آخر الأخبار

السودان: المجد للبندقية أم لإطارات السيارات المحروقة؟

شارك
مصدر الصورة

أثارت تصريحات أطلقها رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان ردود أفعال متباينة، وإن كانت أغلبها غاضبة ومستَنكَرَة وسط قوى الثورة والأوساط السياسية والاجتماعية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

وخلال حديثه في مؤتمر عن إصلاح الخدمة المدنية في مدينة بورتسودان – العاصمة الإدارية المؤقتة – ألمح البرهان إلى انتهاء فترة الاحتجاج السلمي وبدء العمل المسلح عندما قال: "صحيح أن التجربة علمتنا الإضرابات والتظاهرات وترك العمل والعصيان المدني، وهي تتعارض مع قوانين الخدمة المدنية... وهذا الكلام وقته وزمنه قد ولّى مع الجماعة الذين يقولون المجد للساتك (إطارات السيارات المحروقة التي يستخدمها الثوار للاحتجاج)". وأضاف في لهجة حاسمة "ما في مجد للساتك مرة أخرى.. المجد للبندقية فقط".

وفي الوقت الذي قوبلت فيه تصريحات البرهان بالتصفيق والحماسة في القاعة، اشتعلت منصات وسائل التواصل الاجتماعي بانتقادات حادة وردود أفعال متباينة بدأت بالظهور بعد ساعات من حديثه.

وقد صعد البرهان إلى السلطة وأصبح رئيساً لمجلس السيادة عام 2019 بعد ثورة شعبية استمرت لأشهر وأطاحت بالرئيس المعزول عمر البشير، وكان المحتجون السلميون الذين يغلب عليهم عنصر الشباب يستخدمون إطارات السيارات ويشعلون فيها النيران كواحدة من وسائل الاحتجاج، وأصبحت الإطارات المحروقة والتي يطلق عليها اسم " اللساتك" بمثابة أيقونة للمحتجين.

وأطاح البرهان بالحكومة الانتقالية التي كان يرأسها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عبر انقلاب عسكري في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021 بعد أن قال إن الخطوة التي وصفها بالتصحيحية تهدف إلى منع انزلاق البلاد نحو الفوضى.

وفي أبريل/ نيسان 2023 اندلعت حرب دموية بين الجيش السوداني الذي يقوده البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها نائبه السابق الفريق محمد حمدان دقلو.

وأدت الحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها أسوأ كارثة إنسانية في العالم إلى مقتل الآلاف وتشريد أكثر من 14 مليون شخص من مناطقهم بالإضافة إلى دمار هائل وغير مسبوق في البنية التحتية.

مصدر الصورة

وفي أعقاب تصريحات البرهان أصدرت العديد من لجان المقاومة، وهي شبكات غير رسمية أسسها المحتجون ضد نظام عمر البشير، وأحزاب سياسية وتجمعات نقابية، بيانات نددت فيها بتصريحات البرهان واعتبرتها مؤشراً على نيته بإنهاء فترة الثورة.

وقالت لجان مقاومة الخرطوم في بيان "نرفض تصريحات القائد العام للجيش الفريق عبد الفتاح البرهان التي تتنصل من مسؤولياته في إيصال البلاد إلى ما هي عليه الآن.. ونعتبرها استمراراً في منهج المراوغة والتضليل الذي عُرف به منذ قدومه إلى السلطة عام 2019. كما نذكّر القائد أن اللساتك والثورة لا سواهما هما من أتوا به إلى منصبه بعد ان احتمى بوهج الشارع وردد شعارات الثورة".

وأضافت اللجان: "نؤكد أنّ الثورة مستمرة، وأننا لن نسمح بطمس ذاكرة الشعب، ولن نصمت أمام محاولات القفز على دماء الشهداء".

ومع أن لجان المقاومة بمدينة الفاشر بشمال دارفور التي تتعرض لحصارٍ مطبقٍ من قبل قوات الدعم السريع، أعلنت انحيازها للجيش والقوات المتحالفة معه إلا أنها هي الأخرى استنكرت تصريحات قائد الجيش.

وقالت في بيان لها "اليوم حين عاد الخطر من بوابة الغزو، لم يُدعَ الثوار إلى السلاح بل لبّوا النداء من تلقاء أنفسهم لا بأمر حزب ولا بتحريض مصلحة، رفعوا السلاح بذات اليد التي رفعت اللساتك يوماً لأن الوطن مهدد، ولأن الدولة في خطر ولأن الشعب الذي خرج من أجل كرامته، لا يجب أن يُسحق تحت أقدام من لا يعرف معنى الوطن ، وموقفهم هو بقاء الدولة، لم يرفعوا السلاح من أجل سلطة بل من أجل استمرارية السودان، من أجل حفظ ترابه من أجل ألا نُصبح لاجئين في أرضٍ كنا يوماً نحلم أن نُعمّرها".

كما عبّر قادة المحتجون والسياسيون الذين شاركوا البرهان السلطة خلال فترة الحكومة الانتقالية عن استيائهم من حديث قائد الجيش.

وقال رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – الكتلة الثورية ياسر عرمان "المجد للساتك.. ونعم لثورة ديسمبر ولا لحرب أبريل".

ووصفت التنسيقية النسوية الموحدة لوقف الحرب، وهي تحالف نسوي مناهض للحرب، تصريحات البرهان بأنها "محاولة للقفز فوق الحقائق وتجريم الثورة وتنصّلٌ من مسؤوليته في إيصال البلاد إلى ما هي عليه الآن".

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في السودان وسم "المجد للساتك" بشكل واسع، خصوصاً على فيسبوك، بعد تصريحات قائد الجيش.

وتداول المستخدمون صوراً ومقاطع لإطارات محترقة ومتظاهرين في شوارع الخرطوم، في استدعاء لرموز الاحتجاجات السابقة.

وقالت الإعلامية سلافة أبو ضفيرة " البرهان لسه خايف من اللساتك.. المجد للساتك.. المجد للجيل الراكب راس".

اما محمد الشيخ الخضر فقد دوّن يقول " المجد للساتك البقتك رئيس مجلس السيادة وحايم بين الدول.. المجد لإطارات السيارات التي جعلتك رئيساً لمجلس السيادة وتزور الدول".

مصدر الصورة

في المقابل، وجدت تصريحات البرهان استحساناً من قبل البعض.

ومن بينهم الصحافي والكاتب محمد المبروك الذي كتب يقول: "البلهاء القاموا في هاشتاق المجد للساتك ديل عطالي استفزهم حديث البرهان عن ضرورة الانخراط في العمل بدل التسكع في الميديا وتوهم النضال... مجرد كتابة على حائط الفيسبوك كي يبدو الواحد منهم مناضلاً مغواراً وهو في الواقع عاطل وفاشل وباهت وموهوم".

وكتب المصباح أبو زيد، وهو قائد كتيبة البراء بن مالك والمحسوبة على الإسلاميين والمتحالفة مع الجيش: "السيد القائد العام الفريق أول ركـن البرهان مفعل وضع "بـل الكل" ونحن بنقول ليهو أرمي قدام ونحن خلفك نبايعك على السمع والطاعة في البل". وكلمة (بل) تعني هنا الاستمرار في القتال وعدم الركون إلى التفاوض.

وأبدى عبد المحمود الصافي استعداده للوقوف مع الجيش "نحن مع الجيش لي يوم القيامة والمجد للبنادق".

وأيّد الصحافي بابكر يحي حديث البرهان واعتبره بمثابة إعلان فترة جديدة في الحكم، وقال:

"ظهر البرهان اليوم واضح البيان والخطاب والفعل.. ففي البيان رفض منهج التخريب الذي أسست له قحت عندما قال لن نسمح بعودة إحراق اللساتك والفوضى.. وعندما قال (المجد للبندقية).. نعم البندقية هي من يستحق التمجيد والسيف أصدق أنباءً من الكتب وفي حده الحد بين الجد واللعب". و قحت هي قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان.

في حين قالت واداة حسن " إذا كان في محمدة يشكر عليها البرهان، فهي انتزاع السلطة من جماعة المجد للساتك والشجون الصغري".

مصطفى حمزة قال: "البرهان المجد للبندقية.. نحن نقول له بكل شجاعة المجد للثوار الأحرار".

البعض لجأ إلى تقديم النصح لقائد الجيش، كما فعلت مهجة أبو القاسم عندما دونت على صفحتها، وقالت: "والله التصريحات الأخيرة للقائد الأعلى للقوات المسلحة ما في ليها داعي في الوقت الراهن دا لانو أبناء ديسمبر وأبناء اللساتك ديل معاك في خندق واحد وداخل المعركة".

مصدر الصورة

في الواقع، انضم الكثير من الثوار الذين تظاهروا ضد البشير، والبرهان بعد انقلابه على السلطة، للجيش عندما اندلعت الحرب في السودان وقاتلوا إلى جانبه ضد قوات الدعم السريع بعد أن تلقوا تدريباً عسكرياً.

من بين هؤلاء علي إبراهيم – اسم مستعار - الذي كان من بين الشباب الذين تظاهروا ضد نظام البشير، وبعدها ضد حكومة البرهان بعد انقلابه على الحكومة المدنية.

وقال لبي بي سي إنه شارك في معظم التظاهرات طوال أشهر سعياً لإقامة دولة مدنية، ومطالباً بتشكيل جيش قومي وتفكيك "الجنجويد" ويعني به قوات الدعم السريع.

وقرر الانضمام إلى الجيش بعد اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع، وأصبح مقاتلاً بعد أن تلقى تدريبات عسكرية "ما دفعني للانضمام للجيش هو رغبتي في القضاء على قوات الدعم السريع التي حولت الحرب ضد المواطن وبدأت انتهاكات كبيرة ضد السكان العزل".

واعتبر تصريحات البرهان غير موفقة وتقليل من قيمة الثورة التي كان شريكاً لها، بحسب تعبيره، "لولا اللساتك لما كان البرهان رئيساً لمجلس السيادة".

ويري الخبير العسكري اللواء متقاعد عبد الله أبو قرون تصريحات قائد الجيش بأنها طبيعية ومطلوبة إذا فهمت في سياقها الذي قيلت فيه.

ويشرح وجهة نظره خلال حديثه مع بي بي سي، قائلاً: "حديث البرهان جاء خلال نشاط متعلق بإصلاح الخدمة المدنية، وكان يريد أن يلفت الانتباه إلي الوضع الذي آلت اليه الأمور خلال فترة الحكومة الانتقالية عندما ضربت الفوضى بأطنابها معظم دواوين الدولة، وتعطل سير العمل بسبب المظاهرات والاضرابات والعصيان المدني".

ومضى يقول: " لا اعتقد أن البرهان يسعى إلى الانقلاب على الثورة والثوار، ولكنه يريد حث الجميع على العمل بجدية خلال الفترة المقبلة".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا