آخر الأخبار

سوريا.. بين التحول الديمقراطي وشبهات المحاصصة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

وسط ترقب محلي ودولي، تسلم الرئيس السوري أحمد الشرع النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، في خطوة توصف بأنها مفصلية ضمن مسار المرحلة الانتقالية.

هذا التطور، الذي يفترض أن يضع لبنات " التحول الديمقراطي"، لم يخلُ من جدل حاد حول طبيعة هذا النظام، ومدى تجاوزه لدعوات المحاصصة الطائفية والمناطقية، وقدرته الفعلية على تمثيل كافة أطياف الشعب السوري.

نسخة نهائية في ظرف غير نهائي

أكد الرئيس أحمد الشرع، في تصريحات مقتضبة عقب تسلمه الوثيقة، على "مواصلة التقدم لضمان مشاركة شاملة تعبّر عن إرادة الشعب السوري"، مشيرا إلى أهمية التأسيس لنظام انتخابي يُراعي الاستحقاقات الوطنية.

أما المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، فاعتبر أن الآلية المطروحة "قد لا تكون مثالية"، لكنها الأنسب للمرحلة الانتقالية، مضيفًا أن اللجنة "تراهن على وعي السوريين ورفضهم للمحاصصة الطائفية والدينية".

بين الواقع والطموح.. شهادة من الداخل

قدّم عضو اللجنة العليا للانتخابات، حسن الدغيم، خلال حديثه الى برنامج " الظهيرة" على سكاي نيوز عربية رواية مفصّلة حول كواليس إعداد النظام، موضحًا أن العمل انطلق من "توطئة مستمزجة" لآراء المواطنين، بعد جولات مكثفة في معظم المحافظات السورية، باستثناء محافظة السويداء التي قال إنه "يجري التنسيق لزيارتها قريبًا".

وأشار إلى أن اللجنة جمعت أوراق عمل وملاحظات من جلسات عامة وخاصة، حرصًا على إشراك مختلف مكونات المجتمع السوري.

وقال الدغيم: "اللجنة راعت في عملها التوزيع الجغرافي والتنوع الثقافي، وحرصت على تشكيل لجان فرعية وفق معايير النزاهة والمصداقية، تضم في تشكيلها ممثلين عن الأكراد، العرب، التركمان، السنة، العلويين، المسيحيين، والإسماعيليين".

ورغم تأكيده على أن هذه "مرحلة انتقالية تتطلب انسجامًا سلطويًا"، إلا أنه شدد على "اتساع قاعدة التشاركية" و"استقلالية مجلس الشعب المنتخب".

وقال: "الثلث الذي سيُعيّنه الرئيس لا يمكن عزله لاحقًا، والمجلس يتمتع بكامل الصلاحيات التشريعية".

جدل التشاركية أم تغليف للمحاصصة؟

ومن جهته انتقد الباحث السياسي محمد هويدي، النظام الانتخابي ووصفه بـ"المشوّه"، مؤكدًا أنه "لا يستند إلى قانون عادل ولا يحظى بشرعية شعبية حقيقية".
وقال هويدي:
"هذه الانتخابات تُدار ضمن إطار مغلق، ولا تحترم المعايير الدولية، وتفتقر لتمثيل الأكراد والدروز والعلويين وبقية مكونات المجتمع السوري".
"الرئيس عيّن اللجنة الانتخابية، وسعيّن ثلث البرلمان، والثلثين الآخرين سيُنتخبون وفق آليات غير شفافة"، معتبرا أن ما يحدث هو "مسرحية سياسية تهدف لتزيين المرحلة الانتقالية".
وشكّك هويدي في جدوى اللقاءات الشعبية التي أجرتها اللجنة، مشيرًا إلى أن "التعيينات خاضعة للولاءات، لا لاعتبارات الكفاءة أو التمثيل المتوازن".

الانتقال الديمقراطي.. المفهوم الملتبس

في قلب النقاش، تتكرر الإشارة إلى أن سوريا تمر بمرحلة انتقالية لا تسمح بتطبيق نموذج ديمقراطي كامل، وهو ما اعتبره الدغيم "سلوكًا طبيعيًا"، لافتًا إلى أن معظم الديمقراطيات في العالم مرّت بمرحلة تأسيس استثنائية.

وقال: "الديمقراطية الراسخة لا تُولد في بيئة انتقالية مضطربة.. نحن نرث تركة ثقيلة من نظام قمعي وأجهزة أمنية، ونسعى لوضع السكة الأساسية للمستقبل الديمقراطي".

لكن هذا المنطق لم يقنع الباحث هويدي، الذي قال: "هذه ليست مرحلة انتقالية بل مرحلة إقصاء مُمأسس.. من تمثيل الكرد والدروز والعلويين، إلى إقصاء السنة المعتدلين. لا وجود لحوار وطني، ولا تواصل مع كل قوى المجتمع".

وأضاف: "حتى حكومة الرئيس الشرع تضم لونًا واحدًا مع بعض الزينة الشكلية"، واصفًا ما يجري بأنه "سلوك سلطوي لا يسعى للوحدة الوطنية بل يكرّس الهيمنة".

بين استيعاب التنوع وتجنب التقسيم

في قلب الجدل يكمن المفهوم الحساس حول "تمثيل المكونات" مقابل "المحاصصة الطائفية". المدافعون عن النظام يرون في التمثيل ضمانة لعدم التهميش، فيما يعتبره آخرون ستارًا لشرعنة الانقسام.

يقول الدغيم: "نحن نرفض المحاصصة. نراعي فقط التوزع الجغرافي والتنوع الثقافي. لا نكرر تجربة لبنان أو العراق الكارثية".

أما النقاد، فيرون العكس. الباحث هويدي قال: "السلطة الانتقالية تستثمر شعار التمثيل للتغطية على المحاصصة. لم نر تمثيلاً حقيقياً، لا في اللجنة ولا في الحكومة".

وأضاف: "السلطة تتذرع بالتنوع لكنها تُقصي المخالفين، وكل التعيينات من لون واحد وولاء واحد".

سياق إقليمي وضغط دولي

الجدل السوري لا يجري بمعزل عن التحولات الإقليمية، خاصة مع توقعات المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويدكوف، بقرب التوصل إلى تسوية في سوريا.

وفي مقابلة مع "فوكس نيوز"، قال ويدكوف إن "الوضع يتجه نحو التهدئة رغم أحداث العنف الأخيرة"، وتوقع انضمام نحو عشر دول جديدة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، ما يعكس تغيرًا في مزاج المنطقة نحو الاستقرار.

في هذا السياق، يبدو أن النظام الانتخابي المؤقت يسعى لطمأنة الداخل والخارج بوجود "نقطة انطلاق" لعملية سياسية شاملة، حتى لو لم تكن مكتملة.

بين الإبداع المحلي والاقتباس العالمي

يرى أنصار النظام أن النموذج السوري في الانتخابات "إبداعي"، لكنه مستوحى من تجارب مثل جنوب إفريقيا وبعض دول أوروبا والولايات المتحدة. حيث تعتمد الآلية على "مجمعات انتخابية" تمثل أعيان المجتمع ومنظمات المجتمع المدني، لا اقتراعًا عامًا مباشرًا.
في المقابل، يشكك النقاد في هذا النهج. يقول هويدي: "نموذج المجمعات ليس ديمقراطيًا، بل يُستخدم لتمرير وجوه موالية للسلطة... ما نحتاجه قانون انتخاب واضح، شفاف، وعادل".

انتخابات على مفترق طريق

بين طموح تأسيس نظام سياسي جديد، وواقع التحديات القانونية والهيكلية، يقف النظام الانتخابي المؤقت في سوريا عند مفترق دقيق.

فهل يكون هذا النظام بداية تحول ديمقراطي حقيقي؟ أم مجرد خطوة تجميلية لتلميع صورة السلطة الانتقالية؟
ما بين دعوات التشاركية وشبهات التعيين، تبقى الإجابة مرهونة بمدى قدرة النظام الجديد على ضمان تمثيل حقيقي بعيد عن المحاصصة والطائفية، ويؤسس لبرلمان قادر على مراقبة السلطة، لا التماهي معها. وبينما تعاني سوريا من إرث 14 عامًا من الحروب والتدخلات، يبقى الرهان الأكبر على وعي السوريين وتطلعاتهم، لا على نوايا اللجنة أو وعود السلطة.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل دونالد ترامب حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا