المالية)، والانقطاعات المتكررة في صيدلياتها، وعدم قدرة المرضى على تجديد التأمين الصحي، بدؤوا باللجوء إلى عيادات أطباء بلا حدود المتنقلة.
في أغسطس/آب 2025، استقبلت عيادتنا المتنقلة في محافظة الخليل 25 مريضا جديدا يعانون من أمراض مزمنة (60% منهم نساء، بمتوسط عمر 59 عاما). وتبين أن 12 من هؤلاء المرضى (48%) توقفوا عن تناول أدويتهم لأنها لم تكن متوفرة أو لأن عيادة وزارة الصحة كانت مغلقة.
عدد من المرضى الجدد الذين تستقبلهم المنظمة يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون إلى فحوصات مخبرية أو إلى رعاية ثانوية أو ثلاثية، لكنهم يلجؤون إلى عيادات أطباء بلا حدود المجانية للرعاية الأولية بدلا من ذلك، ما أدى إلى زيادة في عدد الإحالات الطبية الخارجية.
في عام 2024، أجرت فرق المنظمة في الخليل في المتوسط 40 إحالة شهريا إلى اختصاصيين طبيين خارجيين أو فحوصات مخبرية، وارتفع العدد في عام 2025 إلى 77، أي بزيادة نسبتها 92.5%.
وفي يوليو/تموز 2025، أثناء إضراب شديد في وزارة الصحة، تم إجراء 117 إحالة من هذا النوع، مقارنة بـ37 فقط في يوليو/تموز 2024، أي بزيادة بلغت 216%.
الانهيار الاقتصادي لا يؤثر فقط على وصول الفلسطينيين إلى الرعاية الصحية، بل يتجلى بشكل متزايد في صورة ضائقة نفسية. ففي جنين وطولكرم ، ذكر ما يقرب من واحد من كل 4 مرضى جدد في مجال الصحة النفسية (22%) أنهم فقدوا مصدر دخلهم كعامل أساسي في تدهور حالتهم النفسية أثناء الجلسات الأولى، وهذه النسبة على الأرجح أقل من الواقع، لأنها لم تكن سؤالا منهجيا.
كما أفاد فريقنا الطبي عن زيادة في عدد المرضى الذين يطلبون احتياجات أساسية مثل الطرود الغذائية، والنظارات الطبية، وأجهزة السمع، وهي احتياجات لا تندرج تقليديا ضمن الرعاية الصحية، لكنها تعكس عمق المعاناة الاقتصادية والاجتماعية.
سبق أن ذكرت التأثير الكبير على الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة، لكننا نرى أيضا تأثيرا واضحا على الأطفال والنساء الحوامل.
الآباء يراجعون أطباء بلا حدود للحصول على مكملات غذائية كانوا يحصلون عليها سابقا من وزارة الصحة. بعض الأمهات أفدن بأن أطفالهن تلقوا لقاحا في عمر 4 أشهر بدلا من العمر المحدد وهو شهران، بسبب نقص اللقاحات. هذه التأخيرات لا يذكرها المرضى فقط، بل حتى بعض موظفي المنظمة من الآباء والأمهات.
منذ يونيو/حزيران 2025، أبلغت فرق الصحة الجنسية والإنجابية في المنظمة عن زيادة في عدد النساء الحوامل اللواتي يعتمدن على العيادات المتنقلة بدلا من الذهاب إلى المستشفى، أو يؤخرن الرعاية، بسبب العوائق المالية، بما في ذلك عدم القدرة على تحمل تكاليف النقل و/أو قيود الحركة.
من بين الحالات التي صادفناها: امرأة كانت في حالة مخاض وتعاني من تقلصات، وأخرى في الثلث الثالث من الحمل لم تشعر بحركة الجنين لمدة 3 أيام، وامرأة حامل تعاني من انخفاض في الصفائح الدموية وكانت مهددة بالنزيف الداخلي.
تأخر الرعاية و"التسجيل المتأخر" (أي اكتشاف الحمل في الثلث الثاني) يعرّض الأمهات والأجنة لخطر المضاعفات التي يمكن الوقاية منها. كما أفادت عدة نساء بأنهن يفضلن شراء الطعام لأطفالهن على إجراء الفحوص الطبية اللازمة لأنفسهن.
في محافظة نابلس ، أدى تقليص خدمات الرعاية السابقة للولادة التابعة لوزارة الصحة إلى تهديد صحة الأمهات والأطفال، مما يدفع النساء الحوامل إلى دفع تكاليف الرعاية الخاصة أو التخلي عنها تماما، وهذا أمر خطير، لأن رعاية ما قبل الولادة ضرورية لاكتشاف المضاعفات الظاهرة وغير الظاهرة التي قد تؤدي إلى وفيات يمكن الوقاية منها.
على سبيل المثال، في قرية قُصرة، اكتشفت فرق أطباء بلا حدود حالة حمل ورمي (ورم حملي) وهي حالة تُكتشف عادة في الفحوص الروتينية الأولية، لكنها الآن غالبا ما تمر دون تشخيص، وقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل النزيف الحاد أو العدوى أو حتى السرطان.
وعلى نطاق أوسع، منذ مايو/أيار، أجرت فرق المنظمة في نابلس ما معدله 4 إحالات طارئة شهريا لحالات مهددة للحياة كان من الممكن ألا تُكتشف في غياب خدماتنا، مما يبرز الفجوة الحرجة التي خلّفها تقليص خدمات وزارة الصحة.
جميع المناطق متأثرة بطرق متشابهة ومختلفة في الوقت ذاته، فلا مكان آمن من التأثير الساحق للأزمة المالية المصطنعة، وقيود الحركة المنهجية والشديدة، وتصاعد العنف من قبل القوات والمستوطنين الإسرائيليين، وجميعها تسهم في التهجير القسري للفلسطينيين إلى جيوب صغيرة ومتناقصة داخل الضفة الغربية.
تحث منظمة أطباء بلا حدود الدول الثالثة، ولا سيما حلفاء إسرائيل المقربين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على استخدام نفوذهم السياسي والاقتصادي بشكل عاجل للضغط على حكومة إسرائيل لإنهاء الخنق المالي، ووقف السياسات والممارسات التي تقوض النظام الصحي الفلسطيني، وتعرقل المساعدات الإنسانية، وتسهم في تهجير المجتمعات الفلسطينية.
كما ينبغي تسهيل الوصول الإنساني الفوري وغير المقيد إلى جميع مناطق الضفة الغربية، بما في ذلك السماح بمرور الكوادر الطبية، والإمدادات، والمرضى، وذلك عبر رفع جميع قيود الحركة وتسهيل دخول الطواقم الدولية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة