في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
جنوب لبنان- فوق ركام بلدة ميس الجبل المدمّرة على نحو واسع، تم توزيع 30 غرفة متنقلة "كرفانات"، لتشكل مشروع مجمّع المدارس المؤقت في البلدة الواقعة بقضاء مرجعيون في الجنوب اللبناني ، والذي يضم المدرسة الابتدائية والثانوية والمعهد الفني.
وجاءت فكرة إنشاء المجمع المدرسي المؤقت والإعلان عن عودة التعليم الحضوري بعد أن دمّر الاحتلال الإسرائيلي كافة الصروح التعليمية في البلدة، التي لطالما اشتهرت بتخريجها دفعات من المتعلمين منذ عقود طويلة من الزمن.
ولم تأتِ هذه الخطوة بالصدفة، وإنما نشأت عن رؤية مستقبلية لواقع القرى اللبنانية الحدودية، حيث رأى المجلس البلدي في ميس الجبل أن عودة العائلات إلى البلدة منوطة بعودة المدارس، لكي يؤمّن الأهالي تعليم أولادهم، خاصة وأن معظم المدارس في المنطقة قد تعرّضت للتدمير الكلي أو الجزئي.
يقول رئيس بلدية ميس الجبل حبيب قبلان، في حديثه للجزيرة نت، إنه كان لزاما على المجلس البلدي أن يخطو هذه الخطوة، بعد أن خسرت البلدة كل الصروح التعليمية والتربوية فيها، واستحالت عودة التلاميذ إلى مقاعد دراستهم، "فجاءت فكرة المجمّع التربوي المؤقت، لكي يؤمن التعليم للتلامذة ولكي يكون عاملا أساسيا من عوامل عودة الأهالي إلى البلدة"، حسب قوله.
وأوضح أن هذا المجمّع سيكون مؤقتا لحين الانتهاء من عملية إعادة إعمار الصروح التربوية، وسيكون جاهزا خلال الأيام المقبلة ليستقبل الطلاب، وسيضم غرفا للثانوية والتكميلية والمعهد الفني، إضافة إلى المرافق الصحية، وسيتم تزويده بالطاقة الشمسية وبوسائل التكييف، وسيجهّز أيضا بالملاعب، وكل ما يحتاج إليه الطالب من أجل اجتياز هذه المرحلة.
ويلفت رئيس المجلس البلدي إلى أن البلدية أخذت على عاتقها أن تدفع رسوم تسجيل كافة التلاميذ المسجلين في المجمّع المؤقت، وتؤمّن لهم القرطاسية، إلى جانب دعم ومساعدة من أهالي البلدة المغتربين ومن التجار.
وأعرب عن سعادته بأن عدد التلاميذ المسجلين فاق 300 تلميذ، وقال "رغم التدمير الكبير الذي لحق بالمنطقة، فإن المجمّع سيضم عددا كبيرا من التلاميذ، وهذا يدل على تمسّك الناس بأرضهم وبيوتهم، حتى لو اضطروا إلى الدراسة في خيمة، وكنا على استعداد أن ننصب لهم خياما وندرّسهم فيها".
وبحسب تقرير البنك الدولي الذي أعده عن خسائر لبنان بسبب الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي اندلعت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن عدد المدارس الرسمية التابعة للدولة والتي دمرت جزئيا بلغ 120 مدرسة، والتي دمرت دمارا كليا بلغت 25، في حين بلغ عدد المدارس الخاصة المدمرة جزئيا 173 والمدارس الخاصة التي دمّرت دمارا كليا بلغت 34.
"حلم أصبح حقيقة"، هكذا يصف فرج بدران مدير "ثانوية المربي محمد فلحة" في ميس الجبل الواقع الحالي، بعد انطلاق أعمال تركيب المجمّع المدرسي المؤقّت، بعد قرابة عامين من نظام التعليم عن بُعد. وقال "ستعود الكوادر التعليمية والإدارية والتلاميذ للاجتماع من جديد بعد طول انتظار".
ويؤكد بدران، في حديثه للجزيرة نت، أن إدارة المجمّع المؤلّفة من مدير المدرسة الثانوية، ومديرة المدرسة الابتدائية، ومدير المعهد الفني الرسمي، على أتم الجهوزية، "فهم يقومون بكل الأعمال الإدارية، خصوصا بما يتعلق بالتسجيل وتأمين الأساتذة، والاستعداد للعودة للتعليم الحضوري".
ويقول بدران إن "ميس الجبل معروفة بتضحياتها، ونحن اليوم نعتبر أنفسنا جزءا من المقاومة التربوية، فالتضحية هنا بسيطة أمام تضحيات أهل المدينة والقرى المجاورة".
وأضاف أنه "رغم بعد المسافات ومشقّة الطريق، فبعض الأساتذة يسكنون في النبطية وسيأتون يوميا لممارسة عملهم هنا، فإننا سنتخطّى هذه الصعوبات بالعزيمة والإرادة".
يؤكّد الأكاديمي والحقوقي محمد عيسى أن هذا المشروع هو "رسالة حياة وصمود وتمسّك بالأرض"، وأن حق التعلّم كفلته شرائع حقوق الإنسان، منوها بأن أبناء ميس الجبل متمسّكون بالتعلّم مهما كانت الظروف.
وأكد، في حديثه للجزيرة نت، أن "المقاومة لا تختصر فقط بحمل السلاح، بل يجب أن تواكب بالعلم والثقافة، خصوصا بعد ما شهدناه في الحرب الأخيرة من تطور تكنولوجي هائل، ما يحتّم على الأجيال المقبلة أن تكون متعلّمة ومثقّفة، لتكون قادرة على الصمود بوجه الاحتلال الإسرائيلي".
وينوّه عيسى إلى أن هذا المشروع كان نتيجة جهود مشتركة بين المجلس البلدي في ميس الجبل واتحاد بلديات جبل عامل ومجلس الجنوب، "وبدعم مالي من شيخ قبيلة السواعدة في العراق ماجد الساعدي، الذين رأوا جميعا في هذا المشروع مشروع حياة ونهضة ورافعة للأجيال الصاعدة".
وغمرت أهالي ميس الجبل فرحة كبيرة مع انطلاق الأعمال بمجمّع المدارس المؤقت. وأشار مسؤول اللجنة التربوية في بلدية ميس الجبل فرج شقير في حديثه للجزيرة نت، إلى الارتياح الكبير لدى الأهالي فور الإعلان عن بدء مشروع المدارس المؤقت، لأنه يضمن استمرارية تعليم أولادهم.
ويلفت شقير إلى أن الإقبال على التسجيل كان أكبر من المتوقع، الأمر الذي دفع بالبلدية إلى زيادة عدد الصفوف، موجها رسالة إلى الأهالي والتلاميذ، حثهم فيها على أن يطمئنوا وألا يفوّتوا هذا العام الدراسي.
وقال "نحن كبلدية وكلجنة تربوية إلى جانبهم حتى النهاية، الحلم بدأ يتحقق بفضل جهود كل من ساهم بإنشاء هذا المشروع، إنه مشروع حيوي وأساسي، ويؤمّن مقعدا دراسيا لكل تلميذ في ميس الجبل والقرى المجاورة".
بلدة حولا في قضاء مرجعيون في الجنوب اللبناني التي تقع على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، حذت حذو جارتها ميس الجبل، فبعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي مدرستها الرسمية، لجأت البلدية إلى مبنى رعاية المسنين، حيث حولت الطابق الأول منه إلى مبنى بلدي والطابق الثاني إلى بديل مؤقت للمدرسة الرسمية.
ولكن مع ازدياد أعداد التلاميذ المسجلين الذين بلغ عددهم قرابة 90 تلميذا، وجدت البلدية أن هناك ضرورة لاستقدام غرف جاهزة لتأمين 4 صفوف إضافية لاستيعاب التلامذة وعدم حرمانهم من الالتحاق بالمدرسة.
يؤكد رئيس بلدية حولا علي ياسين في حديثه للجزيرة نت أن إعادة الحياة للمدرسة الرسمية في البلدة من أهم عوامل عودة الناس. ومن هنا كانت هذه المبادرة المهمة بتأمين الصفوف الإضافية عبر الاستعانة بالغرف الجاهزة، حيث جرى تأمين 4 غرف مع جميع التجهيزات من طاولات وقرطاسية وكل ما يحتاجه الطلاب.
وعن أصداء مشروع المدرسة المؤقتة يقول ياسين: هناك فرحة كبيرة لدى الأهالي، لأن معظمهم يعاني من ارتفاع الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة خارج بلدة حولا. وهذه المدرسة ستؤمّن لهؤلاء التلامذة مقاعد دراسية ليستمروا في تعلّمهم، وهذا المشروع بالنسبة لنا كبلدية، وبالنسبة لنا كأهالٍ، هو أهم مشروع لأنه يصنع الإنسان.
وأوضح أن الأهالي عملوا على تأمين مساكنهم وفق المستطاع، "ونحن عملنا في المجال الصحي من خلال الأنشطة الصحية، وبقي لدينا ملف التعليم، واليوم نستطيع أن نقول إننا أنجزناه من خلال تأمين البديل للمدرسة، وهي مدرسة مؤقتة، إلى حين إعادة الترميم وإعمار المدرسة المدمّرة".