في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
القاهرة – بعد قرابة نصف قرن من القطيعة، تعود العلاقات المصرية الإيرانية إلى واجهة النقاش وسط مؤشرات متصاعدة على وجود إرادة مشتركة لإعادة التواصل الثنائي والإقليمي.
يعزز ذلك زيادة وتيرة اللقاءات الدبلوماسية مؤخرا، أحدثها زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للقاهرة أمس الاثنين، والتي أجرى خلالها مع نظيره المصري بدر عبد العاطي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشاورات تناولت العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع في غزة وسوريا ولبنان، فضلا عن أمن الملاحة في البحر الأحمر وتطورات المفاوضات الأميركية الإيرانية.
وفي مؤتمر صحفي بالقاهرة، أكد عبد العاطي أن العلاقات بين البلدين "تتطور مؤخرا بشكل ملحوظ"، في حين قال عراقجي إن مسار تطويرها "بات مفتوحا وأكثر وضوحا من أي وقت مضى"، مشيرًا إلى "وجود بعض العراقيل التي قال إنها "ستُزال خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
يفتح حديث عراقجي الباب لتساؤلات تسعى الجزيرة نت للإجابة عنها، من ذلك رسائل زيارته للقاهرة، وما إذا كانت مصر و إيران على أعتاب تطبيع حقيقي أم أن الأمر مجرد تقارب تفرضه الضرورة، وما طبيعة هذا التقارب وتداعياته على القضايا الثنائية والإقليمية؟
يقول الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي اللواء محمد عبد الواحد إن زيارة عراقجي تحمل رسائل متعددة إلى الغرب، والولايات المتحدة، ودول الخليج، أبرزها:
ويتفق الدبلوماسي المصري رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، مع الطرح السابق، ويرى أن زيارة عراقجي تحمل عدة رسائل وأهدافا مشتركة منها:
إنني سعيد بتواجدي في القاهرة مرةً أخرى. لقد كانت لدي لقاءات مهمة للغاية مع فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومعالي وزير الخارجية بدر عبد العاطي. بعد سنواتٍ طويلة، دخلت الدبلوماسية بين إيران ومصر مرحلةً جديدة. مستوى التفاعل والتعاون السياسي، والأهم من ذلك مستوى الثقة والاطمئنان في… pic.twitter.com/aN3VdWs53S
— Seyed Abbas Araghchi (@araghchi) June 3, 2025
يعتقد اللواء عبد الواحد أن المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية دفعت نحو تقارب "محسوب" بين مصر وإيران، رغم الخلافات القديمة والمتجذرة سياسيا ودينيا، شرط ألا يثير هذا التقارب قلق دول الخليج أو إسرائيل أو الغرب.
وحول طبيعة العراقيل والعوائق التي تعترض هذا التقارب، يشير إلى:
في حين، يشير الدبلوماسي رخا حسن إلى أن طبيعة العراقيل التي تحدث عنها عراقجي لا تزال غير واضحة، ويتساءل إن كان المقصود بها عمليات الحوثي التي تؤثر سلبا على حركة الملاحة البحرية، أم أنها من نوع آخر.
ولفت إلى أن إيران سبق أن حاولت تبرئة نفسها من دعم الحوثيين بشكل مباشر، حيث صرح وزير خارجيتها بأن الحوثيين يتخذون قراراتهم بشكل مستقل، وأن طهران ليست طرفا مباشرا في دعم عملياتهم.
لكن الواقع يشير، حسب رخا، إلى وجود تأثير إيراني واضح، لا سيما في ظل استخدام الحوثيين أسلحة متقدمة يرجح أنهم يحصلون عليها من بلدان صديقة لهم، مشددا على أن تأمين الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس كان -بالتأكيد- أحد الموضوعات الأساسية المطروحة خلال زيارة عراقجي إلى القاهرة.
يرى اللواء عبد الواحد أن هناك مؤشرات إيجابية على إمكانية تطبيع العلاقات بين البلدين، مستندا إلى تكرار الزيارات والتصريحات الرسمية "المتفائلة"، وهي كلها مؤشرات تدل على وجود رغبة متبادلة في تقارب مدروس، وفق قوله.
مع ذلك، يؤكد أن هذا التقارب لن يتم على المدى القصير أو حتى المتوسط نظرا لحساسية الموقف وتشابك المصالح والتحالفات في الإقليم. ويعتقد أن أحد العوامل التي قد تفتح الطريق أمام تطبيع حقيقي هو نجاح المفاوضات النووية وعودة إيران إلى حضن المجتمع الدولي، إلى جانب تخليها عن سياساتها التدخلية في المنطقة، مما قد يشجع القاهرة على اتخاذ خطوات متقدمة.
كما يشكل التقارب الإيراني السعودي عنصرا مشجعا لمصر على المضي في هذا الاتجاه، لا سيما في ظل التحديات المشتركة التي تواجه البلدين، سواء كانت اقتصادية أو متعلقة بتوازن القوى الإقليمي، حسب اللواء عبد الواحد.
كما تطرق إلى وجود عوائق لا يمكن تجاهلها، بينها تحالفات مصر الإقليمية مع دول الخليج، والتي تمثل شراكات إستراتيجية واقتصادية لا يمكن التفريط فيها لصالح تقارب مع طهران، وكذلك اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل الذي يعد جزءا من التوازن الإقليمي، وأي تقارب مصري إيراني قد يفسر بأنه تهديد له.
في المقابل، يرى السفير رخا أحمد حسن أن فرص تجاوز العراقيل قوية وواقعية انطلاقا من قاعدة "المصالح تتصالح"، موضحا أن حجم المصالح المشتركة بين مصر وإيران يتجاوز حجم الخلافات. وأشار إلى تصريحات وزير الخارجية الإيراني التي تحدث فيها عن إمكانية تنمية العلاقات في مجالات التجارة والسياحة، فضلا عن التعاون في قضايا إقليمية كبرى، على رأسها القضية الفلسطينية والحرب على غزة.
وبرأيه، فإن أمن الخليج لا يمكن الحديث عنه بجدية دون إشراك إيران، مما يفتح الباب أمام تعاون مشترك في هذا المجال أيضا، معتبرا أن هذه المصالح المتعددة تمثل دافعا قويا لعودة العلاقات، وأن الوقت قد حان لتحقيق ذلك.
ويعتقد أيضا أن التقارب المصري والإيراني، إلى جانب التقارب مع السعودية ودول الخليج، يشكل ضربة مباشرة للمشاريع الإسرائيلية الهادفة إلى عزل طهران. ويعزز ذلك -حسب المتحدث- أن إسرائيل باتت دولة عدوانية تمارس الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، وتواجه اتهامات أمام المحكمة الجنائية الدولية ، مما أفقدها الكثير من التعاطف الإقليمي والدولي.