واشنطن- منذ اتخاذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره غير المسبوق في العاشر من أغسطس/آب الماضي بالسيطرة على العاصمة واشنطن ، وما تبعه من إعلان حالة الطوارئ بسبب بما يراه ارتفاعا كبيرا في نسب الجرائم، عبأ سكانها جهودهم لمقاومة سيطرة البيت الأبيض من خلال طريقين أساسين، الأول قانوني والثاني المعارضة الشعبية الواسعة.
اعتمادا على توزع السلطات بين الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية، والتوازن بين السلطات الثلاث (التنفيذية التي يتحكم فيها ترامب، والتشريعية التي تسيطر عليها أغلبية جمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب، والسلطة القضائية)، يحاول مسؤولو العاصمة المناورة القانونية كسبيل لمواجهة سعي ترامب للسيطرة عليها.
وتشكل التحديات القانونية عقبة كبيرة أمام "استيلاء" الرئيس الأميركي على واشنطن، وكان أبرز ملامحها رفع المدعي العام في العاصمة، بريان شوالب، دعوى قضائية ضد وزارة العدل الأميركية لمنع ما وصفه بـ"الاستيلاء العدائي"، بعد أن حاولت تعيين مسؤول فدرالي ليدير شرطة واشنطن. ولم ترد المحكمة بعد طلب إيقاف هذا التحرك.
واتخذ شوالب خطوة أخرى الأسبوع الماضي، إذ قال إنه يقاضي ترامب لإنهاء نشر الحرس الوطني في واشنطن. وذلك بعد يومين من حكم قاض فدرالي بأن استخدام إدارة الرئيس للحرس الوطني في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا قبل 3 أشهر كان غير قانوني.
وقال شوالب، الذي يُعد أكبر مسؤول قانوني منتحب في واشنطن، إن وجود الجنود في شوارع ومرافق العاصمة ينتهك قانونا سُن في القرن الـ19 يحظر استخدام القوات الفدرالية لإنفاذ القانون المحلي. ويجادل بأن الوحدات المنتشرة تقدم تقارير من خلال التسلسل القيادي العسكري، مما يجعلها خاضعة لقانون "بوس كوميتاتوس" الذي صدر عام 1878، والذي يقيد استخدام القوات المسلحة في شوارع أميركا.
وبالفعل صدرت توجيهات من البنتاغون لقوات الحرس الوطني تشير إلى أن هدف وجودها في واشنطن هو معالجة ارتفاع نسب الجريمة، مع توجيهات للقيام بدوريات في أحيائها وحمل أسلحة نارية وإجراء أنشطة إنفاذ القانون، مثل عمليات التفتيش والمصادرة والاعتقالات.
وقال شوالب في إعلانه عن الدعوى القضائية "لا ينبغي لأي مدينة أميركية أن تنتشر بها وحدات عسكرية من خارج الولاية ممن يكونون غير مدربين على إنفاذ القانون المحلي، ويقومون بحراسة شوارعها. اليوم، إنها العاصمة اليوم. ولكن غدا قد تكون أي مدينة أخرى".
وقبل أيام، أصدرت عمدة المدينة ميريل باوزر أمرا تنفيذيا يطالب المدينة بالتنسيق عن كثب مع سلطات إنفاذ القانون الفدرالية إلى أجل غير مسمى، بينما رأت بعض الجماعات التقدمية أن هذه الخطوة تنازل لترامب. وأوضحت باوزر لاحقا أن الأمر مصمم لتوفير مسار للخروج من حالة الطوارئ الفدرالية عبر تقديم مخرج للإدارة والجمهوريين في الكونغرس لتقليص السيطرة على العاصمة في أقرب وقت ممكن.
مع إشراف الحكومة الفدرالية على الشرطة المحلية حاليا في واشنطن، يقوم المئات من أفراد الحرس الوطني، أغلبهم مسلحون، بدوريات في شوارع المدينة، ويتولى آخرون مهام حراسة وتأمين مبان فدرالية حساسة بقلب العاصمة. بيد أن ذلك لم يردع سكانها عن الخروج مساء كل يوم في الساعة الثامنة، والوقوف على نواصي الشوارع ومطالبة المارة بإطلاق أبواق سياراتهم احتجاجا على ما يقوم به ترامب.
كما يتجمع كثير من سكان العاصمة يوميا أمام البيت الأبيض في جماعات صغيرة العدد يحملون لافتات ويرفعون شعارات معادية لخطوات ترامب. والنشاط الأبرز تمثل في نصب عدد منهم -من المحاربين القدامى- خيم اعتصام خارج كبرى محطات القطار بواشنطن.
ففي الحديقة المقابلة لمدخل محطة يونين ستيشن، التي يستخدمها أغلب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لقربها الشديد من مكاتب أعضاء الكونغرس، تم نصب عدة خيام بعد الحصول على التصاريح المطلوبة من إدارة حدائق ومتنزهات العاصمة.
وكتب النشطاء عبارات "معيبة" بحق ترامب على جوانب الخيم، وهو ما لا يتعارض مع حرية التعبير المنصوص عليها في التعديل الدستوري الأول، كما يوزعون مواد دعائية تهاجمه وسياساته وتطالب بعزله ومحاكمته.
وذكر راندي كيندال، المحارب السابق بالقوات الجوية، أن ما يقوم به الرئيس الأميركي ما هو إلا "استعراض للعضلات الفدرالية لتخويف السلطات القضائية في جميع أنحاء البلاد، وليس من الواضح ما الذي يمكن أن يضع حدا لهذا الأمر، بخلاف تدخل المحاكم أو الكونغرس أو الرفض الشعبي العام والساحق لسيطرة البيت الأبيض على العاصمة".
وأضاف -للجزيرة نت- أن ترامب يستغل الموقف في واشنطن لتحقيق مصالح شخصية وانتخابية له وللجمهوريين. وتساءل "هل يمكن أن ينتهي نشر الجيش في الشوارع؟ في أي وقت سيحدث ذلك؟، هل يمكن أن تصل معدلات الجرائم للصفر كما يطالب ترامب؟ وفي أي نقطة سيتم القول أُنجزت المهمة؟ أم أنها ستستمر إلى ما لا نهاية لأن الجريمة لن تخفض إلى الصفر؟".
ويرفض البيت الأبيض الإجابة عن أسئلة بشأن الجدول الزمني لسحب قوات الحرس الوطني من العاصمة، في حين قالت ويندي جيرالد، وهي من النشطاء المحتجين على سياسات ترامب من أمام البيت الأبيض، للجزيرة نت "أعتقد أن الجمهوريين في الكونغرس لا يمانعون فاشية ترامب وسعيه ليصبح حاكما قويا مثل حكام روسيا والصين وكوريا الشمالية من أصدقائه".
ويعارض بشدة عديد من الديمقراطيين -في الكونغرس والحكومة المحلية- استيلاء ترامب على السلطة، ويصورونه على أنه تهديد للديمقراطية في العاصمة وخارجها.
في حين من المتوقع أن يتم تمديد انتشار قوات الحرس الوطني في واشنطن لما بعد الشهر المحدد قانونا، إذا نال ترامب موافقه الأغلبية الجمهورية بالكونغرس على طلب تمديد وجود الجيش في شوارع العاصمة، حتى ديسمبر/كانون الأول المقبل، على أن يعود الجنود لقضاء عطلات أعياد الميلاد واحتفالات العام الجديد مع عائلاتهم.