آخر الأخبار

تحليل: بريطانيا ستعرض أرشيف تشرتشل على ترامب.. ماذا فيه؟

شارك

تحليل بقلم الزميل، ستيفن كولينسون، بـ CNN

(CNN) -- رحبت بريطانيا بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب ، باعتباره ملكًا كما يتظاهر دائمًا.

وكان يومًا مُزينًا بلمسات ذهبية أكثر - على عربة الملكة فيكتوريا الرسمية التي حملت الرئيس إلى قلعة وندسور ؛ وعلى سترات الجنود الخيالة؛ وعلى مائدة وليمة رسمية.

ويعشق الرئيس، نجم برامج الواقع، الاستعراض، وقد قدّم أفراد العائلة المالكة، ربما، احتفالًا أكثر روعةً مما رآه من قبل، إذ سار عازفو مزمار القربة والحراس مرتدين جلود الدببة تكريمًا له، وفي وليمة رسمية، تناول العشاء بين الملك تشارلز الثالث والملكة المستقبلية كاثرين، أميرة ويلز داخل أفخم عقار في محفظة العقارات الملكية.

وقال ترامب، ردًا على نخب الملك: "هذا حقًا من أسمى التكريمات في حياتي"، ومن بين كل الإطراء الذي أغدقته الدول الأجنبية على ترامب، قد يكون هذا هو الأفضل .

لطالما مارست الملكية البريطانية فن إبرام الصفقات منذ ما قبل ولادة ترامب. وتريد حكومة جلالته الحماية من غرائز ترامب المتقلبة، وتحسين معدل التعريفات الجمركية، والاستثمار في اقتصادها البطيء النمو، وتوفير السيولة اللازمة لبناء قوة ذكاء اصطناعي جديدة. وتأمل في إقناع ترامب بعدم التخلي عن أوكرانيا لصديقه، فلاديمير بوتين .

ومع ذلك، كان الترحيب الملكي بترامب بمثابة قصة خيالية صادمة، فالطريقة التي تُقدم بها الدول نفسها في مثل هذه المناسبات قد تُظهر حالةً غير مُرضية من صحتها.

وكانت طقوس تكريم ترامب تُشبه طقوس إمبراطورية بائدة، إنه يريد أن يجعل أمريكا عظيمة من جديد. كانت بريطانيا عظيمة في يوم من الأيام، لكنها الآن تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الولايات المتحدة في دفاعها ورفاهها الاقتصادي. يمكنها أن تستعرض قوتها العسكرية على مروج وندسور، لكنها ستواجه صعوبة في نشر قوة عسكرية فعالة في أوروبا إذا غزتها روسيا. في القرن الحادي والعشرين، تُروّج لأمجاد القرن التاسع عشر .

ولكن لم يسبق لرئيس أمريكي أن خضع لمثل هذا التملّق الملكي.

وكان ارتياح ترامب في البلاط الملكي بمثابة تعليق على رئيس دولة أمريكي يبدو أقرب إلى ملوكٍ متغطرسين متسلطين منه إلى فهم جورج واشنطن أن أعظم مسؤولية للسلطة وهي معرفة متى تتنازل عنها.

وغالبًا ما تكون الدبلوماسية بغيضة، لكن زيارة ترامب الرسمية الثانية إلى بريطانيا كانت أحدث تذكير بأن معظم العالم قد قرر أن السبيل الوحيد لترويض أساليبه المتنمرة هو استمالة غروره .

اختبار سياسي صعب:

بصرف النظر عن المظهر، مثّلت زيارة ترامب إلى المملكة المتحدة تحديًا خطيرًا لحكومة رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، الذي حقق فوزًا ساحقًا في الانتخابات العام الماضي، لكنه انزلق إلى أزمة سياسية عميقة .

وحظي ستارمر بإشادة لتعامله مع ترامب، فقد أفلتت بريطانيا من رسوم جمركية بنسبة 10% على صادراتها إلى الولايات المتحدة، وهي رسوم أقل من تلك المفروضة على الاتحاد الأوروبي، الذي يكرهه ترامب، ستارمر لاعب رئيسي في "تحالف الراغبين" الذي يأمل في تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد اتفاق سلام، لكن هذا يتطلب دعم ترامب، كما وافق على زيادة الإنفاق الدفاعي لتلبية مطالب الولايات المتحدة، حتى لو لم يكن لدى أحد أدنى فكرة عن كيفية تمويله.

لكن ستارمر، الذي لا يحظى بشعبية واسعة، يلعب لعبة خطيرة، ينظر العديد من البريطانيين إلى ترامب على أنه بلطجي فاسد، ويعتقدون أن قيمه تتناقض مع قيم الغرب، ومع ذلك، ورغم أنه قد يتعرض للانتقاد، إلا أن سياساته الشعبوية تُحكم قبضتها على المملكة المتحدة، يتصدر حزب الإصلاح المناهض للهجرة، بقيادة صديقه نايجل فاراج، استطلاعات الرأي، وقد يُحطم هيمنة حزب العمال والمحافظين التي استمرت لأجيال في الانتخابات المقبلة .

ويبدو أن إدارة ترامب تتدخل في السياسة البريطانية في كثير من الأحيان، استمتع نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، بعطلته في منطقة كوتسوولدز الخلابة، لكنه ينتقد بريطانيا بشدة بسبب حرية التعبير، ويحاول فريق ترامب إجبار بريطانيا على تعديل القيود المفروضة على المواد العنصرية أو المتطرفة على الإنترنت لإرضاء شركات التكنولوجيا الأمريكية، ففي نهاية الأسبوع، انضم حليف ترامب السابق، إيلون ماسك، إلى تجمع لليمين المتطرف في لندن، مطالبًا بثورة .

وازدادت صعوبة مهمة ستارمر في تحقيق التوازن عندما أُجبر على إقالة السفير البريطاني في واشنطن، بيتر ماندلسون، الذي ساعد في التخطيط لزيارة الدولة، بسبب صداقته السابقة مع جيفري إبستين، وقد سلطت هذه الكارثة الضوء على فشل الرئيس الأمريكي في التخلص من صداقته السابقة مع إبستين، ولم تكن العائلة المالكة بمنأى عن ذلك أيضًا، فقد أُجبر الأمير أندرو، الابن الثاني للملكة إليزابيث الثانية، على ترك مهامه الرسمية بسبب صلاته بالمُدان بالاعتداء الجنسي على الأطفال.

وعندما بثّ المتظاهرون صورًا لترامب وإبستاين على أسوار قلعة وندسور، ليلة الثلاثاء، كانوا يتحدثون باسم كثير من البريطانيين الذين لا يرون ضرورة لدعوة ترامب أصلًا، ويساعد نفورهم هذا في تفسير سبب كون وندسور - التي بُنيت في الأصل كحصن - مكانًا مناسبًا لنوم الرئيس .

وكتب عمدة لندن، صادق خان، وهو خصمٌ قديم لترامب، في صحيفة الغارديان، الثلاثاء، أنه بدلًا من مدح الرئيس، يجب على المملكة المتحدة قول الحقيقة للسلطة، وكتب خان، العضو في حزب العمال الحاكم: "ربما كان الرئيس دونالد ترامب وحاشيته أكثر من ساهم في تأجيج نيران سياسات اليمين المتطرف المثيرة للانقسام حول العالم في السنوات الأخيرة".

ويتناقض النفور العام من ترامب مع الاستقبال الذي حظي به خصمه اللدود، الرئيس باراك أوباما، خلال زيارته الرسمية للملكة إليزابيث عام 2011، لكن ترامب ليس أول قائد عام يُستقبل بالاحتجاجات، فقد وصل الرئيس رونالد ريغان إلى بريطانيا عام 1982 في زيارة رسمية ومحادثات مع رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر وسط مخاوف من أن خطابه المتشدد قد يُشعل حربًا مع الاتحاد السوفيتي، وكان ريغان أول رئيس يبيت في قلعة وندسور، وخففت الملكة من حساسية الزيارة بالانضمام إليه في رحلة على ظهور الخيل في أراضي القلعة، وهي الصورة التي تُخلّد الآن زيارة ريغان .

براعة سياسية تُصنع منذ عقود:

واستدعت حساسية زيارة ترامب دبلوماسيين حذرين، كان الملك تشارلز، طوال حياته تقريبًا، شخصيةً مثيرةً للشفقة والسخرية في المملكة المتحدة، إذ كان ينتظر تولي المنصب الأعلى وهو في السبعينيات من عمره، تتعارض العديد من آرائه الشخصية، مثل ضرورة مكافحة تغير المناخ، مع آراء ضيفه، لكن الملكية البريطانية مُلزمة بالحياد الرسمي بموجب الأعراف الدستورية.

ومنذ اعتلائه العرش، أظهر تشارلز مهارات سياسية بارعة تتجاوز مهارات والدته التي كانت منعزلة علنًا عن السياسة، ولمعالجة قلق ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تحدث بطلاقة الألمانية في برلين والفرنسية في باريس، وبينما كان ملك إنجلترا يقف إلى جانب ترامب على منصة المشاهدة في وندسور، كان من الصعب ألا نتذكر أنه، بصفته ملك كندا، زار أوتاوا في مايو لتأكيد سيادة البلاد بعد مطالب متكررة من الرئيس الأمريكي بأن تصبح الولاية الحادية والخمسين .

ولقد اكتسب تشارلز براعة سياسية على مدى عقود، وقد تعرّف مبكرًا على رؤساء الولايات المتحدة عندما ساعد والدته، الملكة إليزابيث الثانية، في استقبال الرئيس دوايت أيزنهاور في قلعة بالمورال في اسكتلندا عام 1959، وبالنسبة لمؤسسة تهتم بصورتها كبيت وندسور، فمن شبه المؤكد أن صورة الوريث الشاب مرتديًا التنورة الاسكتلندية قد أُدرجت لإرسال إشارة إلى الاستمرارية المستقبلية مع الولايات المتحدة وفن الحكم الذي استلهمه، الأربعاء .

وسيتخلى ترامب عن فخامة قلعة وندسور ويتجه نحو سياسة القوة الصارمة، الخميس، عندما يتوجه إلى "تشيكرز"، المقر الريفي الرسمي لرؤساء الوزراء البريطانيين، في باكينغهامشير، شمال غرب لندن، وستتاح لآلة الدعاية التاريخية التي لا تلين للدولة البريطانية فرصة أخيرة للتألق.

ومن المتوقع أن يُعرض على ترامب أرشيفات متعلقة برئيس الوزراء، ونستون تشرشل، الشخصية التاريخية التي يُجلّها، وقد حرص الرئيس على الإشارة في كلمته الافتتاحية على مأدبة الدولة إلى أن تمثال نصفي لزعيم الحرب العالمية الثانية العظيم - والذي تعتبره الصحافة البريطانية مقياسًا "للعلاقة الخاصة" عبر الرئاسات المختلفة - قد أُعيد إلى المكتب البيضاوي.

إن التركيز على تشرشل - الذي أصبحت أسطورته رمزًا متفائلًا للهوية البريطانية ورمزًا للرثاء على فقدان السلطة - أمرٌ بالغ الأهمية. فقد تناول رئيس الوزراء آنذاك، الذي أصابه الإحباط من الهزائم العسكرية في أوائل الحرب العالمية الثانية، العشاء مع السفير الأمريكي لدى المملكة المتحدة، جون غيلبرت وينانت، والمبعوث الرئيس فرانكلين روزفلت الخاص، أفريل هاريمان، في أمسية باردة في تشيكرز في ديسمبر 1941. وبعد أن دقت الساعة التاسعة مساءً، مد يده إلى الراديو ليستمع إلى الأخبار على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فسمع نهاية خبر يفيد بأن اليابان قصفت سفنًا تابعة للبحرية الأمريكية في هاواي. وبعد لحظات، سارع كبير الخدم لتأكيد خبر بيرل هاربور، الهجوم الذي جرّ الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الثانية .

وكتب تشرشل، الذي كان يعلم أن التدخل الأمريكي وحده كفيل بهزيمة النازيين واليابان الإمبريالية، في مذكراته بعد الحرب أنه "نام نومًا هانئًا ممتنًا" تلك الليلة، روى أنه لم يُصدّق قطّ المُتشائمين الذين تنبّأوا بأنّ الشقاق السياسي، والانتخابات المُتكررة، والحذر من الحروب الخارجية، والميل إلى أن يكون "ضبابًا غامضًا في الأفق للصديق أو العدو" يعني أنّ الأمريكيين - "شعبٌ ناءٍ، ثريّ، ثرثار" - لن يُبادروا أبدًا إلى إنقاذ العالم القديم، ويُعتبر وصفه للانعزالية الأمريكية قبل الحرب العالمية الثانية الآن بمثابة تلخيصٍ مُلفتٍ لسياسات ترامب "أمريكا أولًا".

ولطالما أُخذت "العلاقة الخاصة" على محمل الجد في لندن أكثر من واشنطن، ولكن بعد أن أشار الملك تشارلز، الأربعاء، إلى أن "الاستبداد يهدد أوروبا مجددًا"، يُراقب ترامب بحثًا عن أي مؤشرات على أنه جادٌّ في ادعائه بأن "العلاقة الخاصة" لا تُنصف العلاقة .

وتأمل بريطانيا أن يعود إلى الوطن مُشاركًا المشاعر التي عبّر عنها روزفلت لتشرشل عبر خط هاتف متقطع ليلة بيرل هاربر .

"جميعنا في نفس القارب الآن".

سي ان ان المصدر: سي ان ان
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا