في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
القدس المحتلة- أبقى قرار المحكمة العليا الإسرائيلية على مشهد الصراع بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس جهاز الأمن الداخلي ( الشاباك ) رونين بار ، وذلك بعد أن أصدرت قاضية المحكمة غيلا كنافي شتاينميتس، اليوم الجمعة، أمرا احترازيا بتجميد قرار الحكومة إقالة بار من منصبه، وذلك خلال التداول في 5 التماسات قدمتها أحزاب المعارضة وجمعيات مدنية ضد القرار.
وتقرر تجميد إقالة بار إلى حين البت في الالتماسات حتى موعد أقصاه الثامن من أبريل/نيسان المقبل، إذ طالبت المحكمة الحكومة بالرد عليها حتى الاثنين المقبل.
ويعزز هذا الأمر الصراع في إسرائيل ويعمق الشرخ المجتمعي والاستقطاب السياسي، خصوصا في ظل تلميحات نتنياهو إلى عدم الامتثال لقرار المحكمة، لا سيما أن رئيس الشاباك يحظى بورقة الضغط الجماهيري والالتفاف الشعبي، علما أنه لا توجد أي قوة أو صلاحية تلزم رئيس الوزراء بتنفيذ القرار.
وردّ وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على القرار -في منشور على منصة إكس- وكتب "قضاة المحكمة العليا لن يديروا الحرب ولن يحددوا قادتها"، بينما كتب وزير الداخلية موشيه أربيل "الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو لن تنتهك قرارات المحكمة". ولم يشارك أربيل -إلى جانب وزيرين آخرين من حزب شاس- في التصويت على إقالة بار.
وكتب وزير الاتصالات شلومو كرعي أيضا: "سيدتي القاضية شتاينميتس، سينهي رونين بار ولايته في العاشر من أبريل/نيسان المقبل أو قبل ذلك، بتعيين رئيس دائم للشاباك. ليس لديك أي سلطة قانونية للتدخل في هذا. هذه سلطة الحكومة وحدها. قرارك باطل. انتهى الأمر. الشعب هو صاحب السيادة".
وفي رسالة قصيرة أرسلتها المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا إلى نتنياهو، أوضحت أن منصب رئيس الاستخبارات "ليس خادما لرئيس الوزراء". كذلك أشار بار نفسه في رده على إعلان إقالته إلى أن "توقع رئيس الوزراء لضرورة توفر الثقة الشخصية يتناقض مع المصلحة العامة، وهو أمر خاطئ وغير قانوني بشكل أساسي".
والواقع أن الخوف الكبير الذي يراود أنصار حركة "الديمقراطية الآن"، ليس أن بار -الذي يتحمل أيضا مسؤولية الفشل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والإخفاق في منع معركة " طوفان الأقصى "- سينهي منصبه، بل أن نتنياهو سيعين محله في هذا المنصب الحساس والمهم شخصا مطيعا يكون مخلصا لرئيس الوزراء، بدلا من أن يكون مخلصا للقانون والجمهور، وبهذه الطريقة يستكمل نتنياهو سيطرته على جهاز الأمن العام.
وأجمع محللون على أن تعيين رئيس الشاباك بناء على الولاء قد يعرض النظام الديمقراطي والحريات الفردية والمدنية للخطر، وعزوا ذلك إلى الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها جهاز الاستخبارات في المراقبة وانتهاك الخصوصية وإجراء التحقيقات، وهي الصلاحيات التي من شأنها أن تخدم رئيس الوزراء، وقد يساء استغلالها واستخدامها.
وأوضحوا أن جهاز الشاباك مع الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها قد يوظف لأغراض وأهداف بعيدة كل البعد عن إحباط العمليات المسلحة أو المساس بأمن الدولة، مما قد يشكل إغراء كبيرا لرئيس الوزراء في استغلال هذه الصلاحيات لخدمة مصالحه، وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بحقوق الأقليات أو أولئك الذين يعارضون الحكومة وينتقدونها.
ما يقوم به رئيس الوزراء للتغطية على فشله في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفقا لقراءات المحللين والباحثين، هو عملية بيع وتصفية الدولة، وذلك من خلال الإطاحة بكل معارضيه سياسيا وأمنيا وعسكريا وقضائيا، وهو عمليا يقوض إسرائيل كنظام ديمقراطي تحكمها مؤسسات، بأن تتحول إلى "مملكة نتنياهو".
يؤكد الأستاذ عميحاي كوهين، الباحث في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، والمحاضر في كلية "أونو" الأكاديمية، أن نقطة انطلاق النقاش هي أن توقُع ولاء رئيس الشاباك وطاعته لرئيس الوزراء يتعارض مع متطلبات المنصب كما هي في قانون جهاز الأمن العام لعام 2002، حيث تنص المادة 4 (ج) من القانون على أن "الجهاز يعمل على مستوى الدولة، ولا يجوز تكليفه بمهمة تعزيز المصالح الحزبية السياسية".
وفي تقدير موقف صادر عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، يقول كوهين إن "رئيس الشاباك يملك بموجب القانون صلاحيات لوضع حدود لسلطة رئيس الوزراء والقيادة السياسية"، وهو القيد الناتج عن حقيقة أن الشاباك يمتلك قدرات مهمة داخل إسرائيل، وبالتالي هناك قلق ومخاوف من أن أي رئيس وزراء سيحاول استغلالها سياسيا.
ويذكر كوهين أن "رئيس الوزراء السابق ديفيد بن غوريون استخدم جهاز الشاباك لمراقبة معارضيه السياسيين"، مضيفا أن رئيس الشاباك السابق يورام كوهين ، وصف في إحدى مقابلاته كيف طلب منه نتنياهو التحقيق في التسريبات، لكنه وضع له حدا، وأوضح له أن هذا ليس من ضمن نطاق عمله.
ويتابع "بالتالي، كلما كان رئيس جهاز الشاباك خاضعا أكثر وقام بكل ما يطلبه منه رئيس الوزراء، كان أقل التزاما بواجبه وفقا للقانون".
القراءة ذاتها استعرضها المحامي جيل غان مور، مدير وحدة الحقوق الاجتماعية في جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، قائلا إن "الإغراء الذي قد يدفع رئيس الوزراء، وهو سياسي قبل كل شيء، إلى استخدام صلاحيات الشاباك كبير في ضوء القوة التي يتمتع بها الجهاز".
في حديثه لصحيفة هآرتس، أوضح غان مور أن قانون الشاباك غامض ويتضمن عديدا من المصطلحات التي يمكن تفسيرها على نطاق واسع. لذلك كما يقول "يمكن استخدامه لأغراض بعيدة كل البعد عن إحباط أو المساس بأمن الدولة، فالجهاز مسؤول عن الكشف عن أسرار الدولة، وهذا يدفع رئيس الوزراء بإصدار تعليمات له بإجراء عمليات مراقبة على صحفيين نشروا معلومات محرجة ضد الحكومة".
ويضيف أنه يُعهد إلى جهاز الشاباك أيضا صلاحيات تولي الحراسة وأمن رئيس الحكومة ووزراء وشخصيات أخرى رفيعة المستوى، وهذا من شأنه أن يسمح، على ما يبدو، بإصدار تعليمات لمراقبة وملاحقة المتظاهرين، بحجة أنهم يعرضون أمن وسلامة الجمهور للخطر.
ووفقا للمحامي غان مور، قد يأمر رئيس الوزراء الشاباك بالتحقيق والتجسس على أحزاب المعارضة أو المنظمات غير الربحية، بحجة منع التخريب ومكافحة الإرهاب، و"هو مصطلح غامض آخر يرد في القانون، ويمكن أن يشمل أشكالا عديدة من معارضة الحكومة". ويرى أن الخطر يكمن في أن رئيس الشاباك، "الذي سينتخب على أساس الولاء السياسي، سينفذ هذه المهام المشبوهة دون تردد".
وذلك يعزز هذه المخاطر حيال هيمنة وسيطرة رئيس الوزراء على جهاز الاستخبارات، وفق قراءة الدكتور أفنير برنياع المسؤول الكبير السابق في جهاز الشاباك، الذي يعمل باحثا في مركز "دراسات الأمن القومي" في جامعة حيفا ، والذي أعرب عن خوفه وقلقه إزاء قرار نتنياهو إقالة بار، ووصفها بـ"الزلزال السياسي".
وأضاف برنياع -لصحيفة دي ماركر- أن "أي شخص في إسرائيل يفكر بشكل مختلف عن الحكومة أو المحيطين برئيس الوزراء، ويريد تغيير الواقع السياسي، أو استبدال نتنياهو أو إقالته، يجب أن يشعر بالخوف. للشاباك وسائل لا حصر لها، وإذا قرروا استخدامها، فإن إسرائيل التي عرفناها ستزول، ولن نتمكن من العيش بها".
ويوضح أنه "وفقا لقانون الشاباك، يمكن لرئيس الوزراء أن يقدم مرشحا من أي مكان، وأن يفعل ما يخطر بباله، مما يعني الانتقال من دولة ديمقراطية تحترم الحرية الفردية وحرية التعبير، إلى دولة تسيطر عليها شرطة سرية تستطيع من خلال وسائل لا نهاية لها تعقب جميع المواطنين والاستماع إليهم ورصد تحركاتهم".
وتعزيزا لهذا الطرح، كتب المحلل العسكري في صحيفة معاريف، آفي أشكنازي، مقالا بعنوان "باسم الأب والابن والزوجة: دولة إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح مملكة نتنياهو"، مستعرضا الإجراءات التي يقوم بها نتنياهو لضمان البقاء على كرسي رئاسة الوزراء، قائلا إن "قرار إقالة بار هو خطوة أخرى في بناء الدكتاتورية الإسرائيلية".
وأوضح أن نتنياهو والقيادة السياسية ليسا أقل مسؤولية عن فشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول من وزير الدفاع السابق يوآف غالانت ، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي ، ورئيس الشاباك بار، ورئيس الاستخبارات العسكرية "أمان" أهارون حاليفا، وقائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان، وكثيرين غيرهم في المؤسسة الأمنية، قائلا "يجب على الجميع أن يعودوا إلى منازلهم ويدفعوا ثمن الفشل والإخفاق، ومن ضمنهم نتنياهو".
ويضيف أشكنازي "لا يمكن أن يكون رئيس الوزراء فوق كل شيء، وغير ملزم بتقديم تفسيرات، ويمنع إجراء تحقيق حقيقي وبعمق في أكبر كارثة في تاريخ البلاد. فقرارات نتنياهو تقود إسرائيل نحو الانقلاب على النظام، الأمر الذي يعرض المواطنين والحريات للخطر، ويجعل من إسرائيل مكانا أقل جودة".