تونس- أثارت الأحكام القضائية الصادرة، مساء أمس الثلاثاء، فيما يعرف إعلاميا بقضية "التآمر على أمن الدولة 2″، موجة واسعة من التنديد من قيادات ب حركة النهضة وأطراف أخرى من المعارضة في تونس ، وسط تحذيرات من تصفية سياسية ممنهجة تستهدف الحركة التي تعد أكبر الأحزاب السياسية وأشدها معارضة للرئيس قيس سعيد .
فقد قضت المحكمة الابتدائية بتونس، في طورها الابتدائي، بالسجن 14 سنة بحق رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المحلول راشد الغنوشي (84 سنة)، في حين أصدرت أحكاما بالسجن 12 عاما ضد قياديين في الحركة، بينهم رفيق عبد السلام ومعاذ الغنوشي والحبيب اللوز.
وطالت الأحكام مسؤولين أمنيين سابقين منهم عبد الكريم العبيدي، ومحرز الزواري، كما نُطِق بأحكام غيابية بـ35 سنة سجنا ضد عدد من المتهمين المحالين بحالة فرار، مثل مديرة الديوان الرئاسي السابق نادية عكاشة.
وتتعلق القضية بتهم ثقيلة، خاصة ضد قيادات حركة النهضة، من قبيل:
وهي تهم نفتها هيئة الدفاع عن الغنوشي بشكل قاطع، معتبرة أن المحاكمة افتقرت إلى أبسط مقومات العدالة، وتمت بشكل غير معلن وعن بعد، واستندت إلى شهادات سرّية لأشخاص محجوبي الهوية دون أي أدلة وبراهين.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال القيادي بحركة النهضة، رياض الشعيبي، إن هذه الأحكام الجائرة تعكس انخراط القضاء في حملة الشيطنة التي تقودها السلطة ضد المعارضة، مضيفا أن المحاكمات، سواء في قضية التآمر 1 أو التآمر 2، تفتقر لأي اتهامات جدية وأن القضاء تحول إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية.
وأضاف أن ما جرى جزء من خطة ممنهجة بدأت منذ 25 يوليو/تموز 2021، عبر وضع عدد من قيادات النهضة قيد الإقامة الجبرية أو الإيقاف، ثم غلق كل مقرات الحزب دون وجه قانوني في أبريل/نيسان 2023، وصولا لحملة تشويه إعلامية أخيرة زعمت أن الحركة تخطط لاغتيال الرئيس التونسي، وهي حملة وصفها بالكاذبة والتمهيدية لحل الحزب.
وأكد أن الأحكام الصادرة ضد قيادات النهضة ليست سوى جزء من حملة ممنهجة لتصفية المعارضة السياسية، حيث تحول القضاء لأداة بيد السلطة للتنكيل بالمخالفين السياسيين.
وهذه الأحكام -حسب الشعيبي- تأتي في إطار حملة تضليل مستمرة تهدف لتكميم الأفواه وترهيب القوى الوطنية الرافضة للانقلاب والمتمسكة بالمسار الديمقراطي، معتبرا أن القضايا المرفوعة ضد الحركة تفتقر لأي اتهامات جدية، وأن القضاء انخرط بشكل واضح في محاكمات سياسية لا أساس لها من الشرعية القانونية.
ويرى أن السلطة تحاول بهذه المحاكمات السياسية فرض مزيد من الإجراءات القسرية ضد الحركة وربما التوجه لحلها، ويستدرك مؤكدا أن القانون لا يسمح بحل أي حزب إلا بعد صدور أحكام قضائية نهائية باتة، وهو أمر غير متحقق بهذه المرحلة حيث لا تزال الأحكام في طورها الابتدائي وقابلة للطعن.
من جانبه، اعتبر القيادي في النهضة بلقاسم حسن أن السلطة تمضي في تصفية سياسية ممنهجة ضد الحركة، باعتبارها الحزب الذي لا يزال يحظى بقاعدة جماهيرية، رغم ما لاقاه من تضييقات، متسائلا "كيف يمكن الحديث عن مخطط انقلابي تديره النهضة من مقر مغلق منذ سنة وتحت حراسة أمنية مشددة؟".
وأضاف أن الحملات الأخيرة التي شملت تسريبات مزعومة، تثبت وجود نية سياسية مبيتة لإقصاء النهضة من المشهد، واصفا ما يحدث بأنه استئصال سياسي يخدم خصوما أيديولوجيين استعصى عليهم الحزب انتخابيا، فلجؤوا إلى السلطة لإقصائه قضائيا.
وقال للجزيرة نت إن "ما يحدث اليوم هو مواصلة لمسار الإقصاء الذي بدأ منذ 25 يوليو/تموز 2021، عبر تعليق الدستور وحل المؤسسات المنتخبة وإضعاف الأحزاب بالترهيب والإجراءات القسرية.
وأضاف أن الاتهامات الموجهة لقيادات النهضة ليست سوى غطاء قانوني لمحاولة تصفية حزب سياسي قاوم الاستبداد في السابق، ويبدو أنه لا يزال مصدر إزعاج لمنطق الحكم الفردي.
وذكّر القيادي حسن بأن الشعب التونسي لم يكافئ النهضة في صندوق الاقتراع فقط، بل بكل المحطات التي دافع فيها عن حقه في الانتخاب والاختيار، مؤكدا أن تصفية النهضة اليوم هي مقدمة لتصفية كل تعددية سياسية ممكنة.
ولا تقتصر الانتقادات على النهضة وحدها، بل تتقاطع مع مواقف عدد من القوى الديمقراطية التي اعتبرت هذه الأحكام حلقة من مسلسل استهداف أوسع للمعارضة، تواصل بعد محاكمات "التآمر 1" التي شملت شخصيات بارزة مثل الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي.
إضافة للأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والقيادي ب جبهة الخلاص المعارضة جوهر بن مبارك والناشط السياسي خيام التركي، وسبقها صدور أحكام ضد الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بتهم تتعلق بالتآمر والتحريض من الخارج.
وترى هذه الأطراف أن ما بعد 25 يوليو/تموز 2021 أفرز تركيزا مفرطا للسلطة بيد رئيس الجمهورية، عبر إلغاء الدستور، وتعطيل البرلمان، وإضعاف القضاء، والاعتماد على خطاب تخويني تجاه كل معارضة، محملة الرئيس سعيّد مسؤولية ما تصفه بالإجهاز على الانتقال الديمقراطي.
وطالما احتجت جبهة الخلاص المعارضة التي تمثل حركة النهضة أحد أبرز مكوناتها ضد الرئيس الحالي قيس سعيد، مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والعودة إلى الحوار السياسي للخروج من الأزمة الراهنة في البلاد.