في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كابل- في توقيت حرج تشهده المنطقة، تتصاعد التوترات بين أفغانستان وجيرانها مع إعلان باكستان وإيران عن خطط لترحيل اللاجئين الأفغان، مما يفاقم المعاناة الإنسانية في بلد يعاني أصلا من أزمات اقتصادية وأمنية خانقة.
وفي ظل هذه الظروف، تجد الحكومة التي تقودها حركة طالبان نفسها تحت ضغط داخلي ودولي متزايد للبحث عن حلول عاجلة لهذه الأزمة المعقدة.
وفي محاولة لاحتواء الموقف، أعلن وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة، أمير خان متقي، عن زيارة رسمية مرتقبة إلى إسلام آباد الأسبوع المقبل، في وقت أعلنت فيه باكستان انتهاء صلاحية بطاقات الإقامة المؤقتة "بور" (POR) لنحو 1.45 مليون لاجئ أفغاني.
الزيارة التي تحمل أبعادا دبلوماسية وإنسانية بالغة الحساسية تهدف إلى فتح قنوات حوار مع كبار المسؤولين الباكستانيين لبحث سبل تسوية أزمة اللاجئين، ووقف عمليات الطرد الجماعي، وتأمين عودة كريمة للعائدين.
وتأتي الزيارة تلبية لدعوة وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار خلال زيارته إلى كابل في أبريل/نيسان الماضي، فيما تراهن الحكومة الأفغانية على أن يسهم هذا المسار الدبلوماسي في التخفيف من حدة الأزمة وفتح الباب لتفاهمات أوسع تشمل الأمن الحدودي والتنسيق الإنساني.
تهدف طالبان من خلال الزيارة إلى طرح قضية اللاجئين كملف إنساني بعيدا عن الخلافات السياسية بين البلدين. وتشمل أبرز الملفات المطروحة للنقاش:
ويرى مراقبون أن هذه الزيارة تمثل اختبارا حقيقيا لقدرة كابل وإسلام آباد على تجاوز التوترات المزمنة، إذ تتمسك طالبان باعتبار ملف الجماعات المسلحة شأنا داخليا، بينما تطالب باكستان بضمانات أمنية واضحة.
في نهاية يوليو/تموز 2025، أعلنت وزارة الداخلية الباكستانية عن انتهاء صلاحية بطاقات "PoR"، ما دفعها إلى بدء إجراءات ترحيل نحو 1.45 مليون لاجئ أفغاني.
وجاء القرار بعد أشهر من خطوات مماثلة اتخذتها إيران التي شددت القيود على المقيمين الأفغان، وأثارت هذه التطورات انتقادات حادة من حكومة طالبان، التي اعتبرت قرارات الترحيل انتهاكا للأعراف الدولية والمبادئ الإنسانية.
عبد الرحمن راشد، نائب وزير شؤون اللاجئين وإعادة التوطين الأفغانية، أكد في تصريح للجزيرة نت أن هذه الإجراءات "تهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في أفغانستان". وأضاف: "اللاجئون ليسوا طرفا في النزاعات السياسية، والضغط عليهم سيؤدي إلى تعقيد الأزمة بدل حلها".
تشير بيانات رسمية إلى أن نحو 1.8 مليون أفغاني أعيدوا قسرا من إيران خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بينما رحلت باكستان نحو 184 ألفا و459 لاجئا، وأعادت تركيا أكثر من 5 آلاف منذ مطلع العام، ويظل نحو 6 ملايين أفغاني خارج البلاد، ما يعكس حجم الأزمة الإنسانية المتصاعدة.
هذه العودة الجماعية فاقمت معاناة العائدين الذين يواجهون نقصا حادا في المأوى والغذاء والرعاية الصحية والتعليم، في ظل محدودية قدرة الحكومة على الاستيعاب وضعف البنية التحتية في مناطق الاستقبال.
وتعاني أفغانستان من هشاشة في الاستجابة الإنسانية، إذ يفتقر كثير من مراكز الإيواء المؤقتة إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، وهو ما يثير مخاوف من تفشي الأمراض. كما تعاني المنظمات الإنسانية، بما فيها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من ضعف التمويل مقارنة بحجم الاحتياجات.
فاطمة رضائي، وهي ضمن فرق توزيع المساعدات، قالت للجزيرة نت "هناك عائلات كثيرة لا تجد مأوى أو طعاما كافيا. الأوضاع تزداد صعوبة يوما بعد يوم".
وأضافت رضائي أن التنسيق بين الحكومة والمنظمات الدولية ما زال دون المستوى المطلوب لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
أمام هذه التحديات، تحاول حكومة طالبان امتصاص الضغوط الداخلية والخارجية. وقال المتحدث باسم وزارة شؤون اللاجئين عبد المطلب حقاني إن عمليات الترحيل "غير عادلة"، وإن الحكومة "تعمل مع المجتمع الدولي لتقديم المساعدات وتسريع برامج إعادة التأهيل".
وأكد حقاني في تصريح للجزيرة نت أن كابل تطالب بمنحها الوقت الكافي لإيجاد حلول بديلة تحترم حقوق اللاجئين وتضمن دمجهم تدريجيا في المجتمع.
ويرى محللون أن زيارة أمير خان متقي المقبلة قد تفتح نافذة لتهدئة التوترات إذا أبدت باكستان استعدادا لتقديم تسهيلات إنسانية، لكنها في الوقت ذاته تمثل اختبارا جديدا للعلاقات الثنائية.
واعتبر المحلل السياسي الأفغاني أحمد سعيدي في حديثه للجزيرة نت أن الزيارة "قد تحمل بارقة أمل لتخفيف التوتر، لكنها تحتاج إلى نتائج ملموسة على الأرض حتى يشعر بها اللاجئون".
في المقابل، يواجه العائدون واقعا صعبا، وتقول اللاجئة العائدة عزيزة ملك زاده "عدنا إلى وطننا، لكن لا شيء هنا. لا عمل ولا مدارس للأطفال". هذه الشهادة تلخص مأساة آلاف العائدين الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى أو مصدر رزق في بلد يرزح تحت أزمات متشابكة.