في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
واشنطن- يختلف سياق زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض عن سياق الزيارات الثلاث السابقة التي جمعته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ بدء فترة حكمه الثانية بصورة كبيرة.
فقد استبق ترامب الزيارة برفع سقف التوقعات بتغريده، أمس، على منصة تروث سوشيال بالقول إن "هناك فرصة حقيقية لتحقيق إنجازات عظيمة في الشرق الأوسط. الجميع على أهبة الاستعداد لحدث استثنائي سيتم تحقيقه لأول مرة على الإطلاق".
ورغم عدم توضيح ترامب طبيعة هذا "الحدث الاستثنائي" فإن تقديرات المعلقين تشير إلى خطته لإنهاء الحرب في غزة، والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، وإدخال المساعدات، ضمن بنود تصور شاملة لمستقبل غزة عرضه على قادة دول عربية وإسلامية على هامش اجتماعات الجمعية العامة بالأمم المتحدة، وهو ما نال دعم قادة هذه الدول.
وتابع ترامب -في تصريحات نقلتها وكالة رويترز أمس- أن الجميع يريد إبرام الاتفاق بشأن غزة "ونأمل في إتمامه خلال اجتماعي مع نتنياهو غدا".
وفي الوقت ذاته، عبر جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي -في لقاء مع شبكة فوكس الإخبارية- عن تفاؤله حيال قرب الوصول لاتفاق مقارنة بأي وقت مضى خلال الأشهر القليلة الماضية.
ورغم تفاؤل ترامب ونائبه، فقد ذكرت هيئة البث الإسرائيلية عن مقربين من نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- أنه لا يزال هناك خلافات كبيرة بشأن خطة غزة و"ليس من المؤكد أن نصل إلى اتفاق غدا".
وتدفع 4 عوامل إلى جعل موقف نتنياهو أكثر صعوبة منه في لقاءات سابقة مع الرئيس ترامب، فهو يأتي في سياق مغاير تماما لسياق زياراته السابقة، وذلك على النحو التالي:
رغم أن زيارة أي رئيس حكومة أجنبية للبيت الأبيض 4 مرات خلال 8 أشهر تشير إلى وضع استثناني، إلا أن الاستثناء قد يكون إيجابيا كما كان الحال مع الزيارات الثلاث الأولى، والتي نجح فيها نتنياهو بإقناع ترامب بوجهة النظر الإسرائيلية، أو يكون سلبيا حال الاختلاف حول الهدف من الزيارة.
ففي الرابع من فبراير/شباط الماضي، أصبح نتنياهو أول من يدخل الولايات المتحدة ويلتقيه ترامب بعد عودته للبيت الأبيض. وكانت الحرب على غزة محور لقاءات الطرفين التي شارك فيها كبار مسؤولي ملفات السياسة الخارجية الأميركيين والإسرائيليين. وطرح ترامب للمرة الأولى فكرة تهجير سكان قطاع غزة للخارج، وأن تأخذ بلاده القطاع وتطوره كي يصبح "ريفيرا جديدة" في الشرق الأوسط.
أما الزيارة الثانية في أبريل/نيسان الماضي، فقد جاءت على عجل في ضوء فرض ترامب 17% تعرفة إضافية على جميع الصادرات الإسرائيلية إلى أميركا.
وسعى ترامب حينها إلى أن يرى الشعب الأميركي قادة الدول يتوافدون على واشنطن للحديث حول صفقات جديدة بعدما فرض التعريفات التي أدت إلى هبوط قياسي بأسواق المال الأميركية، كما تم بحث سبل القضاء على حركة حماس وإطلاق الأسرى.
وجاءت زيارة نتنياهو الثالثة في يوليو/تموز الماضي، في ظل تغيرات متسارعة شهدتها الخارطة الجيوسياسية في المنطقة أبرزها الهجمات العسكرية الإسرائيلية ثم الأميركية على مواقع إيرانية، وما أعقبها من رد صاروخي إيراني غير مسبوق داخل إسرائيل.
وتتزامن الزيارة الرابعة مع مؤشرات مشجعة من واشنطن بشأن إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، إذ أيقن ترامب وكبار مساعديه، بعد عامين على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، بعدم وجود حل عسكري حاسم للحرب يمكن من خلاله إطلاق بقية الأسرى، والقضاء على حركة حماس.
ورغم دعم إدارة ترامب، ومن قبلها إدارة جو بايدن ، لإسرائيل دبلوماسيا وعسكريا وماليا، لم يحسم الجيش الإسرائيلي الحرب عسكريا.
تغير موقف ثلاثة من قادة حركة ماغا الجمهوري، وهم من أشد أنصار ترامب ولاء، باتجاه البعد عن دعم إسرائيل، وضرورة تبني مبدأ "أميركا أولا" عمليا بدلا من "إسرائيل أولا" في سياسات واشنطن تجاه قضيا الشرق الأوسط.
وهؤلاء القادة هم: الإعلامي الشهير تاكر كارلسون الذي يعتبره كثيرون صوت ترامب الأهم، والعقل الإستراتيجي ستيف بانون الذي يعتبر مفكر ترامب، وأخيرا النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين من ولاية جورجيا زعيمة تيار ماغا بمجلس النواب.
ويرى هذا التيار أن إسرائيل أصبحت تمثل عبئا كبيرا على واشنطن، ووصفوا ما يحدث في غزة بالإبادة وأدانوا استخدام إسرائيل لسلاح التجويع ضد سكان القطاع.
وقالت النائبة غرين "لا أريد أن أدفع ثمن الإبادة الجماعية في بلد أجنبي ضد شعب أجنبي بسبب حرب خارجية لا علاقة لي بها، ولن أكون صامتة حيال ذلك".
وتجدد الجدل في دوائر اليمين الأميركي حول العلاقة مع إسرائيل عقب اغتيال الناشط الجمهوري تشارلي كيرك قبل أسبوعين، وسط رواج لنظرية مؤامرة على نطاق تربط مقتله بتغير مواقفه الداعمة لإسرائيل بمواقف أكثر إنصافا للفلسطينيين.
ويشير تغير المزاج الجمهوري اليميني حول إسرائيل إلى اقتراب التغيير، وإن كان ببطء، من دائرة صنع القرار الأميركي، ووسط ارتفاع نعرات قومية تريد تبني موقف حيادي أميركي بالشرق الأوسط ولو كان على حساب إسرائيل.
لا يعرف عن ترامب تمتعه بالصبر الإستراتيجي، ومع تعقد مسار المسار التفاوضي لحرب أوكرانيا بعدما استثمر الرئيس فيها الكثير من رأس ماله السياسي بلقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة ألاسكا، وفشل التوصل لوقف إطلاق النار، بل وتصعيد الهجمات الروسية على المدن الأوكرانية.
وفي ظل ذلك، يبحث ترامب عن انتصار دبلوماسي لتأكيد ما يراه من ضرورة لعب دور عالمي في وقف الصراعات المسلحة حول العالم، وهو ما قد يقربه من نيل جائزة نوبل للسلام، والتي لا يخفي رغبته في الحصول عليها.
وتزامن طرح ترامب لمبادرته لوقف الحرب في غزة مع تحول خطابه تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وبعد أشهر من دعم المطلب الروسي بخصوص ضم أراضي شرق أوكرانيا، والتأكيد على عدم وجود بدائل عسكرية أمام أوكرانيا لهزيمة روسيا.
كما شدد ترامب لهجته تجاه الرئيس الروسي، وقال إنه "يجب على أوكرانيا استعادة جميع أراضيها، ويمكنها ذلك". ويمثل هذا الموقف خروجا عن إشارات ترامب السابقة إلى ضرورة وجود مسار تفاوضي لإنهاء الحرب.
عقب فشل الضربة العسكرية الإسرائيلية داخل العاصمة القطرية في اغتيال قادة حركة حماس المجتمعين لبحث المبادرة الأميركية لوقف الحرب، وصف ترامب الضربة بأنها "مؤسفة" وأضاف أن الهجوم "لا يحقق أهداف إسرائيل أو أميركا".
ودفعت الضربة إلى تشكيك دول مجلس التعاون الخليجي (الحليفة لواشنطن) في جدوى المظلة الأمنية الأميركية، وسط إثارة شكوك حول حدود النفوذ الأميركي على إسرائيل.
ومن هنا قد يستغل ترامب لقاءه الرابع بنتنياهو لإظهار حجم وقدرة واشنطن على التأثير في مواقف إسرائيل بالقضية الأهم لحلفاء واشنطن في المنطقة.