تشهد الحدود السورية اللبنانية تطورا خطيرا بعد اندلاع مواجهات بين الجيش السوري وعناصر من حزب الله، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الجانبين.
واتهمت وزارة الدفاع السورية حزب الله بتنفيذ عمليات تسلل وقتل ثلاثة جنود سوريين، إضافة إلى قصف مدفعي وصاروخي طال ريف حمص، وأسفر عن مقتل أكثر من ثمانية عسكريين سوريين.
وفي لبنان، أعلن الجيش اللبناني أنه ردّ على مصادر النيران القادمة من الأراضي السورية، بعدما تعرضت قرى وبلدات لبنانية لقصف مدفعي، مشيرًا إلى تعزيز انتشاره على الحدود للحفاظ على الاستقرار.
وفي محاولة لاحتواء التصعيد، أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون أنه أعطى توجيهاته للجيش اللبناني بالرد على أي اعتداء، وشدد على أن التوتر الحدودي "لا يمكن أن يستمر". كما أصدر أوامر لوزير الخارجية يوسف رجُل بالتواصل مع الجانب السوري لبحث سبل إنهاء الأزمة، بما يضمن سيادة كلٍّ من سوريا ولبنان.
الصراع على الحدود أكثر تعقيدا من كونه مجرد اشتباك عسكري
في قراءة تحليلية لتطورات المشهد، حذّر الخبير العسكري والاستراتيجي خالد حمادة خلال حديثه لبرنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية" من أن ما يجري على الحدود السورية اللبنانية ليس مجرد اشتباك عابر، بل يعكس صراعًا أعمق يتداخل فيه البعد السياسي مع المصالح الأمنية والاقتصادية لكلا الطرفين.
وقال حمادة في تصريحاته إن "الحدود السورية اللبنانية تحولت إلى جرح نازف، وإذا لم تعالج الأزمة بمقاربة مسؤولة من الحكومتين اللبنانية والسورية، فسنشهد مزيدًا من التصعيد. المشكلة الأساسية هنا سياسية قبل أن تكون أمنية. هذه المنطقة كانت خاضعة سابقًا لسيطرة الفرقة الرابعة السورية و الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب شبكات تهريب منظمة موالية لحزب الله. وبعد سقوط النظام السوري، تبدلت موازين القوى، حيث بات الجيش السوري يسعى لاستعادة السيطرة الكاملة، بينما لا يزال حزب الله والمسلحون التابعون له يفرضون نفوذهم في المنطقة الحدودية".
ويرى حمادة أن الاشتباكات الأخيرة جاءت نتيجة صراع مستمر على خطوط التهريب والمعابر غير الشرعية، مؤكدًا أن تطور المواجهة إلى حد استهداف قوات نظامية سورية يعكس تحولا خطيرا في قواعد الاشتباك.
وأضاف في السياق ذاته ان "ما يحدث اليوم ليس مجرد خلاف بين حزب الله و الجيش السوري، بل هو محاولة لإعادة رسم ملامح السيطرة على الممرات الحدودية، خاصة مع استخدام صواريخ الكورنيت الموجهة. هذه الاشتباكات تحمل أبعادًا تتجاوز مجرد النزاع المحلي، فهي قد تكون مؤشرًا على إعادة ترتيب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المنطقة وفق أجندات إقليمية".
وأشار حمادة إلى أن زج الجيش اللبناني في هذه الاشتباكات يُعدّ انحرافًا عن دوره الأساسي، حيث قال: "دور الجيش اللبناني هو حماية الحدود وليس الفصل بين المسلحين. المطلوب من السلطة السياسية اللبنانية أن تقوم باتصالات جدية مع دمشق لوضع حد لهذا التصعيد. فالقوات الحكومية السورية عليها ضبط الوضع من جانبها، كما يجب على لبنان أن يمنع أي تداخل بين الجيش اللبناني والمجموعات المسلحة غير النظامية".
هل تُستخدم الاشتباكات كورقة في معركة سلاح حزب الله؟
يتزامن هذا التصعيد الحدودي مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية لنزع سلاح حزب الله، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الحزب يستخدم هذه الاشتباكات لتبرير استمراره في التسلح والتدخل العسكري في سوريا.
وفي هذا السياق، يقول حمادة إن المعضلة الحقيقية تكمن في مستقبل الحدود اللبنانية السورية في ظل استمرار النشاط المسلح لحزب الله. هل ستكون هذه المواجهات ذريعة لتعطيل الجهود الدولية لنزع سلاحه؟ وهل تسعى إيران إلى استغلال الوضع لاستعادة نفوذها العسكري في سوريا ولبنان؟"
ويؤكد حمادة أن الحل الوحيد لتجنب تصعيد أكبر هو تفعيل قنوات الاتصال بين بيروت ودمشق لإغلاق كافة المعابر غير الشرعية وإيجاد تفاهم أمني مشترك، مضيفًا: "الحدود ليست مجرد نقاط عسكرية، بل هي معابر تجارية وأمنية حساسة. إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بين الحكومتين، فإن الوضع سيبقى مرشحا لمزيد من الانفجار".