في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كابل- منذ مساء أمس الاثنين، دخلت أفغانستان في عزلة لم تعرفها منذ سنوات الحرب، فعند الساعة الخامسة عصرا بالتوقيت المحلي، توقفت إشارات الإنترنت فجأة، وتبعتها شبكات الهاتف المحمول، وكأن البلاد أُسدل عليها ستار كثيف قطع كل خيط للتواصل بين الداخل أو العالم الخارجي.
وبدأ هذا القطع من ولاية بلخ، التي عُطلت فيها خطوط الألياف الضوئية، بعد قرار أصدره زعيم حكومة طالبان هيبة الله آخوند زاده ، بذريعة ما سمته الحكومة "منع المنكرات"، لكن ما لبثت هذه الخطوة أن تحولت إلى إجراء شامل امتد إلى جميع أنحاء البلاد، وصار نحو 40 مليون إنسان -وهو العدد التقريبي لسكان أفغانستان- معزولين عن العالم.
وأفادت مجموعة مراقبة الإنترنت "نت بلوكس"، يوم الاثنين، أن المقاييس الفورية أظهرت انخفاضا في الاتصال في أفغانستان إلى مستوى 14%، مع انقطاع شبه كامل للاتصالات على مستوى البلاد، مؤكدة أن أفغانستان تواجه انقطاعا كاملا لخدمات الإنترنت، وأضافت أن "أي قطع فعلي للإنترنت عبر الألياف الضوئية من شأنه أيضا أن يعطل خدمات الهاتف المحمول والخطوط الثابتة".
يُعد هذا الانقطاع الشامل للإنترنت الأول من نوعه منذ تولي حركة طالبان السلطة في أغسطس/آب 2021، ووفقًا لمصادر تحدثت للجزيرة نت فقد تم إبلاغ شركات الاتصالات الخاصة ومقدمي خدمات الإنترنت بشكل شفهي بقطع اتصالات الألياف الضوئية عن المنازل والمكاتب بشكل فوري.
ووصف الرئيس الأسبق للاستخبارات الأفغانية رحمة الله نبيل، في حسابه على موقع "إكس" قطع شبكات الإنترنت والاتصالات في جميع أنحاء البلاد بأنه جزء من إستراتيجية طالبان للحفاظ على السلطة، وقال إن "إسكات الناس من أكثر أساليب طالبان ديمومة لتعزيز سلطتها".
من جهتها، دعت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة لأفغانستان "يوناما"، في بيان لها، حركة طالبان إلى "إعادة خدمات الإنترنت والاتصالات فورا وبشكل كامل في جميع أنحاء البلاد"، وأضافت أن "انقطاع هذه الخدمات سيعزل أفغانستان عن العالم الخارجي بشكل شبه كامل، ويُعرّض الشعب الأفغاني لخطر جسيم".
كما أصدرت منظمة حماية الإعلام الأفغانية بيانا ورد فيه أن "هذا القرار لا يعرقل وصول ملايين المواطنين إلى المعلومات المجانية والخدمات الأساسية فحسب، بل يُشكل أيضا تهديدا خطيرا لحرية التعبير وعمل وسائل الإعلام".
وتلتزم سلطات حكومة طالبان الصمت حول انقطاع الإنترنت في أفغانستان -حتى وقت كتابة هذا التقرير- حيث لم يصدر منها أي بيان أو توضيح لما حدث، كما لم تقدم إشعارا بمدة استمرار الانقطاع، مما زاد الوضع غموضا وإبهاما.
من جهتها، حاولت الجزيرة نت مرارا الاتصال بالمسؤولين في وزارة الاتصالات الأفغانية بالعاصمة كابل وهيئة تنظيم خدمات الإنترنت في أفغانستان "أترا" لتقصي أسباب قرار الحكومة، إلا أن قطع خطوط الإنترنت والخلل الموجود في خطوط الهاتف الجوال حالا دون ذلك.
أثارت هذه الخطوة التي اتخذتها السلطات في كابل موجة من المخاوف، وتباينت ردود فعل المواطنين المقيمين في الخارج تجاه قرار قطع الإنترنت، وأعرب بعضهم عن قلقهم من انقطاع الاتصال بعائلاتهم وأصدقائهم داخل أفغانستان.
ووصفت الناشطة الأفغانية المقيمة في الخارج مرسل سياس، انقطاع الإنترنت في بلادها بأنه "كابوس مرعب وقاسٍ". وقالت "كنت أسهر الليل أفكر فيه، ويسلب النوم من عينيّ، لقد تفاقم الخوف الذي كان يسكن صدري منذ مغادرتي أفغانستان".
وذكرت أنه بعد سيل من المكالمات التي لم يُجب عليها أطفالها في كابل، والرسائل التي لم تصل، فإن "قلبها يحترق"، وتقول "النافذة الوحيدة التي تُركت مفتوحة للناس في هذه الأزمة الرهيبة التي تُهدد حياتهم كانت الإنترنت والاتصال بالعالم، والآن يُغلقون تلك النافذة أيضًا".
وتضيف مرسل "تحملتُ البعد عن المنزل وعن أطفالي على أمل أن أتمكن من رؤيتهم عبر الإنترنت، وكان لدى مئات العائلات والنساء الأخريات الأمل نفسه"، معتبرة أن البقاء على اتصال بالعالم الخارجي يمثل بصيص ضوء ينطلق من هواتفهم المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، لكنه انطفأ بعد قرار قطع الإنترنت.
وقال محمد جمال، وهو مواطن أفغاني يعيش في تركيا، للجزيرة نت "لقد انقطع اتصالي بعائلتي داخل البلاد، وهم بحاجة إلى المال، لكن انقطاع الإنترنت حال دون إرسال الأموال إلى أسرتي في مدينة غزنه".
يعتبر الأستاذ الجامعي خليل الله ألفت، في تصريح للجزيرة نت، أن "الإنترنت ليس مجرد ترف، بل شريان حياة للتجارة والتعليم والإعلام، وحتى للتواصل الإنساني. ومع قطعه، تجد أفغانستان نفسها اليوم أشبه بجزيرة معزولة"، ويضيف "لو أرادت الحكومة منع المواقع غير الأخلاقية لقامت بحظرها فقط، وليس بقطع الإنترنت بأكمله".
من جهته أكد تاج محمد، وهو صاحب محل للصرافة في سراي شهزاده -أكبر سوق للمال في كابل- في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت، تعطّل كل معاملات التحويلات النقدية، وقال "الناس يرسلون المال من الخارج لأهلهم، ونحن وسطاء هذه الثقة، الآن توقفت كل المعاملات، كأن السوق أُصيب بالشلل".
وأكدت ميترا مجيدي مراسلة قناة "طلوع نيوز" الأفغانية التي تبث من كابل عبر الأقمار الصناعية ، بتعطل الرحلات الجوية من مطار كابل وإليه نتيجة انقطاع الإنترنت.
ووفق شهود عيان داخل مؤسسة حكومية في كابل، فإن كثيرا من الأعمال الرسمية في الدوائر الحكومية باتت شبه متوفقة اليوم، فلا تتوفر خدمات البريد الإلكتروني ولا المعاملات الإلكترونية، بل إنه حتى التنسيق بين الوزارات و المؤسسات الحكومية أصبح غير ممكن.
كما يقول الصحفي شيرشاه محمودي "كتبت تقريرا مهما عن الأوضاع الإنسانية بعد الزلزال الأخير في ولاية كونار، ولا أدري كيف أرسله، الإنترنت هو قلمنا في هذا العصر، وبدونه نصبح صامتين، لا يسمعنا أحد".
ومع حظر تعليم الفتيات، اتجه الكثير منهن إلى التعليم عبر الإنترنت، لكن مع انقطاعه بتن محرومات من فرص التعليم والتدريب.
وعن ذلك تقول الطالبة شهلا أحمدزي للجزيرة نت "حُرمنا من المدارس والجامعات بقرار حكومي، وكان التعليم عبر الإنترنت نافذتنا الأخيرة على العالم. الآن حتى هذه النافذة أُغلقت، ونشعر أننا محبوسون في غرفة بلا أبواب".
منذ انقطاع الإنترنت والاتصالات بشكل كامل في أفغانستان، توجه عدد من سكان المحافظات الحدودية إلى الحدود لإجراء المكالمات والدخول إلى الإنترنت، واضطر بعض رجال الأعمال إلى ذلك لمتابعة أعمالهم.
ونشر مواطن من ولاية نيمروز على وسائل التواصل الاجتماعي صورة تُظهر عدة مركبات متجهة نحو حدود الولاية مع إيران، وقال إن الناس يحاولون إيجاد طريقة للتواصل مع عائلاتهم في الخارج باستخدام شرائح الهاتف الإيرانية.
وفي ولاية هراة، أكد عدد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات أنهم اضطروا إلى السفر إلى معبر إسلام قلعة الحدودي لإدارة أعمالهم التجارية عبر الإنترنت الإيراني.
وفي السياق، تفيد التقارير بأن باكستان أغلقت معبر "تورخام" بسبب الانقطاع الكامل لخدمات الاتصالات، كما أفادت وسائل إعلام باكستانية، نقلا عن مسؤولين محليين في مقاطعة خيبر بختونخوا، بأن الاضطرابات الإدارية على الجانب الأفغاني كانت سبب هذا القرار.
ووفقا لمسؤولين محليين في إقليم خيبر بختونخوا المتاخم لأفغانستان، فقد تسبب انقطاع الإنترنت في أفغانستان في اضطرابات إدارية، ونتيجة لذلك، تم إغلاق معبر تورخام مؤقتا.
كما أفادت وسائل إعلام باكستانية محلية بأن السلطات الأفغانية أعادت العديد من المسافرين إلى الأراضي الباكستانية بعد دخولهم أفغانستان بسبب تعطل أنظمة الحدود.