في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يشهد الصومال اليوم مرحلة مفصلية في مساره السياسي، إذ بدأ يعيد النظر في تجربة الفدرالية التي تبنّاها في مطلع الألفية الثالثة دون توافق وطني شامل، مما أدى إلى بروز كيانات فدرالية متعثّرة تعاني من انقسامات داخلية وغياب مشروع وطني جامع.
وفي هذا السياق، تُعد ولاية شمال شرق الصومال، المعروفة باسم "خاتمو"، واحدة من أبرز التحولات الجغرافية والسياسية التي قد تُعيد رسم خريطة الفدرالية الصومالية، وتقدّم نموذجا يعكس تطلعات المجتمعات المهمّشة نحو تمثيل عادل وشراكة فعلية في صناعة القرار الوطني.
ونشر مركز "القرن للسلام والتنمية" في مقديشو ورقة تحليلية بعنوان "ولاية شمال شرق الصومال (خاتمو).. نموذج لإعادة هندسة الفدرالية الصومالية"، للأكاديمي والباحث المختص بالشأن الأفريقي عبد القادر غولني.
وتضم خاتمو مناطق "سول" و"سناغ" و"عين"، وهي مناطق ذات دلالة تاريخية خاصة، إذ شكّلت قلب المقاومة ضد الاستعمار البريطاني خلال ثورة الدراويش بقيادة السيد محمد عبد الله حسن (1899-1920) التي كانت أولى حركات التحرر في شرق أفريقيا .
وبعد الاستقلال، لعبت هذه المناطق دورا محوريا في مشروع الوحدة الصومالية، كما شارك أبناؤها في صياغة معالم الدولة الوطنية الحديثة.
غير أن التطورات اللاحقة، خاصة بعد انهيار الدولة المركزية عام 1991، دفعت هذه المناطق إلى هامش المعادلة السياسية، إذ تقاسمتها أرض الصومال (صومالي لاند) و" بونتلاند "، دون تمثيل حقيقي لسكانها.
برزت فكرة خاتمو ككيان فدرالي منذ عام 2009 عبر مؤتمر نيروبي، ثم أعلن تأسيسها رسميا عام 2012 في مدينة تليح التاريخية.
ورغم التحديات التي واجهها المشروع -كضعف الدعم المؤسسي والانقسامات العشائرية-، فإنه عاد بقوة عقب انتفاضة "لاسعانود" عام 2023، حين طرد السكان المحليون قوات "صوماليلاند" من المدينة، في تعبير واضح عن رغبتهم بالانضمام إلى الدولة الفدرالية.
تُوّج هذا الحراك بتأسيس برلمان مؤقت واختيار قيادة سياسية، قبل أن تعترف به رسميا الحكومة الفدرالية في مايو/أيار 2024.
ويحمل اعتراف الدولة الفدرالية بولاية خاتمو دلالات بالغة الأهمية:
رغم الزخم الشعبي والسياسي المصاحب لتأسيسها، تواجه ولاية شمال شرق الصومال عدة تحديات:
يمكن لتجربة ولاية خاتمو أن تكون رافعة لإصلاح النموذج الفدرالي الصومالي:
وبحسب الدراسة، فإن ولاية شمال شرق الصومال خاتمو تُجسّد مشروعا وطنيا واعدا يعكس طموحات أبناء مناطق سول وسناغ وعين في نيل حقوقهم السياسية، والانخراط في بناء الدولة الصومالية.
وإذا ما أُحسن استثمار هذا المشروع عبر دعم حكومي فعّال، وتوسيع القاعدة التمثيلية، وتجاوز التحديات الأمنية والعشائرية، فإن ولاية خاتمو يمكن أن تتحول إلى نقطة انطلاق جديدة لإعادة بناء الفدرالية الصومالية على أسس الشراكة والعدالة والوحدة الوطنية.
وفي وقت تتراجع فيه نماذج فدرالية أخرى، تبقى خاتمو فرصة ذهبية لإعادة بعث الروح في الدولة الصومالية الحديثة، ووضع حد لدوامة الانقسامات والنزاعات التي أنهكت البلاد لأكثر من 3 عقود.