آخر الأخبار

كاتب إسرائيلي: الأوهام الجديدة في إسرائيل أخطر من سابقتها

شارك

حذّر الخبير الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان بجامعة تل أبيب، من أن إسرائيل تعيش اليوم تحت تأثير "تصور وهمي للواقع" يتمثل في السعي "لفرض السيادة" على الضفة الغربية المحتلة، في وقت ما زالت فيه عاجزة عن استخلاص العبر من فشلها المدوي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويقول ميلشتاين، وهو ضابط استخبارات سابق، في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت، إن الذين قادوا تصور ما قبل 7 أكتوبر أو الرؤية الأمنية والسياسية التي أدت إلى "المفاجأة الدامية" هم أنفسهم الذين يقودون الآن حملة الضمّ الجديدة، ويدركون حجم الأضرار التي تلحق بالعلاقات مع الولايات المتحدة والعالم، لكنهم يبررونها باعتبارها "مطبّات طفيفة في طريق الخلاص".

يشير الخبير الإسرائيلي إلى أن قانون "فرض السيادة" والتصريحات الفظة لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش ضد السعودية أثارا عاصفة سياسية في إسرائيل، لأنهما يجسدان مزيجا من الغطرسة والجهل بالبيئة الإقليمية.

فحين يقول سموتريتش للسعوديين "اركبوا الجمال في الصحراء بدلا من الحديث عن التطبيع"، فهو يعبر عن نظرة احتقارية تجاه شعوب المنطقة، وهي النظرة ذاتها التي ظهرت قبل الحرب في استخفاف ضباط الاستخبارات بخطط حركة حماس .

افتراضات خاطئة

ويرى ميلشتاين أن الرؤية الجديدة تقوم على مجموعة من الافتراضات الخاطئة: أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيقف إلى جانب إسرائيل في كل الأحوال، وأن بالإمكان تنفيذ "ضمّ جزئي" لغور الأردن أو مناطق محدودة بطريقة تقبلها واشنطن وبعض الدول العربية، وأن العالم العربي ملّ من القضية الفلسطينية ولم يعد يهتم بها.

لكن هذه الافتراضات، كما يقول، انهارت تماما في الآونة الأخيرة حين أعلن ترامب ونائبه جيه دي فانس أنهما لا يوافقان على أي خطوة إسرائيلية لضمّ الأراضي المحتلة، بل إن ترامب نفسه لمّح إلى التفكير في إمكانية الإفراج عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي ، المحكوم بـ5 مؤبدات، حتى يتولى حكم غزة، مما شكل صفعة قوية لليمين الإسرائيلي.

إعلان

ويذكّر الكاتب بأن هذه ليست المرة الأولى التي تصطدم فيها مشاريع اليمين الديني بجدار الواقع. ففي عام 2020، تراجعت إسرائيل عن مشروع الضمّ لصالح اتفاقات أبراهام، لكن أصحاب الفكرة لم يتراجعوا عن قناعاتهم، بل واصلوا التمسك بها بوصفها وعدا إلهيا لا يمكن العدول عنه.

ويضيف ميلشتاين أن هؤلاء هم أنفسهم الذين أداروا سلسلة من المشاريع الفاشلة في قطاع غزة خلال العامين الماضيين، بدءا من "مشروع مؤسسة غزة الإنسانية" الذي بدد مليارات الشواكل، مرورا بمحاولات تشجيع "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين عبر إدارة خاصة داخل وزارة الدفاع، وصولا إلى "فكرة المليشيات والعشائر" التي رُوِّج لها لتكون بديلا عن حكم حماس وانتهت مؤخرا بتصفيتها أو اعتقال أفرادها من قبل حماس.

ورغم كل هذه الإخفاقات، لم يجر أي تحقيق رسمي في مآلات السياسات الإسرائيلية في غزة، مما سمح -بحسب ميلشتاين- بعودة الذهنية الواهمة نفسها التي ترى في كل إخفاق فرصة جديدة للهروب إلى الأمام.

بل ظهرت مؤخرا خطط جديدة أكثر خطورة، وفقا للكاتب، مثل مشروع "غزّتين" الذي يقسم القطاع إلى جزء مزدهر يخضع لإشراف دولي وآخر مدمر تحت حكم حماس، في محاولة يائسة لإضعاف الحركة عبر "الهندسة الاجتماعية". ويرى الخبير الإسرائيلي أن هذه الفكرة تكرر تماما الأخطاء التي سبقت الكارثة دون أي نقد ذاتي أو محاسبة.

صراع على هوية إسرائيل

يصف ميلشتاين "الأوهام الجديدة" بأنها أخطر من سابقتها لأنها ليست مجرد سوء تقدير أو خلل في التحليل، بل إيمان أيديولوجي مطلق مستمد من الفكر الديني القومي الذي يتبناه تيار " الصهيونية الدينية "، والذي يقوم على مبدأ توراتي يرى في السيطرة على الأرض فريضة إلهية لا تخضع لحسابات سياسية أو دولية.

ويقول الكاتب إن رموز هذا التيار -وعلى رأسهم سموتريتش- لا يتأثرون بالعزلة الدولية أو بالتحذيرات من العقوبات، ويتمسكون بالمقولات التوراتية مثل القضاء على "العماليق"، ولا يرون بأسا في إقامة إدارة عسكرية في غزة أو السيطرة على الضفة، بل يفاخرون بعبارات مثل "العرب لا يفهمون إلا القوة" و"حيثما توجد مستوطنة لا يوجد إرهاب".

وهؤلاء يرون أنفسهم أصحاب رسالة تاريخية لاستغلال "العصر المعجزة" الذي تعيشه إسرائيل لتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي والسياسي بين البحر والنهر.

ويحذر ميلشتاين من أن هذه الرؤية تغيّر تدريجيا هوية إسرائيل وملامحها، وتدفع نحو اندماج فعلي مع الضفة الغربية، مما سيحوّل البلاد إلى كيان واحد يعيش فيه شعبان متناحران بلا فاصل جغرافي أو سياسي. ويرى أن ذلك لن يؤدي إلا إلى "دولة بلقانية دامية"، تتآكل فيها الشرعية الداخلية وتعمق العزلة الدولية.

ويضيف أن هذا المسار ليس مجرد نقاش حول التكتيك أو الإستراتيجية، بل هو صراع على هوية إسرائيل ذاتها: هل تريد أن تبقى جزءا من العالم الحديث الذي يتعامل ببراغماتية مع محيطه، أم تتحول إلى "قلعة لاهوتية" منغلقة على نفسها، يقودها إيمان أعمى يرفض التعلم من التاريخ اليهودي الذي أثبت أن مثل هذه الأوضاع كانت دوما مقدمة للخراب والانهيار؟

إعلان

ويختم ميلشتاين مقاله برسالة تحذير إلى الرأي العام الإسرائيلي "الرؤية الجديدة ليست خطة سياسية، بل وهما جماعيا يقودنا إلى فقدان البوصلة التاريخية. ومن لا يتعلم من كوارث الماضي سيعيد إنتاجها، وربما بثمن أشدّ هذه المرة".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا