عصر الـ27 من سبتمبر 2024، وأطنان من القنابل تعصف بموقع في ضاحية بيروت الجنوبية، 80 طنا بالتحديد.. لحظة ستظل راسخة في ذهن كل مكترث بشؤون منطقة الشرق الأوسط. لتنطلق وقتذاك ساعات من التكهنات حيال مصير حسن نصر الله، الزعيم التاريخي لحزب الله.
في صباح اليوم التالي، لم يكن حزب الله يملك ترف المماطلة أو الانتظار، فالحدث جلل، ولا يحتمل التجاهل، فلم يكن أمام قيادة الحزب من بد إلا أن تصدر بيانًا تؤكد فيه اغتيال الرجل الذي ظل على رأس حزب الله خلفًا لعباس الموسوي، منذ فبراير عام 1992.
اغتيال نصر الله كان بلا أدنى شك حدثا فارقا، ينتمي إلى خانة الأحداث التي لا يكون الحال بعدها كما كان قبلها، وإذ يبعد 10 أيام على حادثة البيجر، وما تخلل تلك الفترة من الزمن من أحداث وهجمات كل واحد منها مفصلي، فإن اغتيال نصر الله كان الضربة القاصمة لحزب الله، ما مهد للعد التنازلي لإذعان الحزب لوقف القتال.
أيًا يكن، كواليس تنفيذ العملية، بما فيها من تفوق تقني، ظلت اللغز الذي حيّر كل مراقب. فكيف تمكنت الموساد من تحديد موقع زعيم أكبر "منظمة غير دولتية" على مستوى الكوكب ككل، وقد راكم حزب الله ما راكمه من خبرات أمنية وقتالية؟!.
حبر كثير سال في الإعلام عما صنعه الموساد وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لاغتيال نصر الله، لكن ما كشفه ضابط في الموساد خلال مراسم تسلم جائزة العام من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ في منزله، للمجموعة التي شاركت باغتيال نصر الله عن فئة أفضل عملية، كان أعظم من كل ما ذكر قبله.
الضابط الذي تحدث في المناسبة قال إن عملاء الموساد كانوا حاضرين في العاصمة اللبنانية بيروت، وعملوا تحت النار اقتباسا لما أدلى به حرفيًا.
الضابط الذي أبقته صحيفة يديعوت أحرونوت مجهول الهوية تحت اسم "ج"، أكد أن التكنولوجيا الرائدة لم تكن لتكفي بحد ذاتها، وقد تطلبت العملية معلومات استخباراتية دقيقة وقدرة عملياتية جريئة، ومجازفة بالأرواح في قلب دولة معادية.
إذاً، استطاع عملاء الموساد أن يجعلوا من بيروت مسرحا لعملياتهم في ذروة سطوة حزب الله وسيطرته الأمنية، وخلال فترة الحرب نفسها، لتنفيذ واحدة من أضخم مهامه..
وتلك بحد ذاتها مفارقة تستأهل التأمل فيها مطولاً، إذا ما أقرنت بما صرّح به خليفة نصرالله، الأمين العام الجديد نعيم قاسم في واحد من خطاباته، الذي أفرد به مساحات كبيرة لنبذ قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة، لاعتبارات عدة، من بينها نتيجة الحرب الأخيرة.
في خطابه قال قاسم بالحرف إنه لولا المقاومة لوصلت إسرائيل إلى بيروت مثلما وصلت إلى دمشق، ثم لم يترك للبس مكانا حيال إغفاله كما يقدم عليه الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية بتصريحه أن إسرائيل لم تتجاوز التلال الخمس التي احتلتها في جنوب لبنان خلال الحرب الأخيرة بسبب وجود المقاومة، بينما كان عملاء الموساد قبل نحو عام في بيروت يضعون اللمسات الأخيرة، لتنفيذ عملية أدت من بين ما أدت إليه إلى تعيينه أمينًا عاما لحزب الله.