أعلنت وزارة الصحة العراقية تسجيل وفاتين بمرض الحمى النزفية بينهما منتسب لوزارة الصحة وتسجيل 14 إصابة جديدة منذ بداية العام الحالي.
وعادت التحذيرات الطبية بشأن الحمّى النزفية الفيروسية إلى الواجهة، في ظل ما تشهده بعض الدول من تسجيل إصاباتٍ جديدة، ووسط قلقٍ متصاعد من احتمال تجدد الفاشيات، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف أنظمة الصحة العامة.
ورغم أن المصطلح يشير إلى مجموعةٍ من الأمراض الفيروسية الخطيرة، إلا أنها تتشابه في خصائص وبائيةٍ رئيسية، أبرزها سرعة الانتقال، وغياب العلاج النوعي، وارتفاع معدلات الوفاة في كثيرٍ من الحالات.
الحمّى النزفية ليست مرضاً واحداً، بل تصنيفاً طبياً يشمل عدّة أمراضٍ تسببها فيروسات تنتمي إلى أربع عائلاتٍ رئيسية، وتضم هذه المجموعة أمراضاً مثل: حمى الإيبولا، حمى القرم–الكونغو النزفية، حمى الضنك، الحمى الصفراء، وحمى لاسّا وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
ولكل منها بيئة جغرافية وناقِل حيواني أو حشري خاص به، غير أن القاسم المشترك هو تسببها في التهاباتٍ حادة قد تؤدي إلى نزيفٍ داخلي وخارجي وتهدد الحياة، بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركية.
وتقول جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، إن أعراض هذه الأمراض تبدأ عادةً بارتفاعٍ في درجة الحرارة، وآلامٍ في المفاصل والعضلات، وصداعٍ شديد، لكنها قد تتطوّر سريعاً إلى نزيفٍ من الأغشية المخاطية أو تحت الجلد أو من الأعضاء الداخلية، وقد يصاحبها هبوطٌ في ضغط الدم أو فشلٌ في أجهزة الجسم.
وفي الحالات الحادة، قد تؤدي إلى الوفاة خلال أيامٍ معدودة من ظهور الأعراض.
جغرافياً، تنتشر الحمى النزفية الفيروسية في مناطقَ واسعة، ففي جنوب الصحراء الكبرى تتركز أمراضٌ مثل الإيبولا والحمّى الصفراء، بينما تسجل نيجيريا تفشياتٍ دورية لحمى لاسّا.
وفي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تنتشر حمى القرم–الكونغو النزفية، في دولٍ مثل العراق وتركيا وإيران، أما حمى الضنك فتسجَّل بأعدادٍ كبيرة في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.
وتتعدّد طرق انتقال هذه الأمراض بحسب الفيروس، فبعضها يُنقل عبر الحشرات كالقراد والبعوض، بينما ينتقل البعض الآخر من خلال الاتصال المباشر بالحيوانات المصابة أو التعامل مع جثثٍ بشرية أثناء طقوس الدفن، كما هو الحال مع الإيبولا.
وتساهم بعض الممارسات التقليدية في ذبح الحيوانات، أو غياب أدوات الوقاية في المرافق الطبية، في تسريع تفشّي الأوبئة بحسب منظمة الصحة العالمية.
في العراق، على سبيل المثال، شهدت البلاد في عام 2023 أكبر تفشٍّ لحمى القرم–الكونغو النزفية، مع تسجيل أكثر من 229 إصابةً مؤكدة و36 وفاة، وفق بيانات وزارة الصحة العراقية.
ورغم أن المرض متوطنٌ في العراق منذ أواخر السبعينيات، إلا أن التفشي الأخير للمرض كان الأعلى منذ عقود، خاصة مع ظهوره في أوساط مربي المواشي والعاملين في المسالخ، ما أثار مخاوفَ جدية بشأن قدرة النظام الصحي على احتواء العدوى في حال توسع نطاقها، بحسب وزارة الصحة العراقية.
وليست هذه الحالة استثناء، ففي أكبر تفشٍّ لفيروس الإيبولا بين عامي 2014 و2016، شهدت دول غرب أفريقيا، وعلى رأسها ليبيريا وسيراليون وغينيا، وفاة أكثر من 11 ألف شخصٍ من أصل نحو 28 ألف إصابة، في أزمةٍ صحية اعتُبرت الأخطر منذ بداية القرن، وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية عن تفشي الإيبولا.
وتنبع خطورة هذه الأمراض من عدّة عوامل، أبرزها غياب لقاحاتٍ فعالة باستثناء الحمى الصفراء، وصعوبة التشخيص المبكر نظراً لتشابه الأعراض مع أمراضٍ أخرى كالتيفوئيد أو الملاريا، إلى جانب ضعف أنظمة الرصد الوبائي، خاصة في المناطق الريفية أو الفقيرة.
وتوصي منظمة الصحة العالمية بتعزيز إجراءات الوقاية، من خلال مكافحة نواقل العدوى مثل القراد والبعوض، وتطبيق معايير السلامة في المستشفيات، وتوفير معدات الحماية الشخصية للعاملين في القطاع الصحي، إضافة إلى تثقيف المجتمعات حول طرق الانتقال، خصوصاً في المناطق التي تعتمد على الزراعة وتربية الحيوانات.
ورغم الجهود المتواصلة لتطوير لقاحاتٍ وعلاجاتٍ مضادة، لا تزال معظم هذه الأمراض تُدار فقط عبر الرعاية الداعمة، مثل تنظيم السوائل، والسيطرة على النزيف، ومعالجة المضاعفات.
وقد أظهرت بعض الدراسات نتائجَ واعدة لاستخدام دواء "ريبافيرين" في حالاتٍ محددة كحمى لاسّا، لكن فعاليته ما تزال محدودة في أمراضٍ أخرى كالإيبولا أو حمى القرم–الكونغو، وذلك بحسب دراسة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
ومع ازدياد التغيرات المناخية واتساع النشاط البشري في البيئات البرية، يبقى خطر الفيروسات النزفية قائماً، ومنع تكرار فاشياتٍ كارثية مستقبلاً يتطلّب، وفقاً لدراسة منشورة في مجلة لانسيت الطبية، استثماراتٍ حقيقية في البنية الصحية، وتطوير أنظمة إنذارٍ مبكر، وتعزيز البحث العلمي، إلى جانب تعاونٍ دولي فعّال في مجال الاستجابة للأوبئة.