إسطنبول- باتت القدرات العسكرية التركية محل اهتمام سياسي وإعلامي مكثف في السنوات الأخيرة، بعد أن دخلت بعض صناعاتها الدفاعية حيز الاختبار الميداني في عدد من الصراعات والحروب الإقليمية.
فقد أصبحت تركيا واحدة من الدول الثلاث الرائدة عالميا في تقنيات الطائرات المسيّرة ، وهي من بين الدول العشر القادرة على بناء سفنها الحربية الخاصة. إلى جانب الاستخدام المحلي، تحظى هذه الأنظمة، ومشاريع السفن الحربية الوطنية، والذخيرة، والأنظمة الإلكترونية، والمركبات البرية، والأسلحة بطلب متزايد على الصعيد الدولي.
الجزيرة نت حاورت رئيس الصناعات الدفاعية في تركيا خلوق جورجون حول رحلة تطور هذا القطاع الذي انطلق قبل نصف قرن، وكم يشكل الإنتاج المحلي لمكونات هذه الصناعة؟ ومدى إسهامها في اقتصاد البلاد؟ وما يميز المنتجات التركية على مثيلاتها المنافسة إقليميا ودوليا؟
وفيما يلي نص الحوار:
بدأت تركيا مسيرتها في صناعة الدفاع قبل حوالي نصف قرن، بالتزامن مع عملية السلام في قبرص عام 1974، بسبب الحظر المفروض على توريد الأسلحة لها. فكان ظرفا حرجا أكد ضرورة الاعتماد على الذات في تأمين القدرات الدفاعية.
حينها تم تأسيس أمانة الصناعات الدفاعية عام 1985، مما شكل القاعدة المؤسسية في هذا المشروع الإستراتيجي. ومنذ مطلع العقد الأول من القرن الـ21، بدأ الاهتمام بالصناعات الدفاعية كأولوية وطنية، وتطورت إلى رؤية طويلة الأمد، مدعومة من أعلى مستويات الدولة.
وأثناء تولي الرئيس رجب طيب أردوغان رئاسة الوزراء، عُقد اجتماع اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية في مايو/أيار 2004، مما مثل نقطة تحول في تنفيذ المشاريع المحلية والوطنية. ومنذ ذلك الحين، تم التركيز بشكل أكبر على المبادرات المحلية والوطنية.
وانعكس هذا الاهتمام على إسهام الإنتاج المحلي لمكونات الصناعات الدفاعية من حوالي 20% إلى ما يقارب 80%. وتحقق هذا التحول من خلال نموذج تمويل شامل بالإضافة إلى المخصصات من ميزانية الدولة، وضَمن صندوق دعم صناعة الدفاع استقرارا طويل الأمد، إلى جانب الشراكات الصناعية وإيرادات التصدير وبرامج نقل التكنولوجيا.
واليوم، لم تعد تركيا مجرد مستهلك للتكنولوجيا الدفاعية، بل أصبحت دولة تصمم وتنتج وتصدر أنظمتها الدفاعية. وتنسق أمانة الصناعات الدفاعية المشاريع لتلبية احتياجات القوات المسلحة التركية وغيرها من المؤسسات الأمنية بجهود محلية ووطنية.
تمتلك تركيا إحدى أكبر وأقوى القوات العسكرية في حلف شمال الأطلسي (ناتو) . ويزيد موقعها الإستراتيجي وهيكلها العسكري القوي وخبرتها التشغيلية الواسعة إسهامها الكبير فيه.
في العام الماضي، أبرمنا أكبر عدد من العقود مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وهذه الشراكات والتعاون لا تعزز العلاقات الثنائية فحسب، بل تسعى أيضا إلى دعم الناتو. وهو حلف مبني على مبدأ الأمن الجماعي والتعاون بين الدول الأعضاء لتحقيق أهداف الأمن الشامل له.
وتمتاز الصناعة الدفاعية التركية بتعدد قدراتها وتنوعها. ففي مجال أنظمة الدفاع البرية والطائرات بدون طيار والسفن البحرية وأنظمة الدفاع الجوي، لا تكتفي أنقرة بتلبية احتياجاتها الداخلية فحسب، بل توفر أيضا الأنظمة والتقنيات لحلفائها وشركائها. وهذا يجعل منها شريكا قيما في تعزيز قدرات الحلف في مجال الدفاع الجماعي.
باختصار، تلعب الصناعة الدفاعية التركية دورا متزايد الأهمية في تعزيز الردع العسكري للناتو، وتعزيز مرونة العمليات، ودفع مشاريع التعاون المشترك إلى الأمام.
حظيت الطائرات التركية بدون طيار باعتراف دولي واسع، نظرا لفعاليتها في النزاعات العسكرية الأخيرة على المستوى الإقليمي والدولي. ويمكن تلخيص أبرز خصائصها في التفوق التكنولوجي، فهي قادرة على التحليق لمسافات طويلة، والارتفاع العالي، والقدرة على العمل ليلا ونهارا. كما أنها مزودة بأنظمة إلكترونية وبصرية متطورة وأنظمة طيران محلية الصنع، مما يوفر لها قدرة استخباراتية دقيقة على الرصد والتجسس.
وكذلك تمتاز بالفعالية العملياتية، بقدرتها على دمج واستخدام الذخائر الموجهة بدقة، ما يتيح لها اتخاذ قرارات سريعة وتحقيق نتائج فعالة في ساحة المعركة. كما أنها تحقق الجدوى الاقتصادية والاستدامة، بالمقارنة مع نظيراتها من الدول الأخرى، فهي توفر حلولا بأسعار معقولة، وصيانة سهلة، وسهولة في التشغيل، مما يجعلها أكثر جاذبية للعديد من الدول.
واليوم، تستحوذ تركيا على 65% من سوق الطائرات من دون طيار عالميا. ولا تُعد الطائرات التركية بدون طيار منصات عسكرية متطورة فحسب، بل هي دليل ملموس على قدرة أنقرة على تطوير وتطبيق التكنولوجيا المتقدمة بمسؤولية.
يُعد الموقع الجغرافي لتركيا، في مفترق طرق 3 قارات، وبتحكمها في مداخل البحرين الأبيض المتوسط والأسود، عاملا أساسيا في دفعها لامتلاك قوة بحرية قوية.
وعلى مدى العقدين الماضيين، تحسنت القدرات البحرية التركية بشكل كبير من خلال برامج مثل برنامج "ميلجم" (MİLGEM) الذي أنتج سفنا حربية صغيرة وفرقاطة محلية الصنع، بالإضافة إلى تحديث أسطول الغواصات، وسفن الهجوم البرمائية، والطائرات البحرية.
ويتم دعم هذه القدرات بأنظمة إدارة القتال والرادارات وأنظمة الحرب الإلكترونية محلية الصنع. ولا تقتصر مهمة البحرية التركية على حماية المصالح الوطنية في البحار المحيطة، بل تسهم أيضا في الاستقرار الإقليمي والدولي من خلال عمليات حفظ السلام، والمساعدات الإنسانية، والبعثات متعددة الجنسيات. وبذلك فهي تمثل قوتي ردع استقرار في آن واحد.
تمثل طائرة "كان" برنامج تركيا لطائرات المقاتلة من الجيل الخامس. إنها أكثر من مجرد طائرة، إنها مبادرة تحويلية تُظهر طموح أنقرة في إتقان صناعة الفضاء المتقدمة.
وتتميز هذه الطائرة بقدرتها على التخفي من الرادار وسرعتها الفائقة، ونظام متطور لدمج المعلومات من مختلف أنواع المستشعرات، بالإضافة إلى أنظمة الطيران المحلية ومجموعة واسعة من أنظمة الأسلحة المتكاملة.
كما ستمكن القوات الجوية التركية من تحقيق التفوق في المجال الجوي، وتقليل الاعتماد على المنصات الأجنبية، وتعزيز قدرات قطاعنا الدفاعي. وبغض النظر عن تأثيرها المباشر على الجانب العسكري، فإنها ستساهم في تنشيط القاعدة الصناعية الشاملة، بما في ذلك مجالات الهندسة والإنتاج وسلاسل التوريد، كما ستوفر فرصا لنقل التكنولوجيا إلى القطاع المدني، مما يعزز الاقتصاد التركي بشكل عام.