في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كابل/إسلام آباد- من جديد تعود العلاقات الباكستانية الأفغانية إلى واجهة التوتر، حيث تتجدد الاشتباكات بين باكستان و أفغانستان في مواقع متفرقة على طول الحدود المشتركة بين البلدين والمعروفة باسم "خط دوراند"، حيث بدأت المواجهات ليلة أمس واستمرت حتى اليوم.
ويأتي هذا التوتر في ظل استياء باكستان من استمرار هجمات طالبان الباكستانية على أرضها، حيث تتهم جارتها أفغانستان بعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع هجمات طالبان الباكستانية التي تقول إنها ممولة من الهند وتنطلق من الأراضي الأفغانية، في حين تنفي أفغانستان هذه الاتهامات وتتهم باكستان بالتعدي على سيادتها، وذلك بعد تنفيذ باكستان ضربات جوية داخل أفغانستان.
وقال الناطق باسم الحكومة الأفغانية اليوم الأحد ذبيح الله مجاهد إنه بناء على معلومات لدى الحكومة فإنه يوجد على الأراضي الباكستانية زعيم فرع خراسان ل تنظيم الدولة الإسلامية شهاب المهاجر، إضافة إلى أعضاء آخرين في التنظيم، مطالبا باكستان بتسليم هؤلاء الأفراد إلى "الإمارة الإسلامية" أو أن تطردهم الحكومة الباكستانية من أراضيها.
وانطلقت شرارة الاشتباكات مساء أمس السبت وشملت ولايات أفغانية عدة -بما في ذلك خوست وبكتيا وكنر وهلمند- في أعقاب غارات جوية باكستانية استهدفت مواقع داخل الأراضي الأفغانية، بينها العاصمة كابل ، حيث ردت القوات الأفغانية بهجمات انتقامية منسقة على عدد من المواقع الحدودية.
وأفادت مصادر أمنية أفغانية للجزيرة نت بأن القوات الأفغانية تمكنت من السيطرة على ما لا يقل عن 5 نقاط حدودية تابعة للجيش الباكستاني في ولايات بكتيا وهلمند وزابل، إضافة إلى تدمير عدد من الآليات والمعدات العسكرية.
من جهته، أعلن ذبیح الله مجاهد في مؤتمر صحفي أن الاشتباكات الأخيرة بين القوات الأفغانية والجيش الباكستاني أدت إلى مقتل 58 جنديا باكستانيا وإصابة 30 آخرين، في حين قُتل أو جُرح أكثر من 20 من عناصر الأمن الأفغاني.
وأضاف مجاهد أن كمية كبيرة من الأسلحة استولى عليها الجيش الأفغاني خلال المواجهات، وأن العمليات الليلية توقفت بناء على طلب من قطر و السعودية .
في المقابل، قال الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني -في بيان- إن 23 من جنوده قُتلوا وأصيب 29 آخرون، مضيفا أنه وفقا لتقديرات استخباراتية موثوقة وتقييم للأضرار تم قتل أكثر من 200 من قوات طالبان والمسلحين التابعين لها.
وأضاف الجيش أن الهجوم الذي نفذته حركة طالبان الأفغانية وجماعة "فتنة الخوارج" المدعومة من الهند على باكستان -في إشارة إلى حركة طالبان الباكستانية- غير مبرر.
وذكر بيان الجيش أن الرد الباكستاني طال عددا من الجماعات المتمركزة في أفغانستان، والأهداف شملت "معسكرات ومواقع طالبان ومرافق تدريب الإرهابيين وشبكات الدعم التي تعمل من الأراضي الأفغانية"، بمن في ذلك عناصر مرتبطون بطالبان الباكستانية وحركات انفصالية بلوشية وتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان.
بدوره، صرح وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي اليوم الأحد بأن بعض العناصر في باكستان يحاولون إثارة المشاكل خلال الاشتباكات الدائرة على الحدود مع أفغانستان.
وحذر متقي باكستان من أن أفغانستان قادرة على حماية حدودها إذا لم يرغب أحد في الحفاظ على السلام، وأن لدى البلاد سبلا أخرى أيضا.
كما أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية أن العمليات الانتقامية انتهت منتصف الليل، محذرة من أنها سترد بـ"قوة وحزم" إذا ما كررت باكستان انتهاك الأجواء أو السيادة الأفغانية.
من ناحيته، قال الجيش الباكستاني إنه استهدف نحو 20 موقعا لحركة طالبان الأفغانية داخل الأراضي الحدودية، دون أن يعلق على حجم الخسائر أو سيطرة القوات الأفغانية على نقاطه.
وعلى الجانب الآخر في باكستان، أدان الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري ورئيس الوزراء شهباز شريف ونائبه ووزير الخارجية إسحاق دار الهجمات الأفغانية على المواقع العسكرية الباكستانية.
وفي بيان له، أشاد شهباز شريف بالجيش الباكستاني على رده القوي والحازم على ما سماه "الاستفزاز الأفغاني"، مؤكدا أنه لن يكون هناك أي تهاون، وأن أي استفزاز سيُقابل برد مناسب وفعال.
أما الرئيس زرداري فقد حث الحكومة الأفغانية المؤقتة على اتخاذ إجراءات ملموسة ضد العناصر الإرهابية المعادية لباكستان، والتي تنطلق من الأراضي الأفغانية.
وأكد أن خطر الإرهاب الذي تمثله طالبان الباكستانية وغيرها من "الجماعات الإرهابية" التي ترعاها الهند لا يزال يشكل التهديد الأكبر للسلام والاستقرار الإقليميين.
وانطلاقا من التصريحات المتبادلة بين مسؤولي البلدين يتضح أن الخلاف يكمن في الجماعات الإرهابية المسلحة التي تنتشر في كلا البلدين، فكلاهما يتهمان بعضهما بإيواء جماعات إرهابية تهدد السلم والأمن في المنطقة.
وفي السياق، يقول الباحث في السياسة الخارجية والتحديات الأمنية في مركز الدراسات الإستراتيجية في إسلام آباد محمد تيمور خان إن جذور التصعيد الحالي تكمن في معضلة أمنية طويلة الأمد وغير محسومة بين باكستان وأفغانستان، فمنذ عودة طالبان إلى السلطة عام 2021 أبدت باكستان مخاوفها من تنامي وجود "طالبان باكستان" ونشاطها العابر للحدود انطلاقا من الأراضي الأفغانية.
وأضاف تيمور خان في حديث للجزيرة نت أنه رغم جولات الحوار والتواصل المتعددة لم يُحرز سوى تقدم محدود بتفكيك البنية التحتية للمسلحين أو الحد من الهجمات العابرة للحدود.
ولفت إلى أن الضربات الأخيرة تعكس إحباط باكستان من عدم اتخاذ السلطات الأفغانية إجراءات ملموسة ضد الجماعات التي تعتبرها مسؤولة عن تصعيد العنف داخل باكستان، وفي مقدمتها حركة طالبان باكستان.
ويؤكد على ذلك مدير مركز دراسات منتدى الشباب الباكستاني الآسيوي سلمان جاويد، إذ يقول إنه من وجهة نظر باكستان يكمن السبب في وجود حركة طالبان باكستان وكبار قادتها الذين يتخذون من أفغانستان ملاذا لهم.
وأضاف جاويد للجزيرة نت أن الهجوم الأخير في منطقة أوراكزاي بإقليم خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان -والذي أودى بحياة 16 من أفراد القوات المسلحة، بينهم مقدم ورائد- دفع باكستان إلى الرد بقوة رغم عدم إعلانها ذلك.
وعلى الجانب الآخر، قال المحلل السياسي الأفغاني صلاح الدين عزيزي إن "التصعيد الحالي يعكس تحولا في علاقة طالبان بباكستان، حيث تسعى الحركة إلى تقليل اعتمادها التقليدي على نفوذ إسلام آباد ، واستثمار الفراغ الإقليمي لصالح تعزيز مكانتها السياسية والعسكرية داخليا وخارجيا".
وأضاف عزيزي للجزيرة نت "الهجمات الانتقامية الأخيرة رسالة واضحة للجانب الباكستاني بأن أي انتهاك للسيادة الأفغانية سيقابل بحزم، وهو أيضا اختبار لقدرة طالبان على إدارة النزاعات الحدودية".
ويثير انفجار الوضع مجددا بين باكستان وأفغانستان القلق إلى حد ما بين الدول الإقليمية المجاورة لكلا البلدين مثل الصين و إيران .
وعن ذلك، يقول الباحث تيمور خان إن القوى الإقليمية تنظر إلى هذا التصعيد بقلق لا بمفاجأة، فأولوية بكين هي الاستقرار على طول ممرات التجارة والطاقة التي تمس أفغانستان وباكستان، وتحث الجانبين علنا على تعميق التنسيق الأمني وإدارة الأزمات بدلا من الانزلاق إلى دوامة من الانتقام المتبادل.
وأضاف أنه بالنسبة لإيران فإنها تقلق بشأن تدفقات اللاجئين، وتصاعد عمليات التهريب، وتمكين الشبكات المتشددة في حال تصاعد التوتر على الحدود، لذلك فهي تدعو إلى ضبط النفس والحوار.
بالمقابل، تتمثل سياسة الهند -وفقا لتيمور خان- في تجنب صراع مفتوح، وحماية مصالحها المحدودة في أفغانستان، ومراقبة تطور التوازن الأمني بين كابل وإسلام آباد قبل اتخاذ خطوات أكبر.
من جهته، يرى سلمان جاويد أن جمهوريات آسيا الوسطى ترغب في أن يهدئ كلا البلدين التصعيد، لأنه لا يهدد فقط نموذج الأمن الإقليمي، بل يزعزع أيضا المشهدين السياسي والديني الداخليين.
وأضاف أن الصين أيضا ترغب في التدخل للوساطة كما فعلت سابقا.
وحسب جاويد، فإنه بالنسبة للهند فهي فرصة سانحة لها أن تتورط باكستان في حرب على جبهتين، وهو ما لا يصب في مصلحة باكستان وأفغانستان.
وزارة الدفاع الأفغانية: في حال تكرار #باكستان انتهاك السيادة الأفغانية فإن القوات المسلحة سترد بقوة دفاعا عن حدود البلاد#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/aFHVyTGvla
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 12, 2025
بدوره، يقول المحلل السياسي الأفغاني أحمد سعيدي إن الاشتباكات توقفت مؤقتا بوساطة سعودية قطرية، لكنها لا تعني نهاية الحرب.
ويرى سعيدي في حديث خاص للجزيرة نت أن احتمالات تجدد القتال تبقى مرتفعة إذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق أمني مستقر، مرجحا أن تستمر الاشتباكات المتقطعة، خصوصا مع وجود جماعات خارجة عن السيطرة المباشرة لكل من طالبان والحكومة الباكستانية، مضيفا "الحرب لم تنته بعد، بل جرى احتواؤها مؤقتا".
من جهته، يقول سلمان جاويد إن باكستان لا ترغب في فتح مسرح حرب على جبهتين، ولا ترغب دولة إقليمية وقوة عظمى كالصين في وقوع كلا البلدين في هذا الفخ، لكن على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي سيشهد الوضع جمودا، بل وسيُلاحظ اتخاذ مواقف عدائية ضد بعضهما البعض.
وأضاف أنه إذا وقع "هجوم إرهابي" كبير آخر في باكستان أو نُفذت ضربة جوية على الأراضي الأفغانية فقد تخرج الأمور عن السيطرة، لكن بعد وساطات دول مثل قطر والسعودية والصين أفترض أن الوضع سيهدأ، وسيتاح مجال للحوار والدبلوماسية.
أما تيمور خان فيرى أن الوضع يتسم بتقلبات شديدة، مع تضارب الادعاءات والادعاءات المضادة بشأن الخسائر والسيطرة على الأراضي، ومن الواضح أن كلا الجانبين لا يزال عالقا في دوامة من انعدام الثقة والتدابير الانفعالية.
ويعتقد خان أنه في الوقت الحالي تبدو باكستان مائلة نحو عمل محدود ومستهدف بدلا من صراع طويل الأمد، وقد ترى طالبان أيضا قيمة أكبر في ضبط النفس والمواقف الدبلوماسية في سعيها الحثيث لترسيخ شرعيتها الداخلية.
ويختم بأنه من غير المرجح اندلاع حرب شاملة إلا إذا خرجت الأمور عن السيطرة، ولكن هناك احتمال حقيقي لمناوشات مطولة تتخللها توترات.