منذ أن شهدت مصر حادثاً جديداً لانفجار خط غاز بطريق الواحات، على أطراف القاهرة الكبرى، في الثلاثين من شهر أبريل/نيسان الماضي، ولا تزال البلاد تحصي خسائرها، لا سيما البشرية، جراء هذا الحادث المميت.
وقد تدخلت فرق الإطفاء، واستغرق الأمر بعض الوقت للسيطرة على الحريق، نظراً لشدة اللهب وكثافة الانبعاثات الناتجة عنه.
الانفجار المرعب، بنيرانه وأدخنته الحارقة، أسفر عن سقوط ضحايا ومصابين، إضافة إلى تفحم عدد من السيارات التي تصادف مرورها بمحيط الحريق قرب مدينة 6 أكتوبر، وهي مركز حضري حيوي يشهد توسعاً عمرانياً وصناعياً مكثفاً.
وفيما تتواصل التحقيقات للوقوف على أسباب الحادث، أُعلن عن وفاة ضحية جديدة، وهي شابة في مقتبل العمر، متأثرة بإصاباتها البليغة جراء الحروق التي لحقت بها، لتنضم إلى جدتها التي لقيت مصرعها هي الأخرى في الحادث نفسه قبل أسبوعين.
وعادةً ما تكون الإصابات الناتجة عن تلك الانفجارات العرضية، الناجمة عن تسرب للغاز، خطيرة.
فمن لا يموت بسببها، قد يُكمل حياته – إذا كُتب له النجاة – بإصابة معقدة أو مُعيقة للحياة.
وقد كلفت رئاسة الوزراء لجنة فنية بإجراء تقييم شامل، وأمرت بسرعة تعويض أهالي الضحايا.
وكشف المتحدث باسم وزارة البترول المصرية للإعلام عن بعض التفاصيل بشأن ملابسات الانفجار، موضحاً أنه وقع نتيجة قيام شركة مقاولات بأعمال حفر من دون تنسيق مسبق مع الشركة المسؤولة عن أعمال الغاز الطبيعي في المنطقة. وأشار إلى أن كسراً في خط رئيسي للغاز أدى إلى اشتعاله.
وأكد المتحدث جاهزية الدولة المصرية للتعامل مع هذا النوع من الحوادث، عبر خطة طوارئ معتمدة متعددة الأبعاد، تشمل تأمين الخطوط، وإغلاق محابس التحكم، واستعمال خطوط موازية للخط الرئيسي، وذلك لتقليل التأثير المباشر لتلك الحوادث على حياة المواطنين، وضمان استمرار تلبية الحاجات الإنسانية دون انقطاع. كما نفى أن تكون عملية إخماد الحريق قد استغرقت ساعات طويلة.
لكن بياناً أولياً صدر عن نقابة المهندسين الفرعية بمحافظة الجيزة بشأن الحادث، أفاد من خلال المعاينة الميدانية وشهادات الشهود، بأن خط الغاز تعرض بالفعل للكسر أثناء أعمال الحفر، لكنه رُدم دون إخطار الجهات المعنية، مما أدى إلى تسرب كثيف للغاز.
ولفت البيان – الذي وُصف بـ"الجريء" على مواقع التواصل الاجتماعي – إلى أن تحريات النقابة خلصت إلى أن التسرب استمر ليومين، إذ رُصدت رائحة غاز قوية في صباح اليوم التالي أثناء تنفيذ أعمال أخرى في الموقع، من دون أي تحرك للإبلاغ، ما أدى – بسبب تشبّع الهواء بالغاز، وارتفاع درجات الحرارة، وكثافة المرور – إلى اشتعال النيران واندلاع حرائق ضخمة أودت بحياة عدد من المواطنين وأصابت آخرين بإصابات بالغة.
كما تبين للجنة غيابٌ تام لأي لوحات تحذيرية أو إشارات إرشادية تدل على وجود خط غاز أو طبيعة الأعمال الجارية في الموقع.
ويأتي هذا الحادث ليُضاف إلى سلسلة من الحوادث المميتة المماثلة التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة، والتي أسفرت عن سقوط ضحايا، إلى جانب تبعات وخيمة على البيئة.
وسجَّل وقوع حادثين قريبين، من حيث الزمان أو المكان، من هذا الانفجار الأخير، وكلاهما مرتبط بانفجارات في خطوط الغاز أو النفط.
الأول وقع على بُعد عدة كيلومترات فقط منه قبل بضعة أشهر، أما الثاني – وهو مماثل له في القوة – فقد وقع قبل نحو خمس سنوات على طريق القاهرة–الإسماعيلية.
وتُظهر مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي لحظات وقوع الانفجارين المذكورين.
ففي كانون الثاني/يناير 2025، هزّ انفجار مفاجئ أحد أحياء مدينة 6 أكتوبر، وتسبب في ارتفاع ألسنة اللهب إلى عدة أمتار خلف أحد التجمعات السكنية، وسط دوي هائل أثار الهلع بين السكان، الذين اضطروا لإخلاء منازلهم، خاصة مع انتشار الغاز في الهواء، مما شكّل خطراً إضافياً.
وأسفر الحادث عن حالة وفاة واحدة، رغم أن فرق الإطفاء والشرطة هرعت إلى موقع الانفجار لمنع امتداده إلى المناطق السكنية المجاورة.
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن الانفجار نجم عن سقوط كابلات كهربائية على خط غاز.
وقبل أربع سنوات، نشب حريقٌ مفاجئ وضخم على الطريق الصحراوي الذي يربط العاصمة القاهرة بمدينة الإسماعيلية.
وكان واضحاً من شكل الحريق المشتعل في الجو، ومن أعمدة الدخان التي غطّت السماء، أنه ناجم عن تسرّب للغاز، وهو ما أبلغ عنه السكان.
وقد أوضحت آنذاك وزارة البترول المصرية أن الحادث نجم عن كسر في أنبوب شقير–مسطرد الذي ينقل الخامات النفطية.
وبالطبع، كانت هناك كلفة إنسانية لهذا الحريق أيضاً، إذ أسفر عن إصابة عدد من السكان، بالإضافة إلى تدمير عشرات السيارات، وتضرر عدد من المحال التجارية في المنطقة المنكوبة.
كذلك أسفر الحادث عن حالة من الهلع استمرت لساعات بين السكان، وعن جزيئات نواتج الحريق الغازية والذرات الغبارية التي ظلّت، بعد الحادث، منبعثة في المكان بتركيزات عالية يمكن استشعارها لفترة من الزمن.
وفي كل مرة، ومع كل حادثة، تُثار التساؤلات – في حال استُبعدت شبهة العمل التخريبي أو الإتلاف الجنائي المتعمّد – حول كفاءة إجراءات السلامة في مصر، ومدى الالتزام بها أو الجهل بمتطلباتها، فضلًا عن إهمال الرقابة على تلك المواقع.
تُعدّ الحرائق الناتجة عن تسرب الغاز أو أي مادة خطرة، مثل المواد الكيميائية أو النفطية، أشد خطورة من تلك الناجمة عن خلل كهربائي.
فهي أسرع من حيث الانتشار، وتسخّن الموقع بسرعة، وغالباً ما تحدث نتيجة تسرب الغاز لفترة طويلة في بيئة مفتوحة.
كما تتصاعد منها ألسنة لهب كثيفة، تصاحبها سحب دخانية، وقد تنبعث منها مواد سامة وحارقة، ما يؤدي إلى تراكم الأبخرة السامة في الهواء بالسرعة نفسها.
وتعتمد سهولة إخمادها، في المقابل، على شدة الحريق ومساحته، وعلى نوع الغاز وخصائصه وضغطه، فضلاً عن وجود مواد أخرى قابلة للاشتعال في الجوار.
تنحصر الأسباب الشائعة لانفجارات خطوط الأنابيب في مجموعة محدودة من العوامل، تشمل ما يلي:
- تقادم البنية التحتية: إذ قد تتعرض الأنابيب للتلف في هياكلها مع مرور الوقت، بفعل الاستخدام المتكرر، والرطوبة، ودرجات الحرارة المتقلبة، ما يؤدي إلى تشققات أو تسربات. ومن دون عمليات تفتيش منتظمة، قد لا تُكتشف هذه المشكلات في وقت مبكر، مما قد يؤدي إلى تصدعات أو انفجارات كارثية.
- المعدات المعيبة وسوء الصيانة: العيوب في الإنشاء وسوء التصنيع أو استخدام مواد رديئة الجودة أثناء التركيب تُعد من أبرز أسباب المخاطر. ويمكن تفادي هذه المشكلات باستخدام مواد عالية الجودة، مركبة بشكل صحيح، تضمن استدامة البنية التحتية.
- الضغط الزائد في خط الأنابيب: وهو غالباً ما ينتج عن انسدادات، أو ارتفاعات مفاجئة في التدفق، أو خلل في تنظيم الضغط داخل الخط.
- الأضرار الخارجية: تحدث عند استخدام الآلات الثقيلة للحفر في التربة، مما قد يتسبب في تصدعات أو شقوق تصيب الصمامات أو الموصلات. وقد تبدأ هذه الأضرار كتسربات صغيرة، لكن في حال إهمالها وعدم إصلاحها فوراً، قد تتحول إلى تسربات كبيرة تؤدي في النهاية إلى انفجارات مدمرة.
-الخطأ البشري: يمكن أن تتسبب الأخطاء أثناء تشغيل خطوط الأنابيب، مثل ضعف التحكم في الضغط، أو سوء الصيانة، أو عدم الالتزام بلوائح السلامة، في وقوع انفجارات. كما أن نقص التدريب أو ضعف اتخاذ القرار أو غياب تدابير السلامة يزيد من احتمالية وقوع كوارث ناتجة عن الخطأ البشري.
إن تحديد الأسباب الشائعة وراء هذه الانفجارات والعواقب المترتبة عليها يُعد جزءاً أساسياً من الحل، إذ يتيح إمكانية معالجتها والوقاية منها لتجنب المواقف الخطرة المحتملة.
ويمكن دائماً للإجراءات الوقائية، مثل الصيانة الدورية، واستخدام المعدات المناسبة، والالتزام الصارم بمتطلبات السلامة والإرشادات، أن تضمن كفاءة عمل خطوط الأنابيب، وتُقلل من خطر الانفجارات، بما يحفظ الأرواح ويحمي الأصول القيّمة.
فإلى جانب التأثير البشري والبيئي، لا يمكن إغفال الأثر الاقتصادي البالغ لهذه الكوارث.
هذا وعلى خلفية حادثة طريق الواحات، وجه أحد النواب طلبَ إحاطة إلى المسؤولين بكل من وزارة الإسكان والمرافق وبوزارة البترول بشأن الضوابط والإجراءات المتبعة لتأمين خطوط الغاز الطبيعي في مصر.