آخر الأخبار

شهادات صمود في وجه التهجير من حي الزيتون

شارك

غزة-القدس المحتلة- على مسافة أمتار من تمركز الآليات الإسرائيلية على الحدود الشرقية الفاصلة بين حي الزيتون والأراضي الفلسطينية المحتلة، تطأ أقدام الغزيين لأول مرة أرض حاراتهم التي أجبرهم الاحتلال على تركها قسرا، منذ الشهر الأول للحرب.

وكان الاحتلال قد جعل المنطقة في مرمى نيرانه وقذائفه المدفعية والجوية، ليبدأ بشكل ممنهج في إفراغ حي الزيتون ونسفه وضمه للمنطقة العازلة لمفرق الشهداء (محور نتساريم).

"دمارٌ على مدّ البصر" خلفه البطش الإسرائيلي في أكبر أحياء مدينة غزة بشكل مضاعف، تكشّف عقب انسحاب الاحتلال من المحور، حيث استهل به جيش الاحتلال مناورته البرية، ومكث فيه أطول مدة من الاجتياح.

ودفع الحيّ الثمن الأكبر من محور نتساريم، و قُضمت منطقته الجنوبية بالكامل ووقع أكثر من 60% منه تحت السيطرة الإسرائيلية.

يظهر في الأفق جنود إسرائيليون مدججون بالسلاح واقفون على أبراج المراقبة العسكرية، وتمشيط من الجرافات الإسرائيلية للمنطقة الحدودية بشكل مستمر وتجوّل للآليات حول السياج.

أما حيث توجد الجزيرة نت فيدق أحمد موسى أخشاب خيمته بجوار ركام بيته، كمئات الغزيين الذين عادوا إلى حيّهم، ووجدوا بيوتهم كومة من ركام.

مصدر الصورة الطفل محمد يستخرج يوميًا أخشاب الأثاث المهشم من أسفل منزله المدمر لبيعها في السوق واستعمالها في الطهي (الجزيرة)

بلا مأوى

"وين نروح؟ لا بديل" يقول أحمد موسى للجزيرة نت بعدما فقد عمارة سكنية من 6 طبقات كانت تؤويه هو وعوائل أبنائه الخمسة. يتابع قوله وهو يدق المسمار ليثبت وتد الخيمة بالأرض "فقدنا بيوتنا وسياراتنا وأرزاقنا وتجارتنا ولم يبق لنا شيء، لكننا رغم ذلك لن نتزحزح من هنا مرة أخرى".

إعلان

تبدو عودة الغزيين للعيش فوق الركام لمن ينظر إليها من بعيد "ضرباً من الجنون"، فلا شيء يدعو إلى الحياة أو يعين على البقاء، كما يتشابه العائدون إلى هنا في شكل الحياة التي يحاولون التعايش مع قساوتها، والتكيّف مع الواقع الجديد الذي فرضته إسرائيل عليهم في محاولة لإجبارهم على تركها والهجرة منها.

يقطع السكان مسافات طويلة للحصول على غالونات من المياه العذبة للشرب والطهو، وأخرى للمياه العادية لاستخدامها في الغسل والتنظيف، ويقضون ليلهم على ضوء هواتفهم التي يقومون بشحن طاقتها بعيدا في محالّ استُحدثت بصعوبة للشحن، وبعضهم قام باستصلاح ألواح الطاقة الشمسية التي كانت لديهم لتنير لهم حلكة الليل.

كما لا يتوقف ليلاً نُباح الكلاب ولا تجمهر العشرات منها حول الخيام التي صنعها الأهالي من الأغطية البالية المستخرجة من تحت الركام!

مصدر الصورة الحاجة أم زهير أبو وادي تخرج من خيمتها يوميًا وتستصلح ما يمكن استصلاحه من بيتها المدمر (الجزيرة)

نريد خياما

سألت الجزيرة نت عددا من العائلات العائدة إلى حي الزيتون، عن حاجتها الملحة فأجمعوا على مطلب واحد "نريد خياما تحمينا من المطر وتسترنا من عراء الشارع"، فهم لا يبحثون عن رفاهية الكهرباء ولا عن الماء الساخن، وإنما يطالبون بما يعزز صمودهم في حيهم.

"حياة لا يطيقها بشر على وجه الأرض، لكن مجرد أننا جالسون فوق أراضينا وبيوتنا حتى لو كانت خرابة فأي شيء بعد ذلك يهون" تقول الحاجة أم زهير أبو وادي التي تخرج كل يوم صباحاً من خيمتها، وتصعد على كومة الركام المجاورة، وتبدأ البحث عن أي شيء من حياتها القديمة.

تقول أم زهير للجزيرة نت "كل يوم أجلس هنا أبكي، وأدعو الله أن ينقذنا مما نحن فيه وألا يذيق أحداً ما ذقناه"، تنادي على حفيدتها ملاك وتكمل "ما ذنب هذه الطفلة التي تقطع في الصباح مسافة حيّ كامل لجلب المياه؟ ما هذه الحياة التي يتحمل فيها طفل همّ أن يعطش ولا يجد ماء".

سألت الجزيرة نت ملاك عن حالها فأجابت دون تفكير "مهلوكة"، تقصد بذلك أنها مُنهكة ومُتعبة، حيث يقسم الأهالي المهام على أبنائهم رغم ثقلها، وتوكل إليها مهمة تعبئة المياه مع شقيقها الأكبر، تضيف ملاك "هذه ليست حياة، أشتاق لطفولتي وللعودة إلى مدرستي كمثيلاتي في العالم".

مصدر الصورة يتمسك الغزيون ببقايا بيوتهم المدمرة على أرضهم المسقية بدماء 60 ألف شهيد قضوا ليبقى وطنهم (الجزيرة)

لن نتركها

على الناحية المقابلة يجلس العريس يوسف الذي تزوج قبل 20 يوماً من الحرب على ركام بيته، يحاول مع والدته انتشال جهاز عروسه التي لم يسعفها الوقت لارتداء شيء منه ولا التمتع بسكينة بيتهما الذي لم يتعرف يوسف على ملامحه.

إعلان

يمسك فستاناً جديداً انتشله للتّو من تحت الركام، ويقول للجزيرة نت "هل كانت زوجتي تحارب؟ هل قتلت لهم أحداً؟ لماذا لم يستثنوا منا أحدا"، تعلّق أمه "لقد ضاع كل شيء ولم يبق لنا شيء".

قلنا لهم إن ترامب يعرض عليكم كل شيء خارج أسوار غزة، لماذا ترفضون الخروج؟ أجابوا بانفعال "لم نخرج حين انصبت علينا حممهم، أنخرج الآن؟"، ليقاطعها زوجها وهو يستند إلى جدار متشقق بقي من بيته المدمر "احفروا لنا قبورا هنا نعش فيها، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لن نتركها بعد اليوم أبدا"، قالها وهو يفتح عينيه الجاحظتين على اتساعهما.

مديرية الترانسفير

لا يستمع الغزيون لتفاصيل مخططات التهجير ولا يأخذونها على محمل الجد. يفعلون ما يعبر عن رفضهم إياها أكثر مما يقولون. يعتبر صمودهم في خيام فوق بيوتهم المدمرة على مرأى الاحتلال رد عملي واضح، يفضح أولا فشل الاحتلال في تهجيرهم رغم نزعه لكل ما يدعو إلى الحياة، ويعبر ثانيا عن رفضهم لما يشاع مؤخرا من محاولات إسرائيل استخدام أسلحة أخرى لتهجيرهم.

وكان آخر محاولات إسرائيل لتهجير الغزيين ما تردد عن إنشاء مديرية " الترانسفير" التي أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إقامتها، بهدف تشجيع أهل قطاع غزة على ما وصفه بـ"المغادرة الطوعية" إلى دولة ثالثة، بحيث تتولى المديرية عملية الإشراف على تنفيذ مخطط يشجع ويتيح للفلسطينيين من سكان غزة ممن يرغبون بمغادرة القطاع الحصول على "رزم" تحفيزية، تشمل إجراء ترتيبات الخروج والمغادرة والسفر عبر البحر أو الجو، وكذلك عن طريق المعابر البرية.

وعقب الإعلان عن تشكيل المديرية عرض وزير الدفاع كاتس، منصب رئيس إدارة الهجرة إلى غزة، على العميد احتياط عوفر وينتر، وهو من تيار "الصهيونية الدينية"، وكان قائدا في لواء غفعاتي، يذكر من مواقفه أنه أشهر ورقة أمام جنود جيش الاحتلال، قبل توغله البري للقطاع عام 2014، كان من ضمنها تعاليم توراتية من "شريعة الملك" التي تتحدث بمنطق "قتل الأغيار" و"أرض إسرائيل الكبرى".

وعرض منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، غسان عليان، خطة أولية صاغها بناء على طلب كاتس، تتضمن مساعدة واسعة النطاق تسمح لأي فلسطيني في غزة يرغب في الهجرة طوعا من القطاع إلى دولة ثالثة بالحصول على سلة مساعدات تشمل ترتيبات خاصة للخروج عن طريق البحر والجو والبر، دون الكشف عما إذا كان ذلك يشمل مبالغ مالية، حسب ما أفادت صحيفة "هآرتس". إعلان كاتس جاء على ضوء تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الأسابيع الأخيرة، وذلك تحت ذريعة إعادة الإعمار.

إعلان

وكان دونالد ترامب قد تحدث لأول مرة عن تهجير سكان قطاع غزة، خلال اجتماع مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، مضيفًا أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على المنطقة التي سيتم إخلاؤها.

وبينما يعرض قادة أميركا وإسرائيل صفقاتهم لأصحاب الأرض ليرحلوا منها، يتمسك الغزيون ببقايا بيوتهم المدمرة على أرضهم المسقية بدماء 60 ألف شهيد قضوا ليبقى وطنهم.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا