يفاجئ رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي المراقبين بتصريحات على خلاف المتوقع منذ بدء مسار السلام مع رواندا برعاية أميركية قطرية.
آخر تلك التصريحات كانت مع قناة "سكريبس نيوز" الأميركية، اعتبر فيها تشيسيكيدي "أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب، مهتمة بالمعادن الإستراتيجية، وبالتالي فإن أول اهتمام لها سيكون ضمان أمن تلك الاستثمارات".
تصريحات تشيسيكيدي تزامنت مع تغريدة مفاجئة هي الأخرى نشرها وزير الخارجية الرواندي أوليفييه ندوهونغيره وقال فيها إن تشيسيكيدي نفسه "أصدر تعليمات لوفد بلاده بعدم التوقيع على إطار التكامل الاقتصادي الإقليمي".
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير لم تكن كينشاسا قد علقت على كلام الوزير.
وكانت الجولة النهائية للتفاوض حول التكامل الاقتصادي التي يشير لها الوزير في تغريدته انطلقت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، لمناقشة اتفاق التكامل الاقتصادي الذي وصفه آنذاك كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأفريقيا مسعد بولس بأنه "سيعزز السلام في منطقة البحيرات الكبرى".
والتكامل هو جزء من الشق الاقتصادي في اتفاق واشنطن للسلام الذي وقعه وزيرا خارجية رواندا والكونغو الديمقراطية في 27 من يونيو/حزيران الماضي بالعاصمة الأميركية.
اعتمد مسار السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية منذ لحظاته الأولى على قاعدة "أن مستقبلا من الازدهار المشترك القائم على الاستثمارات الأميركية مسألة ممكنة لكنها تتطلب التزاما كاملا من جميع دول المنطقة" بحسب جوناثان برات أحد مسؤولي مكتب شؤون أفريقيا في الإدارة الأميركية.
وتضمن الاتفاق بندا واضحا ينص على إطلاق إطار للتكامل الاقتصادي الإقليمي في غضون 90 يوما.
ويهدف الإطار إلى اتخاذ مجموعة من التدابير بين الدولتين، أهمها تأمين سلاسل إمداد المعادن، وإنشاء أو الاستعانة بآليات مستقلة للتدقيق والرقابة على المشاريع الاقتصادية وسلاسل الإمداد، إضافة لربط اتفاقية الإطار بمبادرات التنمية الاقتصادية الدولية أو الإقليمية.
أما المسار الأمني وانطلاقا من "تعزيز نهاية مستدامة للنزاع وإطلاق الإمكانات الاقتصادية للمنطقة" فتطرق إلى مجموعة من البنود، أهمها تحييد قوات الجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا (بقايا الجيش الرواندي السابق المدان بالمجازر 1994)، وفض الاشتباك الحدودي، ورفع رواندا الإجراءات الدفاعية، واحترام وحدة أراضي الدولتين.
وفي الإطار عينه، أقر اتفاق السلام دعم جميع الأطراف "المفاوضات الجارية بين الكونغو وتحالف نهر الكونغو/حركة إم 23 تحت وساطة دولة قطر في الدوحة ".
فالطريق الفعلي لإنهاء أطول حروب أفريقيا أرسيت أسسه في 18 مارس/آذار الماضي في اجتماع وصف بالتاريخي حين جمع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الرئيسين الرواندي بول كاغامي والكونغولي فيليكس تشيسيكيدي وجها لوجه في الدوحة.
ومهد اللقاء إلى إطلاق مسار رديف للسلام بين كينشاسا وكيغالي برعاية أميركية في واشنطن ، بالإضافة إلى مسار كونغولي كونغولي بين حكومة الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو/حركة إم 23 في الدوحة.
ونجحت دولة قطر في 19 من يوليو/تموز في مساعيها، حينما وقعت كل من حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو/حركة إم 23، على إعلان مبادئ، في خطوة اعتبرت تطورا مهما ضمن المساعي الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار في إقليم شرق الكونغو.
وقال وزير الدولة بوزارة الخارجية الدكتور محمد الخليفي إن "هذا التطور يعكس حرص دولة قطر على دعم الجهود السلمية الرامية إلى إنهاء النزاع في شرق الكونغو والتزامها بدعم مسارات الحل السياسي"، واعتبر الخليفي أن إعلان المبادئ يعد مكملا لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا.
وتبع ذلك في سبتمبر/أيلول الماضي توقيع طرفي الصراع الكونغولي على آلية لإطلاق سراح المحتجزين المرتبطين بالنزاع بين الحكومة وتحالف نهر الكونغو /إم 23.
وبين الدولتين الجارتين رواندا والكونغو الديمقراطية، يتضمن اتفاق السلام آليات تنفيذية منفصلة، منها ما يتعلق بالجوانب الأمنية وأخرى بالتكامل الاقتصادي، وبحسب وزير خارجية رواندا فإن "المفاوضات حول إطار التكامل الاقتصادي الإقليمي هي مفاوضات اقتصادية بحتة ولا تتناول القضايا الأمنية".
وبعد تراجع الطرف الكونغولي عن توقيع وثيقة التعاون الاقتصادي، قالت المتحدثة باسم الحكومة الرواندية يولاند ماكولو إن بلادها "تشعر بالحيرة إزاء قرار الكونغو الديمقراطية في اللحظة الأخيرة بعدم التوقيع على الاتفاق".
وبين رغبات كينشاسا وكيغالي المعلنة، في السعي إلى إنهاء الصراع المزمن بينهما، وإحلال السلام في منطقة البحيرات، تأتي التصريحات التي تقاطع مسار تلك الرغبات، فيقول الرئيس الكونغولي مؤخرا "إن الحرب في بلاده لم تنته بعد" ويضيف "لقد تغيّر شكلها فحسب" لكنه يصر في الوقت عينه على نفي أن يكون اتفاق السلام بين بلاده ورواندا قد انتهى.
وبين النفي والتأكيد تسير مساعي السلام في حقل من ألغام ذلك الصراع الدامي، وتركة 3 عقود من خطاب الكراهية الذي يفضي كل حين إلى المزيد من القتل والتشريد، في مسارات تحتاج إلى بناء الثقة، وخفض حدة التصريحات، الذي يسبق خفض التصعيد، أملا بنجاح معجزة تحويل خصوم اليوم إلى شركاء الغد.