يعد الشهيدان مثنى عمرو (20 عاما) من قرية القبيبة، ومحمد طه (21 عاما) من قرية قطنّة، الأحدث في قافلة الجثامين المقدسية المحتجزة لدى الاحتلال، وذلك عقابا لهما ولذويهما بعد تنفيذهما عملية إطلاق نار في حي "راموت" الاستيطاني بالقدس يوم 8 سبتمبر/أيلول المنصرم.
ما زال الجثمانان يقبعان قسريا في الثلاجات منذ 33 يوما، ولا أمل يحذو العائلتين بتسليمهما قريبا، في ظل مساهمة النظام القضائي الإسـرائيلي بشرعنة واستدامة وتخليد سياسة احتجاز الجثامين.
ووثقت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء احتجاز جثامين 735 شهيدا، بينهم 256 في مقابر الأرقام، و497 شهيدا منذ عودة سياسة الاحتجاز عام 2015، كما وثقت الحملة احتجاز 336 جثمانا منذ اندلاع الحرب الحالية على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويعود 86 جثمانا من المحتجزين لشهداء الحركة الأسيرة، بالإضافة لـ 67 طفلا لم تتجاوز أعمارهم 18 عاما، كما يحتجز الاحتلال جثامين 10 نساء.
ووفقا لبيانات الحملة فإن 49 شهيدا من محافظة القدس يحتجز الاحتلال جثامينهم، ويعود أقدم جثمان للشهيد المقدسي جاسر شتات الذي قُتل عام 1968، وتحتجزه سلطات الاحتلال في مقابر الأرقام، أما أصغر الجثامين فتعود للطفلين خالد الزعانين من بلدة بيت حنينا شمالي القدس، ووديع عليان من بلدة جبل المكبر جنوبيها، ويبلغ كلاهما من العمر 14 عاما.
ولفهم ما آلت إليه هذه السياسة اليوم من احتجاز شبه عشوائي للجثامين، لا بد من فهم الخط الزمني القانوني الذي سارت عليه إسرائيل لشرعنة واستدامة احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين.
وتاليا أبرز هذه المحطات وفقا لما ورد في دارسة "دفء أبنائنا.. طقوس الموت، الذاكرة وحق الفلسطينيين في الحزن" الصادرة عن مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان عام 2021.
* سبتمبر/أيلول 1945: سنّت حكومة
الانتداب البريطاني في
فلســطين أنظمة الطوارئ (الدفاع) البريطانية، وتفوض المادة 133 (3) مفوض المنطقة بالأمر بأن جثمان أي شخص تم إعدامه في السجن المركزي في عكا، أو السجن المركزي في القدس يجب دفنه في مقبرة الجماعة التي ينتمي لها هذا الشخص.
* يناير/كانون الثاني 1948: تعديل المادة 133 (3) لتفـوض قائد المنطقة بالأمر بأن يدفن جثمان أي شخص في المكان الذي يحدده أمر القائد العسكري، ويشمل أمر القائد العسكري تحديد من سيقوم بالدفن وأي ساعة.
* مايو/أيار 1948: إدراج أنظمة الطوارئ (الدفاع) البريطانية في التشـريعات الإسرائيلية المحلية بعد إقامة دولة
إسرائيل عقب النكبة.
* 1967: إصدار أمر عسكري يجمد الوضع القانوني في المناطق المحتلة، ويطبق أنظمة الطوارئ البريطانية، بادعاء أن تلك الأنظمة كانت جزءا من النظام القانوني هناك.
* سبتمبر/أيلول 1976: إصدار أمر عسكري حول عمليات جمع ونقل وتوثيق وتسجيل ودفن جنود جيوش العدو النظامية، ويُستثنى من هذا الأمر المقاتلون الفلسطينيون الذين قتلوا في مواجهات مع قوات إسرائيلية، وذلك لأن إسرائيل تصنفهم على أنهم "إرهابيون متسللون".
* 1977-1997: إصدار تعديل لمجموعة مــن الأوامر بصدد "معاملة جثامين الإرهابيين والمتسللين"، ترسم إرشادات إجرائية عامة، ولكنها تخول الجيش الإسرائيلي بدفن الشهداء الفلسطينيين في مقابر "مقاتلي العدو" (مقابر الأرقام)، وإنشاء تصنيف جديد ومنفصل للفلسطينيين المقتولين في مواجهات مع إسرائيل، على أنهم "إرهابيون ومتسللون".
* أغسطس/آب 1992: قررت المحكمة الإسرائيلية العليا السماح للجيـش والإدارة المدنية، بفرض قيود على جنازة مصطفى بركات، الذي قتل تحت التعذيب في السجون وذلك لدواعٍ أمنية وعامة.
وأسس هذا القرار لأحـكام لاحقة عـدة، وافقـت فيهـا المحكمة علـى قـرارات الجيش بفرض قيود علــى جنازات الشهداء، حتى في الحالات التي لم ينخرط فيها الشهداء في هجمات مزعومة.
* أغسطس/آب 1994: بأمر من المحكمة نُبش قبر في إحدى مقابر الأرقام، بحثا عن جثة مفقودة للمناضل الفلسطيني الأردني "عيسى زواهرة"، وأثبتت نتائج فحوصات الحمض النووي أن الجثة لا تعود لهذا الشخص.
* أكتوبر/تشرين الأول 1994: قررت المحكمة الإسرائيلية العليا أن احتجاز الجثمان لأغراض التفاوض أمر معقول ومناسب بالاستناد إلى المادة 133 (3)، وذلك بعدما تقدم الجيش الإسرائيلي بالتماس لها لاحتجاز جثمان أحد أعضاء
حماس "حسن عبّاس"، بهدف مبادلته بمعلومات عن جثة الجندي الإسرائيلي المفقود "إيلان سعدون".
* أكتوبر/تشرين الأول 1994: تعيـين رئيـس للجنـة تحقيق لتتبـع وتحديد موقـع رفـات "عيـسى زواهـرة وباسـم صبـح" على وجه الخصوص، ودراسة كل ما يتعلق بظــروف مقابــر الأرقام.
وأكد التقرير النهائي أن معاملـة إسـرائيل للجثامين يشوبها الإهمال وعدم الاحترام، وتُعقّد إمكانية إعــادة الجثامين في المستقبل.
* 2001-2004: ارتفع احتجاز إسرائيل لجثامين الشـهداء إلـى مسـتويات غيـر مسـبوقة مع اندلاع الانتفاضة الثانية.
* 2004 أوصى المدّعي العام الإسرائيلي بوقــف ممارســة احتجاز الجثامين التي وصلت إلى أعلى مستوياتها، إلا في حال وجود صفقة تبادل أسرى ملموسة بحيث يمكن استخدام الجثامين فيها لمبادلة جنود إسرائيليين مأســورين أو مفقوديــن.
* أغسطس/آب 2008: أطلــق مركــز القــدس للمســاعدة القانونيــة وحقــوق الإنسان الحملة الوطنية لاستعادة جثامين ضحايا الحرب الفلسطينيين والعرب، والكشف عن مصير المفقودين، وفي أغسطس/آب 2010 سُجّل أول انتصار قانوني للحملة باستعادة عائلة "مشهور العاروري" جثمانه المدفون في مقابر الأرقام منذ عام 1976.
* يوليو/تموز 2012: سلمت إسرائيل السلطة الفلسطينية رفات 119 جثمانا من مقابر الأرقام كبادرة حسن نيّة لاستعادة مفاوضات السلام.
* سبتمبر/أيلول 2015: تعهدت إسـرائيل بإعـادة رفـات 119 جثمانـا مدفونا في مقابر الأرقام.
* أكتوبر/تشرين الأول 2015: تبنت إسرائيل حزمة من التدابير بسبب موجة عمليات الطعن لردع الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وشملت احتجاز جثامين "المعتدين" لدواعي الأمن والنظام العام.
وبالتالي تم احتجاز مئات الجثامين في المشارح الإسرائيلية خلال أشهر، وتم الإفراج عن معظمها تدريجيا.
* يناير/كانون الأول 2017: في سابقة قانونية قررت المحكمة العليا أن المادة 133 مــن لوائــح الطــوارئ، لا تخول الجيش باحتجاز الجثامين لاستخدامها كورقة تفاوض في المفاوضات لغياب نص صريح وواضح ومباشر يسمح بذلك.
جاء هذا القرار بعد التماس قدمه مركز القدس وهيئة الأسرى نيابة عـن عائلات 6 شـهداء، وأمهلت المحكمة الكنيست 6 أشهر لسن قانون يمنح الجيش صلاحية الاحتجاز بغرض التفاوض، وفي حال عدم سن قانون كهذا، يكون الجيش ملزما بإعادة الجثامين المحتجزة.
* يناير/كانون الثاني 2017: أصدر المجلس الوزاري الإسرائيلي سياسة موحدة تتطلب ضمانات أمنية كشرط للإفراج عن جثامين مهاجمين فلسطينيين مزعومين.
ووضع المجلس استثناءين لهذه القاعدة وهما انتماء "المهاجمين" لحماس، مما يتيح استخدام الجثمان في مفاوضات تبادل أسرى لاحقة، وأن يكون الاعتداء خطيرا بشكل استثنائي.
* مارس/آذار 2017: في جلسة استماع لالتماسات عدة قدمها مركز القدس عام 2016، ومركز الدفاع عن حقوق الفرد عام 2015، بخصوص الجثامين المحتجزة في مقابر الأرقام، ألزمت المحكمة الإسرائيلية العليا الحكومة بتعيين جسم مسؤول عن تركيز وتنظيم البحث عن الشهداء في مقابر الأرقام وتحديد هوياتهم، وتم تعيينه بعد تأجيله مرات عدة.
وفي فبراير/شباط من عام 2020 نشرت وزارة الأمن الإسرائيلية لائحة بأسماء 110 مـن أصـل 116 جثمانا تشـملهم التماسات مركز القدس، وأوضحت أماكن دفنها، وأكد المركز على ضرورة إنشاء بنك الحمض النووي لكن الحكومة الإسرائيلية ماطلت مجددا بادعاء أن القضية سياسية وتتطلب جهودا وموارد كبيرة.
* يوليو/تموز 2017: ردا على التماس قدّمه مركز عدالة قررت المحكمة الإسرائيلية العليا أن الشرطة الإسرائيلية غير مخوّلة بفرض تقييدات على مراسم تشييع 3 شهداء من عائلة جبارين في أم الفحم لغياب مادة قانونية واضحة وصريحة تسمح بذلك.
* فبراير/شـباط 2018: صادقت رئيسة المحكمة الإسرائيلية العليا على طلب تقدمت به سلطات الاحتلال، لعقد جلسة إضافية أمام هيئـة قضائية موسعة لإعادة النظر بقانونية احتجاز الجثامين لاستخدامها في صفقات تبادل.
وادّعت رئيسة المحكمة أن الجلسة الإضافية والموسعة ضرورية نظرا لأن القرار المتخذ يمثل سابقة قانونية تناقش موضوعا مهما وحساسا.
* مارس/آذار 2018: ردّا على المحكمة في قضية جبارين عدّل الكنيست الإسرائيلي قانون مكافحة الإرهاب، وأضاف مادة تخوّل الشرطة بفرض تقييدات على مراسم التشييع تشمل تحديد عدد المشاركين في الجنازة، وحتى فرض كفالات مالية بادعاء حماية سلامة الجمهور ومنع التحريض.
* يوليو/تموز 2018: عُقـدت الجلسة الإضافية أمام هيئة موسعة من 7 قضاة لإعادة النظر في دسـتورية احتجاز الجثامين لغرض التفاوض وفقا للمادة 133 من لوائح الطوارئ.
وكان السؤال القانوني الأساسي الذي طُرح في الجلسة هو: هل تفوض اللائحة 133 (3) من نظام الطوارئ البريطاني الجيش باحتجاز الجثامين لاستخدامها في التفاوض على تبادل أسـرى؟
* سبتمبر/أيلول 2019: بأغلبية 4 إلى 3 قضاة، قررت المحكمة الإسرائيلية العليا جواز احتجاز الجثامين واستخدامها للتفاوض في صفقة تبادل محتملة بناء على اللائحة 133، وتقرر أن التفويض في هذه اللائحة كاف حتى وإن لم يذكر هدف التفاوض صراحة.
وبالتالي يسري هذا القرار على الجثامين المدفونة في مقابر الأرقام، ويسمح بنقل الجثامين المحتجزة في الثلاجات إلى مقابر الأرقام بعد اتباع كافة إجراءات التسجيل والتوثيق.